
في الثالث من تمّوز (يوليو) 2025، وتزامنًا مع الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أصدرت حركة "حسم"، الجناح المسلح المنبثق عن الجماعة، بيانًا أعلنت فيه عودتها إلى العمليات المسلحة داخل مصر.
هذا الإعلان، الذي جاء في توقيت حساس ومشحون، أثار تساؤلات حول دلالات هذه العودة وأسباب لجوء الجماعة إلى العنف مجددًا، بعد توقف مؤقت عن العمل المسلح منذ عام 2019، الأمر الذي يحمل دلالات سياسية وأمنية، في ضوء السياق الإقليمي والداخلي.
رسالة سياسية أم تصعيد عسكري
حركة "حسم"، التي ظهرت لأول مرة عام 2014 كجناح مسلح مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، ليست ظاهرة جديدة في المشهد المصري. فقد تأسست الحركة في أعقاب إطاحة الجيش المصري بحكم الرئيس محمد مرسي في العام 2013، حين شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات والعنف، بالتزامن مع ثورة شعبية لم يسبق لها مثيل.
"عودة 'حسم' إلى العمل المسلح تعكس أزمة وجودية داخل جماعة الإخوان، وتكشف هشاشة بنيتها بعد 12 عامًا من السقوط السياسي."
خلال تلك الفترة تبنت "حسم" عمليات استهدفت ضباط الشرطة والجيش، فضلًا عن البنية التحتية، كجزء ممّا وصفته بـ "المقاومة" ضد النظام الحاكم. لكنّ نجاح الأجهزة الأمنية المصرية في تفكيك خلايا الحركة، دفعها إلى الإعلان عن تعليق عملياتها المسلحة في العام 2019، في خطوة بدت تكتيكية لإعادة ترتيب صفوفها.
الإعلان الأخير، الذي تضمن "فيديو" يظهر مقاتلين مسلحين في منطقة صحراوية مجهولة يحمل رسائل متعددة. البعض يرى أنّ هذا البيان ليس سوى محاولة للضغط على الدولة المصرية في ظل ظروف إقليمية مضطربة، بهدف فتح ملف المصالحة أو الإفراج عن قيادات الإخوان المسجونين. ويؤكد هذا الرأي عددٌ من المحللين الذين أشاروا إلى أنّ توقيت الإعلان يتزامن مع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة الحرب المستمرة في غزة، التي تستغلها الجماعة لتعبئة أنصارها أو استقطاب عناصر جديدة.
استغلال السياق الإقليمي
لم يكن اختيار توقيت الإعلان عشوائيًا، فالتزامن مع ذكرى 30 حزيران (يونيو)، التي تمثل بالنسبة إلى الإخوان "سقوطًا تاريخيًا"، يحمل رمزية سياسية قوية. هذه الذكرى تُعدّ لحظة انهيار مشروعهم السياسي في مصر، بعد عام واحد فقط من وصولهم إلى السلطة في 2012.
"توقيت الإعلان، المتزامن مع ذكرى 30 يونيو، لا يخلو من رمزية سياسية تسعى الجماعة لاستغلالها لإعادة الزخم واستقطاب الأنصار."
الإعلان في هذا التوقيت يمكن أن يُفسَّر كمحاولة لاستعادة الزخم بين أنصار الجماعة، أو إرسال رسالة إلى الداخل والخارج بأنّ الجماعة ما تزال تملك القدرة على التحرك رغم الضغط الأمني المستمر.
علاوة على ذلك، تأتي هذه العودة في سياق إقليمي مضطرب، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، التي خلقت حالة من الفوضى والاستقطاب في المنطقة، وتوسعها إقليميًا لتشمل دول الجوار وإيران، وهي ظروف غالبًا ما تستغلها الجماعات المتطرفة لتعزيز وجودها.
لجوء جماعة الإخوان إلى العنف عبر ذراعها المسلح "حسم"، يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل داخلية وخارجية:
منذ إطاحة حكم الإخوان في 2013 واجهت الجماعة حملة واسعة النطاق، شملت تصنيفها "منظمة إرهابية"، ومصادرة مؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية، واعتقال بعض أعضائها وقياداتها، مع شعورهم بغياب أيّ أمل في العودة إلى العمل السياسي السلمي.
"في ظل الانقسام الداخلي وتراجع النفوذ، يبدو البيان الأخير محاولة لإثبات الحضور أكثر منه إعلانًا عن قوة فاعلة."
تعاني الجماعة أيضًا من انقسامات داخلية حادة بين قيادات الداخل والخارج، ممّا أضعف تماسكها التنظيمي. ويرى بعض المحللين أنّ إعلان "حسم" قد يكون محاولة من بعض الفصائل لإثبات وجودها أو فرض أجندتها داخل التنظيم، خاصة في ظل تراجع نفوذ القيادات.
اختارت "حسم" اعتناق أفكار سيد قطب، التي تُبرر العنف ضدّ الأنظمة التي تُعتبر "جاهلية"، وهي أفكار ما تزال تؤثر على شرائح من الجماعة. هذا الفكر، الذي تبنته جماعات متطرفة أخرى، يُشكّل إطارًا إيديولوجيًا لعودة "حسم" إلى العمل المسلح.
"العودة إلى العنف لا تمثل انتصارًا بقدر ما تعكس إفلاسًا سياسيًا واستنزافًا فكريًا داخل تيار الإسلام السياسي في مصر."
وتذكر بعض التقارير أنّ كوادر "حسم" تلقت تدريبات في سوريا، ممّا يشير إلى احتمال وجود دعم خارجي من جهات تسعى لزعزعة استقرار مصر. هذا الدعم قد يمنح الحركة دفعة لوجستية لاستئناف عملياتها، لكنّه يثير أيضًا تساؤلات حول طبيعة الجهات التي تقف وراء هذا التحرك.
تحديات وتداعيات العودة
عودة "حسم" إلى المشهد تحمل مخاطر كبيرة، ليس فقط على الأمن المصري، بل على الجماعة نفسها. فمن ناحية، الدولة المصرية التي نجحت في تفكيك خلايا الحركة سابقًا تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع مثل هذه التهديدات. وتشير تصريحات أمنية عديدة إلى ثقة المحللين في قدرة الجيش والأجهزة الأمنية على مواجهة أيّ تصعيد، مع توقعات بتنفيذ أحكام الإعدام المؤجلة ضد قيادات الإخوان إذا بدأت العمليات الإرهابية.
"بين الماضي المنهار والمستقبل المغلق، لا تملك 'حسم' سوى الرهان على الفوضى، لكن الرصاص لا يصنع مشروعًا سياسيًا."
من ناحية أخرى، قد تؤدي هذه العودة إلى مزيد من الانقسامات داخل الإخوان، ويرى البعض أنّ اللجوء إلى العنف سيضر بصورة الجماعة ويُفقدها أيّ تعاطف شعبي متبقٍّ.
بين الماضي والمستقبل
إعلان "حسم" عن عودتها إلى العمل المسلح يعكس أزمة وجودية تعيشها جماعة الإخوان المسلمين بعد (12) عامًا من سقوطها السياسي. التوقيت الذي يتزامن مع ذكرى 30 حزيران (يونيو)، والتوترات الإقليمية، يشير إلى محاولة يائسة لإثبات الوجود أو الضغط على الدولة المصرية. لكن في ظل القمع الأمني المستمر والتحديات الداخلية للجماعة، يبدو أنّ هذا التصعيد قد يُسرّع من أفول نجمها بدلًا من إحيائها.
"الدولة المصرية تملك اليوم من الخبرة الأمنية والقدرات الاستخباراتية ما يجعل أيّ تهديد مباشر تحت المجهر الدقيق."
الدولة المصرية، من جانبها، تواصل سعيها إلى تعزيز استراتيجياتها الأمنية مع فتح قنوات للحوار السياسي وامتصاص التوترات، والعمل على تفكيك الخطاب الإيديولوجي للجماعة باستمرار، وسدّ كل الثغرات التي من الممكن أن تنفذ عبرها الجماعة إلى المجتمع المصري الذي لفظها في ثورة شعبية لم يسبق لها نظير.