أحكام بالسجن لراشد الغنوشي: إجراءات قضائية وأمنية في تونس لتفكيك شبكات الإخوان

أحكام بالسجن لراشد الغنوشي: إجراءات قضائية وأمنية في تونس لتفكيك شبكات الإخوان

أحكام بالسجن لراشد الغنوشي: إجراءات قضائية وأمنية في تونس لتفكيك شبكات الإخوان


10/02/2025

لا تعدو الأحكام الصادرة بحق زعيم حركة النهضة (فرع إخوان تونس) راشد الغنوشي مجرد كونها أمراً جديداً أو طارئاً، بل إنّ أحكاماً سابقة صدرت بحقه بداية من قضية "إنستالينغو" مؤخراً، وبلغت مدة الحكم (22) عاماً، بتهم حول التآمر على أمن الدولة، وغسيل الأموال، وقضية التمويل الأجنبي مطلع شباط (فبراير) العام الماضي، وشملت كذلك صهره رفيق عبد السلام، ووصلت الأحكام لنحو (3) أعوام، مع النفاذ العاجل، بتهمة حصول الحركة الإخوانية على تمويل خارجي في انتخابات 2019. 

فضلاً عن قضية "جمعية نماء"، قبل نحو (3) أعوام، تحديداً في تموز (يوليو) 2022، حين اتهم الغنوشي بالتورط في جرائم إرهابية، وذلك في إطار التحقيقات المرتبطة بالتمويلات المشبوهة لجمعية "نماء" الخيرية. 

ساحة لنشاط إرهابي

يمكن القول إنّ القضايا والاتهامات التي يواجهها الغنوشي تعكس الدور المشبوه للحركة الإخوانية في فترة عُرفت بـ "العشرية السوداء" ومرحلة التمكين السياسي بتونس، حين كانت البلاد ساحة لنشاط إرهابي من خلال تسفير العناصر المسلحة المنتمية لجماعات الإسلام السياسي، والجهادي على وجه التحديد، وتوظيفهم في نطاقات جغرافية متخمة بالصراع الميداني، كما في سوريا وليبيا؛ ذلك ما استدعى، الحصول على تمويلات من جهات خارجية لتوفير اقتصاديات للعنف المسلح والراديكالي، والاعتداء على مؤسسات الدولة القانونية والقضائية والتنفيذية، وقد تحولت بفعل التسييس إلى ممرات آمنة لصالح نشاط ومصالح "إخوان" تونس، وبرز ذلك في تسييس القضاء وإتلاف أوراق عديدة للقضايا المتعلقة بالأمن القومي.

زعيم حركة النهضة (فرع إخوان تونس): راشد الغنوشي

قضية شركة الاتصالات والمحتوى الرقمي "أنستالينغو"، تعود إلى تشرين الأول  (أكتوبر) عام 2021، وهي مرتبطة بتوقيف صحفيين ومدونيين وسياسيين وغيرهم للتحقيق معهم على خلفية "ارتكاب (جرائم) ضد رئيس الدولة قيس سعيد، والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي". 

ومن بين القضايا الأخرى: غسيل الأموال، واستغلال التسهيلات "التي خوّلتها خصائص التوظيف والنشاط المهني والاجتماعي، والاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مواجهة بعضهم بعضاً، وإثارة الهرج والقتل والسلب على الأراضي التونسية"، وفق مصادر التحقيقات الرسمية. كما وجهت للملاحقين في القضية تهم "إثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي"، و"ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة"، و"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وذلك بمحاولة المس من سلامة التراب التونسي"، حسب القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. و"حكم القضاء بسجن صهره رفيق بوشلاكة (34) عاماً، ونجله معاذ الغنوشي (35) عاماً، وابنته سمية الغنوشي (25) عاماً، إلى جانب قيادات أمنية، من بينهم المدير السابق للمخابرات لزهر لونقو الذي قضت المحكمة بسجنه (15) عاماً، والناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي مدة (13) عاماً، وكذلك تمّ سجن صحفيين ومدوّنين".

تقويض الأمن الإقليمي

لا يمكن فصل تلك الاتهامات الموجهة للغنوشي الموقوف منذ عامين تقريباً عن الدور السياسي للإخوان وذراعهم السياسية بتونس، الذي هدف إلى تقويض مؤسسات الدولة، ودفع البلاد نحو الاحتراب الأهلي، ووضع الفوضى في مقابل أيّ محاولة لإبعاد الحركة عن السلطة، حسبما يوضح الباحث المختص في العلوم السياسية الدكتور مصطفى صلاح، موضحاً أنّ "التآمر على أمن الدولة" و"التورط في شبكات التسفير إلى بؤر التوتر" شملت قيادات "الإخوان"، مثل علي العريض ونور الدين البحيري وآخرين. ويوضح صلاح لـ (حفريات) أنّه منذ 2011 وسقوط نظام زين العابدين بن علي، ساهمت الحركة الإخوانية بدور لافت بالمشهد السياسي، غير أنّ هذا الدور الذي سعى للتمكين كغيرهم من تنظيمات الإخوان بمصر والمغرب في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، ارتبط بملفات فساد، ودعم الإرهاب، والتدخلات الخارجية، ممّا أثر سلباً على استقرار البلاد وأدى إلى تراجع الثقة في الطبقة السياسية.

وبحسب صلاح، فإنّ ملف التسفير لبؤر التوتر، المتهمة فيه حركة (النهضة)، لم يكن مجرد اتهام عادي، بل يعكس استراتيجية الجماعات الإسلاموية التي تتحالف لتشكيل روابط تنظيمية إقليمية لتطويق الأمن الإقليمي، وبالتالي، سهلت لآلاف الشباب التونسيين السفر إلى سوريا وليبيا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ جماعة الإخوان بمصر والمصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، سبق لها الإعلان عن نداء "الجهاد" في سوريا على لسان محمد مرسي في عام حكمهم المشؤوم.

ويؤشر ذلك إلى التساهل مع التنظيمات المتشددة، بما وفر حاضنة وغطاءً سياسياً لعمليات العنف كاغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. 

السياسي والمحامي التونسي الراحل: شكري بلعيد

وعليه، فإنّ المسار القضائي يبدو مهمّاً وضرورياً لبناء المساءلة القانونية، وتصفية "أخونة" أجهزة ومؤسسات الدولة، وإنهاء تغلغل حركة (النهضة) في مفاصل القضاء والأمن والمؤسسات الإدارية لضمان الولاءات على الأساس التنظيمي للإخوان، وفق الباحث المصري المختص في العلوم السياسية. ويختتم حديثه قائلاً: "استُخدم القضاء للتغطية على ملفات الفساد والإرهاب المرتبطة بقيادات النهضة، ممّا أعاق سير العدالة في قضايا متعلقة بأمن الدولة والأمن القومي، بداية من ملف الاغتيالات السياسية، مروراً بجمعية "نماء"، وحتى تمويل الإرهاب وتسفير الإرهابيين. كما أنّ التمويلات الخارجية جاءت من قوى إقليمية لدعم الأنشطة السياسية والتأثير على القرار الوطني. وقد صدر الحكم القضائي بسجن الغنوشي (3) أعوام في 2024 بسبب هذه التمويلات غير المشروعة، ومنها استغلال الجمعيات الخيرية لغسيل الأموال، فقد فضحت التحقيقات في "نماء" دورها في توفير غطاء لتحويل الأموال وتمويل أنشطة مشبوهة".

في المحصلة، كان التحالف مع لوبيات الفساد في تونس في ظل حكم حركة (النهضة)، وشبكات التهريب المختلفة، يفاقم من وضع انتشار الفساد المالي والأزمات الاقتصادية التي ساعدت في تنمية الاحتقان المجتمعي ورفض هذا الحكم الإسلاموي، وانكشاف التباينات الفجة بين خطابهم الانتهازي وممارساتهم السياسية التي وصلت حدوداً غير معقولة، مع تعطيل البرلمان وشلّ قدرات الحكومة، وفتح شروخ بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان لجهة هز الاستقرار السياسي. التجربة التونسية مع هذا النمط من الحكم كشفت عن نتائجه المريرة بمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، والإجراءات القضائية والأمنية هي محاولة لتفكيك شبكات الإخوان بتونس.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية