
في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين المملكة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين، أعلنت السلطات أمس الأربعاء تجديد حظر الجماعة، بعد أعوام من صدور قرار حلها قانونيًا في عام 2020. القرار الجديد يأتي في ظل سياق أمني حساس، بعد الكشف عن خلية صواريخ كانت تخطط لعمليات داخل المملكة، في وقت يتزايد فيه القلق الرسمي من تغلغل جماعة الإخوان أو تحالفاتها مع جماعات مسلحة ذات طابع عقائدي.
بالرغم من ذلك، لم يكن تجديد الحظر مفاجئًا، بحسب مراقبين، بل جاء نتيجة تراكمات سياسية وأمنية، أبرزها التحقيقات الأخيرة التي كشفت عن خلية الصواريخ، فضلاً عن أنّ الاتهامات التي وُجهت لهذه الخلية أثارت تساؤلات حول مدى تغلغل الجماعات المتطرفة، وفتحت الباب مجددًا للنظر في نشاط جماعة الإخوان، التي رغم صدور قرار بحلها، ما تزال حاضرة من خلال ذراعها السياسية، "حزب جبهة العمل الإسلامي".
من جهتها أوضحت السلطات الأردنية أنّ القرار يأتي لحماية الأمن القومي، مؤكدًة أنّه لا تهاون مع أيّ تنظيم قد يمثل تهديدًا داخليًا أو خارجيًا للمملكة، سواء من خلال الخطاب السياسي أو الدعم غير المباشر لأنشطة متطرفة.
تصعيد مرتقب
في ضوء التصعيد الراهن يتوقع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب، منير أديب، أنّ الخطوة المقبلة التي قد تتخذها الحكومة الأردنية هي الذهاب نحو تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، وهو أمر لم يحدث حتى الآن رغم صدور قرار الحلّ في 2020.
ويوضح أديب في تصريح لـ (حفريات): "حتى اليوم لم تُصنف السلطات الأردنية الجماعة كتنظيم إرهابي، واكتفت بقرار الحلّ القانوني ومصادرة الممتلكات، لكنّ التحولات الأخيرة، خاصة مع تزايد التهديدات، قد تدفع الدولة لاتخاذ قرار أكثر حسمًا في هذا الاتجاه".
منير أديب: الخطوة المقبلة التي قد تتخذها الحكومة الأردنية هي الذهاب نحو تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، وهو أمر لم يحدث حتى الآن رغم صدور قرار الحل في 2020
ويلفت أديب إلى أنّ مستقبل حزب جبهة العمل الإسلامي ـ الذراع السياسية للجماعة ـ لا يبدو مضمونًا، قائلاً: "في حال تبيّن وجود علاقات تنظيمية أو تمويلية بين الحزب وأيّ نشاط محظور أو متطرف، فإنّ قرار الحلّ سيكون مسألة وقت، وهو جزء من نهج الدولة في تقليص نفوذ الإخوان، خاصة بعد تراجع الغطاء الشعبي والدولي الذي كان يحمي الجماعة في السابق". موضحًا أنّ "هناك دعمًا شعبيًا ورسميًا للقرارات المتخذة، خصوصًا في ظل تزايد إدراك الرأي العام لخطورة الخطابات الشعبوية أو العقائدية التي تستغل الديمقراطية لتقويض الدولة".
الجماعة وضعت نفسها في مواجهة الدولة
الباحث في شؤون الإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان يرى أنّ خطوة تجديد الحظر كانت "طبيعية جدًا" في ضوء المستجدات الأمنية. ويقول في تصريحات لـ (حفريات): إنّ "المواقف الإخوانية الأخيرة، خاصة تعاطيها مع الكشف عن خلية الصواريخ، اتسمت بعدم الصرامة، وكأنّ الجماعة ترفض إدانة الفعل بشكل واضح، وهو ما وضعها في مواجهة مباشرة مع السلطات الأردنية".
ويضيف سلطان: "الجماعة وضعت نفسها في موقف حرج، خصوصًا في توقيت حساس تمرّ به المملكة. هذا التجاهل أو الغموض في مواقفها لا يمكن للدولة أن تتساهل معه، خصوصًا في ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة".
وعن مستقبل الحزب السياسي التابع للجماعة، يرى سلطان أنّ الأمر ما يزال مفتوحًا على جميع الاحتمالات، موضحًا: "إذا ثبت لدى الأجهزة الأمنية أنّ هناك كوادر داخل الحزب أو قيادات على صلة بخلايا العمل المسلح، فقد نشهد قرارًا بحلّ الحزب أيضًا. هذا القرار إن حدث، فقد تكون له تداعيات واسعة، ربّما تصل حتى إلى حلّ البرلمان الأردني، إذا ثبت تورط نواب في تلك الشبكات".
صراع بين تيارين داخل الدولة الأردنية
بحسب تحليل أحمد سلطان، فإنّ التعامل مع ملف جماعة الإخوان داخل الأردن لا يخلو من التباينات في الرؤية بين تيارين داخل مؤسسات الحكم؛ التيار الأوّل يرى ضرورة اجتثاث الجماعة بالكامل، بما في ذلك حلّ الحزب ومنع أيّ نشاط دعوي أو خيري قد يكون ستارًا لتحركات إيديولوجية.
حزب جبهة العمل الإسلامي، رغم أنّه ما يزال يعمل تحت مظلة القانون، إلا أنّه بات محاصرًا بشبهات سياسية وأمنية، خصوصًا في ظل تراجع شعبيته وتراجع حضوره داخل الشارع الأردني
أمّا التيار الثاني، فيميل إلى نهج "التفاهمات المؤقتة" التي تضمن ضبط الإخوان داخل حدود معينة دون الوصول إلى التصعيد الكامل. غير أنّ سلطان يرى أنّ "الأيام المقبلة ستكون حاسمة في ترجيح كفة أحد التيارين، خصوصاً مع استمرار عمليات تفتيش مقار الحزب والحصول على وثائق تكشف طبيعة أنشطته وتمويلاته".
السياق الإقليمي: تشدد عربي تجاه الجماعة
التحركات الأردنية تأتي ضمن سياق إقليمي أوسع يشهد تصاعدًا في حدة المواقف الرسمية تجاه جماعة الإخوان، التي تم تصنيفها كتنظيم إرهابي في عدد من الدول العربية، مثل مصر والسعودية والإمارات. هذه المواقف تجد صدى لها في الداخل الأردني، حيث بات يُنظر إلى الجماعة باعتبارها حاضنة فكرية لجماعات أكثر تطرفًا.
أحمد سلطان: الجماعة وضعت نفسها في موقف حرج، خصوصًا في توقيت حساس تمرّ به المملكة. هذا التجاهل أو الغموض في مواقفها لا يمكن للدولة أن تتساهل معه، خصوصًا في ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة"
كما أنّ التحولات في مواقف بعض الدول الغربية من الإسلام السياسي بشكل عام، وتنامي المخاوف من تغلغل عناصر الإخوان في المجتمعات الأوروبية تحت ستار الجمعيات والمنظمات الحقوقية، أسهمت في إعادة تقييم العلاقة مع التنظيم على المستوى الدولي، وهو ما يعزز من موقف الدول التي تسعى لتجفيف منابعه.
الذراع السياسية تحت المجهر
حزب جبهة العمل الإسلامي، ورغم أنّه ما يزال يعمل تحت مظلة القانون، إلا أنّه بات محاصرًا بشبهات سياسية وأمنية، خصوصًا في ظل تراجع شعبيته وتراجع حضوره داخل الشارع الأردني.
ويرى مراقبون أنّ الحزب لم ينجح في تقديم نفسه كقوة سياسية مدنية حقيقية منفصلة عن التنظيم الأم، بل ظلّ متمسكًا بخطاب إخواني تقليدي يتنافى مع متطلبات الدولة الوطنية. وهو ما أكده أحمد سلطان بقوله: "الحزب لم ينفصل أبدًا عن الجماعة فكريًا أو تنظيميًا، ومن ثم فإنّ أيّ قرار ضد الجماعة سينعكس عليه مباشرة".
نهاية مرحلة أم بداية تصعيد جديد؟
بين قرارات الحظر والتحقيقات الأمنية والتباينات داخل مؤسسات الدولة، يقف الأردن عند مفترق طرق في تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين، فما بين الحسم الكامل والتفاهم المؤقت، تبقى الكلمة الفصل للمعطيات الأمنية والسياسية التي قد تتكشف خلال الأيام المقبلة.
لكنّ ما يبدو واضحًا هو أنّ مرحلة جديدة من المواجهة قد بدأت، وأنّ هامش المناورة الذي اعتادت عليه الجماعة في الأردن بدأ يضيق، في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية نحو ضرورة الحسم مع التنظيمات التي تستثمر في الأزمات وتستغل الانفتاح السياسي لبناء أجندات تتجاوز الدولة.