كيف استخدمت إسرائيل فلسطينيين دروعًا بشرية في غزة؟

كيف استخدمت إسرائيل فلسطينيين دروعًا بشرية في غزة؟

كيف استخدمت إسرائيل فلسطينيين دروعًا بشرية في غزة؟


03/07/2025

تحت تهديد السلاح، وخوفًا من قتله، اضطر الشاب تيسير صالح (27) عامًا، من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة إلى الاستجابة لجنود الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة، لاستخدامه درعًا بشريًا لتفتيش منزل يعتقد الاحتلال وجود مسلحين بداخله.

واعتقل صالح من  داخل مدرسة "خليل عويضة" ببيت حانون، بعد أن اقتحمها الاحتلال الإسرائيلي في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وبقي معتقلًا مدة (36) ساعة.

وكان تحقيق أجرته صحيفة (هآرتس) في 30 حزيران (يونيو) 2024م، قد كشف أنّ الجيش الإسرائيلي يستخدم الفلسطينيين دروعًا بشرية بشكل منهجي لتمشيط الأنفاق والمباني في قطاع غزة.

وقالت الصحيفة الإسرائيلية: إنّ هذا يحدث بعلم كبار ضباط الجيش، ومنهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي.

وحسب التحقيق، فقد قال جنود من الجيش الإسرائيلي إنّ حياتهم أهم من حياة الفلسطينيين ومن الأفضل أن يستخدموهم دروعًا بشرية، وأظهر التحقيق أنّ الجنود استخدموا في بعض الحالات أطفالًا ومسنّين دروعًا بشرية في غزة.

الهيئة الدولية تؤكد أن بعض المعتقلين الذين استُخدموا دروعًا بشرية تمّ إعدامهم، والآخرون يعانون من اضطرابات نفسية حادة

وفي جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023؛ رصد "مركز الميزان لحقوق الإنسان" استخدام قوات الاحتلال لمعتقلين فلسطينيين كدروع بشرية، بعد القبض عليهم.

ويؤكد المركز على أنّ استخدام المعتقلين والمدنيين عمومًا كدروع بشرية جريمة ترتكبها قوات الاحتلال بشكل منظّم في كل اجتياح برّي لقطاع غزة، وهو يُشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، وفق المادة (28) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (49) من الاتفاقية ذاتها، والمادة (51/7) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقية جنيف.

كما يُعتبر اللجوء لاستخدام الأشخاص كدروع بشرية جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ نصت المادة (8/2/ب/23) منه على عدم جواز إتيان الفعل الآتي: "استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط أو مناطق أو وحدات عسكرية معينة".

درع بشري لتفتيش منزل

يقول صالح: "طلب الجنود أن أقوم بخلع ملابسي باستثناء الملابس الداخلية، قبل أن يقيدوا اليدين ويعصبوا العينين، ومن ثم اصطحابي إلى أحد المنازل التي يتمركز بها جنود إسرائيليون، والتحقيق معي لمدة (12) ساعة".

ويضيف: "بعد يوم كامل من الاعتقال قام أحد الجنود الإسرائيليين بإحضار بدلة عسكرية كالتي يرتديها الجنود وطلب منّي ارتداءها، كما قام بوضع خوذة عسكرية على رأسي ثبتت عليها كاميرا".

صالح: بعد انتهاء التفتيش، أُصبتُ برصاصة في بطني أطلقها جندي إسرائيلي، ثم زعم أن مسلّحي حماس هم من أطلقوا النار

ويوضح صالح: "تم وضعي داخل ناقلة جند إسرائيلية، قامت بالسير مدة ساعة تقريبًا، ومن ثم أنزلني جندي إسرائيلي منها حيث كنت مقيد اليدين، وقام بإجباري على الدخول إلى منزل مكون من (3) طوابق تحت تهديد السلاح".

ويؤكد: "أبلغني الضابط الذي بدا عليه أنّه مسؤول الفرقة التي اعتقلتني، بأنّه يجب أن أقوم بتفتيش المنزل خلال (5) دقائق فقط، فقلت له إنّ هذا الوقت غير كافٍ، ويجب منحي المزيد من الوقت،  فقال لي أمامك (10) دقائق فقط لتفتيشه".

ويضيف صالح: "بعد الانتهاء من تفتيش المنزل قام جندي بإطلاق عيار ناري من سلاحه وأصابني في بطني فور خروجي من باب المنزل، ثم قال لي: "هل تعرف من أطلق النار عليك؟ إنّهم مسلّحو حماس".

ويوضح صالح: "تم نقلي إلى داخل المدرعة الإسرائيلية، وكان جرحي ينزف دمًا بشكل كبير، ثم ألقوني على أحد أبواب المستشفى الإندونيسي شمال غزة، ومن ثم قام أحد الممرضين بإدخالي إلى المستشفى لتلقي العلاج".

ضرب مبرح

أمّا الفلسطيني نشأت صافي من بلدة عبسان الكبيرة شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة، فقد اعتقل في الثالث من نيسان (أبريل) 2024 من بيته لمدة (4) أيام، جرى خلالها استخدامه كدرع بشري أكثر من مرة.

يقول صافي (43)عامًا: "قام الجنود بوضع جهاز "جي بي إس" في يدي، وتسليمي طائرة مسيّرة صغيرة ثبتت عليها كاميرا ومكبر للصوت لإرسال التعليمات لي، وطلبوا منّي النزول إلى أحد الأنفاق العميقة تحت الأرض للتأكد من خلوّه من المسلحين، أو وجود أسرى إسرائيليين بداخله، وقالوا لي: إن "حاولت الهرب، فسيتم قتلك، وسنعرف أين ستكون".

صافي: أُجبرتُ على تفتيش منزل بثلاثة طوابق تحت تهديد السلاح، مقيد اليدين، بعينين معصوبتين، وخوذة على رأسي مثبتٌ بها كاميرا

التزم صافي بتعليمات جيش الاحتلال خوفًا من قتله بالرصاص، وقام بالتجول بداخل النفق الذي كان فارغًا حسب وصفه، ثم عاد إلى جنود الاحتلال الذين أخذوا جهاز التتبع والطائرة المسيّرة، ومن ثم قاموا بالدخول إلى النفق وتدميره". 

ويؤكد: "في اليوم الثالث من الاعتقال بداخل أحد المنازل، طلب مني الضابط الإسرائيلي مرافقة دورية للجنود لتفتيش إحدى المدارس ببلدة خزاعة شرق خان يونس، مضيفًا أنّه "اعترض على الأمر في البداية، لكنّ الجنود أجبروه على تفقد المدرسة، بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح في جميع أنحاء جسده، وتهديده بالقتل في حال رفضه تنفيذ الأوامر".

ويضيف صافي: "بشكل عنصري تحدث إليّ أحد الجنود الذي كان يتحدث اللغة العربية بشكل جيد، وقال لي حياتنا أهمّ من بقائك على قيد الحياة ولا مشكلة إن قتلت بعبوة ناسفة أو طلق ناري في سبيل الحفاظ على حياتنا من الموت".

ويوضح: "أجبرت على تنفيذ طلب جنود الاحتلال، وقام أحدهم بتركيب كاميرا وتثبيتها على رأسي وأمرني بالذهاب إلى جميع الفصول وتفقدها بشكل دقيق، والتأكد من خلوها من المسلحين".

صافي: قال لي جندي إسرائيلي: حياتنا أهم من حياتك، وإن قُتلت بعبوة ناسفة فهذا أفضل من أن يموت أحدنا

ويضيف صافي: "بعد الانتهاء من تفقد المدرسة بشكل كامل،  تم إطلاق سراحي، بعد أن قام الاحتلال بتحديد الشوارع التي يتوجب عليّ السير من خلالها لتجنب إطلاق النار تجاهي من قبل الاحتلال، إلا أنني أصبت بقدمي بعيار ناري من قبل قناص إسرائيلي".

خوف ورعب

أمّا الفلسطيني خالد شاهين (51) عامًا من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فقد اعتقله الجيش الإسرائيلي في 30 حزيران (يونيو) 2024، وتم استخدامه درعًا بشريًا لتفتيش عدة منازل أثناء الاجتياح البري الإسرائيلي للمنطقة.

 وقد فقد شاهين أسرته المكونة من (5) أفراد جرّاء قصف استهدف منزله بحي الشجاعية في 18 نيسان (أبريل) 2024م، دون سابق إنذار.

يقول شاهين: "عشت أجواء خوف ورعب، خاصة مع السير وسط إطلاق النار، ولم أستطع رفض الأوامر خشية قتلي، وكنت أخشى التعرّض لإطلاق النار أو لانفجار لغم خلال دخول المناطق الخطرة".

ويؤكد: "جرى استخدامي كدرع بشري، وإجباري على الدخول إلى منازل وشقق ومبانٍ مهجورة ومناطق خطرة، حيث كانت الكاميرا التي جرى تثبيتها على رأسي تسجل وتلتقط صورًا لكل المناطق التي أدخلها، بينما يتابع الجنود تحركاتي عن بُعد".

شاهين: عشت أجواء خوف ورعب، خاصة مع السير وسط إطلاق النار، ولم أستطع رفض الأوامر خشية قتلي، وكنت أخشى التعرّض لإطلاق النار أو لانفجار لغم خلال دخول المناطق الخطرة

ويضيف شاهين: "كان الجنود يجبرونه على الدخول إلى حيث يريدون، ويضربونه، وينكلون به، ويرسلون في بعض الأحيان كلبًا معه، ممّا كان يُعرضه لخطر شديد، وبعد التأكد من خلو الأماكن التي قام بتفتيشها، وتحديدًا المدارس والبيوت، كانوا يحرقونها كلها، حتى لا يعود الناس إليها".

ويوضح: "كانت الطائرة المسيّرة تتبعني وتراقب ما كنت أفعله، وتصدر لي تعليمات من خلال مكبر الصوت الخاص بها".

ويؤكد شاهين: "أثناء عودتي من كل مهمة يكلفني بها الجيش الإسرائيلي، كنت أعود إلى مكان اعتقالي بإحدى المدارس، حيث كان يُحتجز بداخلها عدد من الفلسطينيين في غرف مجاورة للغرفة التي أتواجد بها، وكنت أسمع صرخات العديد منهم أثناء تعرضهم للتعذيب أثناء التحقيق معهم".

تطهير عرقي

وقد تم الإفراج عن شاهين بعد (5) أيام من اعتقاله واستخدامه درعًا بشريًا، دون توجيه أيّ تهمة ضده.

يقول مدير عام هيئة شؤون الأسرى والمحررين بغزة حسن قنيطة: إنّ "الانتهاكات القانونية التي يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيون في غزة تؤكد حقيقة واحدة هي أنّ السجون والمعتقلات في دولة الاحتلال تعيش شكلًا آخر من أشكال حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يتعرض لها السكان في قطاع غزة".

ويضيف قنيطة: "وصل عدد الشهداء المعتقلين بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023  إلى ما يزيد عن (35) أسيرًا من قطاع غزة وحدها، من إجمالى (56) أسيرًا على مستوى كل السجون والمعتقلات، وهذا يدلّ على أنّ الأسرى أمام إبادة ممنهجة وشرسة، إضافة إلى جريمة الإخفاء القسري التي يُنظر إليها على أنّها جريمة تحمل بين ثناياها العديد من الإعدامات خارج نطاق القانون".

استخدم الاحتلال أطفالًا ومسنين دروعًا بشرية، باعتراف جنوده، وقالوا: حياتنا أثمن من حياة الفلسطينيين جميعًا

ويوضح: "يرتكب الاحتلال جرائمه بحق الأسرى والذين يتخذ بعضهم دروعًا بشرية أثناء احتجازهم بدافع الانتقام، ويستغل ذلك في ظل حالة العجز والصمت التي تشهدها غالبية المؤسسات الدولية".

