غزة: الجيش الإسرائيلي يستخدم مراكز المساعدات الأمريكية لحصد أرواح الجياع

غزة: الجيش الإسرائيلي يستخدم مراكز المساعدات الأمريكية لحصد أرواح الجياع

غزة: الجيش الإسرائيلي يستخدم مراكز المساعدات الأمريكية لحصد أرواح الجياع


كاتب ومترجم فلسطيني‎
06/07/2025

لم يكن هدف الجيش الإسرائيلي من إنشاء مراكز المساعدات الأمريكية في قطاع غزة إغاثة الجياع وإنقاذ حياتهم، بل قصد من وراء الخطة المستحدثة خلق حالة من الفوضى وقتل المواطنين الباحثين عن لقمة العيش، فقد تحولت نقاط المساعدات الأمريكية الـ (4) إلى نقاط لاستهداف الشبان الذين يتوجهون للحصول على صناديق المساعدات لسدّ جوعهم، في ظل الحصار المشدد ومنع الاحتلال إدخال الغذاء إلى سكان قطاع غزة.

ومنذ بدء العمل داخل مناطق المساعدات التي تقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي مطلع حزيران (يونيو) الماضي قتل حوالي (570) شابًا، وما زال يتعرض العشرات من الشبان يوميًا إلى الإصابة بنيران الجيش والقتل، فالجيش يقصف تجمعات المواطنين المنتظرين لفتح المراكز، ويطلق النار عليهم خلال عودتهم إلى منازلهم، دون أن يُشكّل هؤلاء أدنى خطر على العاملين داخل مراكز المساعدات.

مراكز المساعدات الأمريكية في غزة تحولت إلى مصائد موت، حيث يستهدف الجيش الإسرائيلي المدنيين الباحثين عن الغذاء في ظل الحصار المشدد

ويرفض آلاف المواطنين في غزة العمل بهذه الخطة، التي تأتي بقصد نشر الفوضى وتأزيم حياة السكان، ولا يرغب الكثيرون بالتوجه للحصول على المساعدات من هذه المراكز التي تُعتبر مصائد للقتل وإذلال المواطنين، ولا تقدّم ما يكفي من الغذاء، بل يقتصر توزيعها على صناديق تحتوي فقط على أصناف من البقوليات، ومن يذهب فإنّ فرصة قتله أكبر من فرصة العودة إلى بيته.

مؤسسات دولية وحقوقية حذّرت من  استدراج الجيش الإسرائيلي المجوَّعين إلى كمائن الموت تحت الغطاء الإنساني، معتبرة أنّ ما يتم فعله بحق المدنيين هو جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية تستوجب تدخلًا دوليًا عاجلًا لوقف شلال الدم، وضمان تدفق المساعدات إلى السكان دون شروط. وقد استنكرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" عمليات القتل المتعمد التي تجري يوميًا على أبواب مراكز المساعدات الأمريكية، وأدانت الهيئة بأشد العبارات استمرار الجرائم الإسرائيلية الوحشية بحق المدنيين المجوَّعين بشراكة أمريكية تتنافى مع كل المبادئ الإنسانية، مطالبة بضرورة وقف الآلية الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات، ونقل المهمة إلى وكالة الغوث "الأونروا"، وضرورة التحرك الدولي العاجل لوقف الحرب المستمرة على غزة.

يُقتل الشبان بدم بارد عند اقترابهم من مراكز التوزيع، وتتحول محاولات النجاة إلى مواجهات مع القناصة والدبابات خلف التلال الرملية

وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان، أنّ ما يُسمّى بمراكز المساعدات الأمريكية الإسرائيلية قد تحولت خلال شهر من بدء عملها إلى مصائد للموت وأفخاخ للقتل والاستدراج الجماعي اليومي، حيث سجل قتل (564) شهيدًا وأكثر من (4) آلاف مصاب، عدا عن عشرات المفقودين، وجميع الضحايا هم من السكان المدنيين الذين خاطروا بحياتهم في محاولة لتأمين لقمة العيش لأطفالهم، وسط الحصار الإسرائيلي الخانق المتواصل منذ أن بدأ الاحتلال بشنّ حربه المستعرة على قطاع غزة.

وقد أدان المكتب بأشدّ العبارات الجريمة المستمرة بحق المدنيين العزّل، حيث يتمّ استدراج المجوَّعين المدنيين ثم إطلاق النار عليهم بدم بارد وممنهج وبشكل يومي ووفق مواعيد محددة، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال يستخدم الغذاء كسلاح قتل جماعي، ويحوّل ما يزعم أنّها مساعدات إلى أداة للإبادة والسيطرة، وحذّر المكتب من استمرار هذا النمط الدموي الذي يرعاه الاحتلال تحت غطاء المساعدات، مطالبًا بفتح تحقيق دولي عاجل ووقف الجريمة المنظمة، ومحاسبة كل من يتواطأ فيها سياسيًا أو ميدانيًا، بالإضافة إلى فتح المعابر ورفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات الإنسانية بالطرق المعتمدة عبر مؤسسات الأمم المتحدة.

ترفض آلاف العائلات في غزة التوجه لمراكز المساعدات الأمريكية خوفًا من القتل، بعد أن أصبحت صناديق العدس أثقل من أرواحهم

وفق شهادات عدد من الشبان الذين يواصلون التوجه لمركز المساعدات قرب محور نيتساريم وسط قطاع غزة، أكدوا أنّ عناصر الجيش الإسرائيلي يأتون إلى مقربة من نقطة المساعدات عند وصول الشبان، وتقوم القناصة بالتمركز خلف التلال الرملية وتصطاد الشبان واحدًا تلو الآخر، وهذا يحصل عند الانتظار على مقربة من بوابة نقطة التوزيع، كي تفتح الأبواب ويدخل إليها الشبان في ساعات الليل المتأخرة.

يقول الشاب أحمد موسى: "مراكز المساعدات الأمريكية لم تنشأ لخدمة السكان المجوَّعين، بل لإذلالهم واصطيادهم، وهذا هو الحال الذي يعيشه شباب غزة اليوم، فأنا كواحد من آلاف الشبان أذهب سيرًاعلى الأقدام يوميًا من شمال غزة إلى مركز التوزيع وسط القطاع، لكن كل يوم أذهب فيه أودع أسرتي لأنّني أعلم جيدًا مدى الخطر الذي يحيط بي من أجل الحصول على لقمة العيش، وكل يوم نفقد أحد الأصدقاء أو الأقارب على بوابات تلك المراكز التي لا تعرف للإنسانية معنى".

تستغل إسرائيل غطاء "المساعدات الإنسانية" لتمارس سياسة التجويع والإبادة، وتحرم السكان من الغذاء مستخدمة القتل أداة للترويع والاستسلام

ويوضح في حديثه لـ (حفريات) أنّه "في إحدى المرات فتح المركز أبوابه عند الساعة الثانية ليلًا، ودخلت مع عدد كبير من الشبان لاستلام طرود غذائية، وعند مغادرة المركز نحو البيت قدمت إحدى الدبابات وقامت بمحاصرة الشبان وإطلاق النار بشكل كثيف تجاه الآلاف منهم، الأمر الذي دفعنا إلى إلقاء المساعدات والهرب تحت زخات الرصاص، وقتل حينها عدد وأصيب عدد آخر، وهذا الفعل الإجرامي يأتي في سياق حرمان السكان من الحصول على المساعدات".

أمّا الشاب وسام بلح، فقد "أصيب في ساقه قبل أيام قليلة من قناصة إسرائيلية أثناء انتظاره فتح بوابة التوزيع، لكنّ حدة الجوع بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق لم تمنعه من العودة مرات أخرى من أجل الحصول على المساعدات لسدّ جوع أسرته في ظل شح الغذاء واعتماد جميع سكان غزة على المساعدات التي تأتي من الخارج".

شهادات من غزة تكشف استهداف القناصة للشبان أثناء انتظارهم على بوابات المراكز، وتُرصد لحظات الرعب تحت زخات الرصاص

ويلفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "الجيش تعمّد فتح تلك المراكز لقتل أكبر عدد من الشبان، ولا توجد لديه أيّ نوايا إنسانية في التوجه نحو تلك الآلية، فقد زعم أنّ المساعدات تصل إلى "حماس" وأغلق المعابر عدة أشهر، وهذه خطة لتجويع الناس ودفعهم نحو التوجه مجبرين إلى نقاط المساعدات الأمريكية، وذهبنا للحصول على المساعدات رغم حجم الخطر الذي يحوم حولنا، لكنّ فرصة موتنا تجاوزت فرصة حصولنا على المساعدات".

وبيّن أنّ "تلك المراكز لا تقدّم ما يكفي من الغذاء للسكان، بل يقتصر التوزيع على أصناف البقوليات من العدس والأرز والحمص وأصناف البقوليات الأخرى، بينما اللحوم والأصناف الأخرى من الأغذية ذات الفائدة يُحرم سكان غزة من الحصول عليها منذ مطلع آذار (مارس) الماضي".

تقارير حقوقية وصفت المراكز بأنها أدوات إبادة جماعية، وطالبت بتحقيق دولي عاجل ووقف الشراكة الأمريكية في الجرائم الإسرائيلية.

 

أمّا حال الشاب نضال سلمان، فقد كان مغايرًا عن سابقيه، فهو "يرفض بشكل قاطع التوجه إلى مراكز الإذلال والموت، على حدّ وصفه، من أجل الحصول على القليل من المساعدات التي لا تسدّ الجوع، ومحاولة الحصول عليها صعبة، وربما يفقد الإنسان حياته، لذلك أقوم بشراء ما يقوم الشبان ببيعه في الأسواق إلى حين أن تعود الحياة إلى طبيعتها، وهذا هو حال الغالبية الكبرى من السكان في غزة الذين يرفضون التوجه إلى تلك المراكز خوفًا على حياتهم".  

يشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يواصل العمل على نشر الفوضى وعدم الاستقرار داخل القطاع، فعند موافقة الاحتلال على استئناف إدخال المساعدات بعد توقفها مدة شهرين، قام باتخاذ قرارات تجعل من آلية توزيع المساعدات بشكل منظم أمرًا مستحيلًا، بل عمل على تنظيم عصابات هدفها السطو على شاحنات المساعدات، ومنعها من الوصول إلى المخازن وتوزيعها على المواطنين. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية