
في بيان صادر عن جماعة الإخوان المسلمين، تزامن مع ذكرى سقوطها التاريخي عام 2013، أطلقت الجماعة انتقادات لاذعة ضدّ ما سمّته "سلطة الانقلاب" في مصر، متناولة قضايا اقتصادية وسياسية وإقليمية.
البيان، الذي نشره الدكتور محمود حسين، القائم بأعمال المرشد العام (جبهة إسطنبول)، زعم أنّ السلطة الحالية "فرّطت" في موارد مصر الطبيعية، وأضعفت دورها الإقليمي، وأغرقت البلاد في الديون، وهددت أمنها المائي. لكنّ هذا البيان، كما هو معتاد من الجماعة، يحمل طابعًا دعائيًا واضحًا، ويتجنب الإشارة إلى فشل الإخوان أنفسهم خلال فترة حكمهم عام 2012-2013.
هذا التقرير يفنّد الادعاءات المثارة، ويكشف الجوانب الدعائية، ويوضح الأكاذيب التي تحاول الجماعة ترويجها.
الادعاء الأوّل: التفريط في موارد مصر الطبيعية
البيان يتهم السلطة الحالية بالتفريط في الغاز الطبيعي، خاصة حقل "ظهر"، وتحويل مصر من بلد مصدّر إلى مستورد، مع عقود استيراد مزعومة مع "الكيان الصهيوني". هذا الادعاء يتجاهل الحقائق الاقتصادية والسياسية التي تحيط بقطاع الطاقة في مصر.
جاء بيان الإخوان الأخير محمّلًا بالادعاءات والشعارات العاطفية، متجاهلًا إخفاقاتهم السابقة، وساعيًا لاستغلال التحديات الحالية لتشويه السلطة المصرية.
اكتشاف حقل "ظهر" عام 2015 كان نقطة تحول في قطاع الطاقة المصري، فقد أسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول 2018. وعلى عكس ادعاءات البيان، فإنّ مصر صدّرت الغاز إلى أوروبا عبر عقود تجارية عادية، وليست "مجحفة" كما يُروَّج. أمّا استيراد الغاز من إسرائيل، فهو جزء من اتفاقيات اقتصادية تهدف إلى تلبية احتياجات السوق المحلية خلال فترات الذروة، مع الحفاظ على استقرار الأسعار. هذه الخطوة، رغم حساسيتها السياسية، جاءت في سياق تعاون إقليمي لضمان استقرار الطاقة، وليس "خضوعًا" كما يدّعي البيان. كما أنّها جاءت في ذروة التنافس بين مصر وتركيا حول خبيئة شرق المتوسط، ونجحت القاهرة في "خطف" الصفقة من أنقرة.
والأهم، أنّ البيان يتجاهل فشل حكومة الإخوان في إدارة قطاع الطاقة خلال عامها الوحيد في الحكم. في تلك الفترة شهدت مصر أزمات طاقة حادة، مع انقطاعات متكررة للكهرباء، ونقص في الوقود، دون أيّ خطة واضحة لإدارة الموارد أو جذب استثمارات أجنبية. وبدلاً من تقديم حلول، لجأت الجماعة إلى شعارات سياسية، ممّا أدى إلى تفاقم الأزمة.
الادعاء الثاني: التفريط في مياه نهر النيل
يزعم البيان أنّ السلطة "تراخت" في الدفاع عن حقوق مصر المائية، وأنّ سد النهضة الإثيوبي يهدد الأمن المائي المصري، ويسخر البيان من اللجوء إلى تحلية المياه وتنقية الصرف الصحي.
اتهم البيان السلطة الحالية بالتفريط في موارد الغاز، متجاهلًا أنّ حقل "ظهر" حقق الاكتفاء الذاتي، وأسهم في تصدير الغاز إلى أوروبا.
يمكن القول إنّ قضية سد النهضة معقدة وممتدة منذ أعوام، وتتطلب توازنًا دبلوماسيًا دقيقًا. السلطة المصرية اتخذت خطوات حثيثة للتفاوض مع إثيوبيا والسودان، بما في ذلك اللجوء إلى وساطات دولية وإقليمية لضمان حصة مصر من مياه النيل. واستخدمت مصر كل أساليب الضغط، بما في ذلك نقل قوات عسكرية إلى السودان والصومال.
وخلافًا لما يدّعيه البيان، فإنّ مشاريع تحلية المياه وإعادة تدوير الصرف الصحي هي استراتيجيات حديثة، تتبناها العديد من الدول لمواجهة التحديات المائية، ولا تعكس "فشلاً"، بل تخطيطًا طويل الأجل لتنويع مصادر المياه.
زعم البيان أن استيراد الغاز من إسرائيل خضوع سياسي، رغم كونه جزءًا من اتفاقيات إقليمية لحفظ استقرار السوق في ذروة التوتر شرق المتوسط.
البيان يتجاهل أيضًا أنّ مفاوضات سد النهضة بدأت خلال فترة حكم الإخوان، حيث فشلت حكومتهم في اتخاذ موقف دبلوماسي قوي، بل شهدت تلك الفترة تصريحات متضاربة واجتماعات علنية أضرت بموقف مصر التفاوضي. هذا الفشل الواضح لا يُذكر في البيان، ممّا يكشف عن محاولة الجماعة لتحميل السلطة الحالية مسؤولية تحديات موروثة.
الادعاء الثالث: سوء الإدارة
يتحدث البيان عن "سيل الديون الهادر" و"الفساد" و"المشاريع الفاشلة" التي استنزفت الموازنة، مع اتهامات بالتفريط في الأراضي المصرية.
من المؤكد أنّ مصر تواجه تحديات اقتصادية، بما في ذلك ارتفاع الديون الخارجية. لكنّ هذا الوضع ليس حصريًا على مصر، بل هو تحدٍ عالمي تواجهه دول عديدة نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية، مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وتأثر الممر المائي في قناة السويس بالنشاط الحوثي.
فشلت حكومة الإخوان خلال حكمهم في إدارة أزمة الطاقة، وشهدت البلاد حينها انقطاعات كهربائية ونقصًا حادًا في الوقود دون خطط واضحة.
السلطة الحالية أطلقت مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير قناة السويس، والتي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل، رغم انتقادات حول تكلفتها.
أمّا عن "التفريط في الأراضي"، فالبيان لا يقدم أدلة ملموسة، بل يعتمد على عبارات عامة لإثارة العواطف. في الواقع، المشاريع الاستثمارية مع شركات دولية، مثل تطوير الساحل الشمالي أو مدينة رأس الحكمة، تتم وفق عقود قانونية تهدف إلى جذب الاستثمارات وتعزيز الاقتصاد، وليست "بيعًا" للأراضي كما يروّج البيان.
أغفل البيان دور الإخوان المتضارب والفوضوي في مفاوضات سد النهضة، الذي أضر بموقف مصر التفاوضي وأفقدها أوراق ضغط حاسمة.
في المقابل، يتجاهل البيان الكارثة الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال حكم الإخوان. فقد شهدت فترة حكمهم تراجعًا حادًا في احتياطي النقد الأجنبي، دون أيّ إصلاحات اقتصادية ملموسة. كما أنّ الفساد الإداري وسوء تخصيص الموارد كانا واضحين في إدارتهم، ممّا أدى إلى انهيار الثقة في الاقتصاد.
الادعاء الرابع: تراجع الدور الإقليمي والخضوع للغرب
يزعم البيان أنّ مصر فقدت دورها الإقليمي وأصبحت "عصا غليظة" في يد الكيان الصهيوني، مع الإشارة إلى معاملة النشطاء المتضامنين مع غزة.
مصر حافظت على دورها الإقليمي كوسيط رئيسي في قضايا المنطقة، خاصة في الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. وقد أمنت القاهرة حدودها، ومنعت المخطط الصهيوني لطرد الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية.
اتهم البيان النظام الحالي بإغراق البلاد في الديون، متجاهلًا تداعيات جائحة كورونا وحرب أوكرانيا وتأثيراتها على اقتصادات العالم.
هذا الدور يعكس توازنًا دبلوماسيًا يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وليس "خضوعًا" كما يدّعي البيان. أمّا عن استقبال وفود إسرائيلية في شرم الشيخ، فهذه مزاعم مبالغ فيها تهدف إلى استثارة الرأي العام، دون تقديم أدلة.
البيان يتجاهل أيضًا أنّ الإخوان، خلال حكمهم، فشلوا في تقديم رؤية إقليمية واضحة، وأضروا بالعلاقات مع دول الخليج بسبب مواقفهم المتشددة. كما أنّ سياساتهم الخارجية كانت متخبطة، ممّا أدى إلى عزلة مصر إقليميًا ودوليًا.
الجانب الدعائي في البيان
البيان يعتمد على لغة عاطفية وشعارات رنانة، مثل "رقابنا تحت مقصلة أعدائنا" و"سيل الديون الهادر"، لاستثارة الرأي العام دون تقديم بيانات أو أدلة ملموسة. هذه اللغة هي سمة أساسية للخطاب الإخواني، الذي يسعى إلى تعبئة الجماهير عبر استغلال القضايا الحساسة، مثل النيل والغاز والديون. كما أنّ البيان يتجنب تمامًا الإشارة إلى فشل الجماعة في إدارة الدولة، ممّا يكشف عن محاولة لإعادة كتابة التاريخ وتبييض صفحتهم.
زعم البيان أنّ مصر فقدت دورها الإقليمي، رغم حفاظها على موقع الوسيط الإقليمي في غزة وتفادي المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين.
بيان الإخوان ليس سوى محاولة دعائية لتشويه السلطة الحالية، مع تجاهل فاضح لفشلهم الذريع في إدارة مصر خلال عام 2012-2013. والادعاءات حول التفريط في الموارد والديون والدور الإقليمي تحمل قدرًا كبيرًا من المبالغة والتضليل، وتعتمد على استغلال التحديات الحقيقية التي تواجهها مصر دون تقديم حلول بديلة. إنّ الجماعة، التي خسرت شرعيتها بسبب سوء إدارتها وسياساتها المتخبطة، تحاول استعادة زخمها عبر خطاب دعائي، لكنّ الحقائق التاريخية والاقتصادية تكشف زيف هذه الادعاءات.