ويؤكد قنيطة "أنّ الهيئة لديها  العديد  من الشهادات التي تؤكد استخدام العديد من المعتقلين الفلسطينيين كدروع بشرية والزجّ بهم فى أماكن القتال، وتعريض حياتهم للموت وإطلاق النار والقتل المباشر، وقد استُخدم هذا الأسلوب غير الأخلاقي وغير الآدمي منذ الاجتياح البري بغزة، وكانت بدايته خلال اقتحام مجمع الشفاء الطبي".

ضرب وتجويع وتعطيش

ويبيّن قنيطة: "خلال اقتحام مستشفى الشفاء أرغم الاحتلال المدنيين الذين استُخدموا دروعًا بشرية على اقتحام غرف وأقسام المستشفى للبحث عن مسلحين، ولدينا العديد من الشهادات التي تؤكد تعرّض مدنيين للضرب المبرح والتهديد بالقتل إن لم يقبلوا بأن يكونوا دروعًا بشرية، لحماية جنود الاحتلال وتحقيق مخططهم".

ويكمل: "أجبر الاحتلال العديد من السكان المدنيين في أماكن أخرى في أحياء تل الهوى وشمال قطاع غزة على استخدامهم دروعًا بشرية، بعد ارتدائهم الزي العسكري للاحتلال وإجبارهم على الدخول إلى بيوت وشقق سكنية بحثًا عن مسلحين بداخلها، بعد تعرّضهم للضرب المبرح والتجويع والتعطيش".

 ويؤكد قنيطة أنّه "لم تقدم المؤسسات الدولية التي تُعنى بالأسرى أيّ دور فعلي لفضح جرائم الاحتلال ومحاسبته، وكان موقفها صامتًا وعاجزًا  أمام ما يجري من انتهاكات بحق الأسرى والسكان المدنيين بغزة طوال (15) شهرًا من الحرب الإسرائيلية".

جريمة حرب

يرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) المحامي، صلاح عبد العاطي، أنّ "استخدام المدنيين دروعًا بشرية يُعتبر جريمة حرب وفق القانون الدولي الذي وفر حماية للمدنيين ويجرّم استخدامهم دروعًا بشرية، باعتباره مخالفة لأحكام اتفاقية لاهاي، واتفاقية جنيف الرابعة التي وفرت الحماية للمدنيين".

ويضيف عبد العاطي: "هناك العديد من الفيديوهات التي نُشرت عبر وسائل إعلام مختلفة وثقت استخدام إسرائيل للمدنيين دروعًا بشرية، وإجبارهم على البقاء أمام الدبابات ووضعهم في مقدمة المركبات العسكرية، وفي داخل المباني التي تحصن بها الجنود الإسرائيليون، وكذلك استخدامهم في عمليات تفتيش المنازل والمدارس والأنفاق، بالإضافة إلى شهادات عدد من الأسرى الذين تم الإفراج عنهم وكان الجيش الإسرائيلي قد استخدمهم دروعًا بشرية".

قنيطة: لم تقدم المؤسسات الدولية التي تُعنى بالأسرى أيّ دور فعلي لفضح جرائم الاحتلال وكان موقفها صامتًا وعاجزًا  أمام ما يجري من انتهاكات بحق الأسرى والسكان المدنيين بغزة طوال (15) شهرًا من الحرب الإسرائيلية

ويؤكد أنّ هذه الممارسات وحشية ومرعبة بعد تعرّض المدنيين الذين استخدموا دروعًا بشرية للتعذيب والتنكيل لإجبارهم على القيام بالمهام التي تتماشى مع مصالح الجيش الإسرائيلي، وتتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية".

ويوضح عبد العاطي: "بعض الأسرى الذين استُخدموا دروعًا بشرية جرى إعدامهم بدم بارد، والبعض الآخر يعانون أوضاعًا نفسية حادة، مشيرًا إلى أنّه "لا بدّ من اتخاذ خطوات جادة للإعلان أنّ إسرائيل دولة لا تلتزم بقواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وتجريم استخدامها المدنيين دروعًا بشرية، بالإضافة إلى جرائمها الأخرى، لمحاسبتها وفرض عقوبات دولية عليها، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، مع ضرورة إنهاء الاحتلال المتسبب في تلك الانتهاكات".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية