إخوان الأردن .. من نشوة الفوز إلى سكرة الاستقواء

إخوان الأردن .. من نشوة الفوز إلى سكرة الاستقواء

إخوان الأردن .. من نشوة الفوز إلى سكرة الاستقواء


13/04/2025

جمال القيسي

تتوالى الأخبار، وإن على نطاق ضيّق حتى الآن، عن كشف أمني جديد يشير إلى تورط تيار الإخوان المسلمين في الأردن في أنشطة ذات طبيعة انقلابية تمسّ أمن الدولة واستقرارها بشكل مباشر. وبينما لم يُكشف بعد عن التفاصيل الكاملة، إلا أن خطورة المؤشرات تزداد في ظل السياق الإقليمي المشتعل، حيث تتصدر الجماعة المشهد بشعارات متاجرة ومزاودة بحرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزة، مستثمرة في الدم والدمار لتضخيم حضورها السياسي والشعبي.

لطالما قدّم تيار الإخوان نفسه كجزء من النسيج السياسي الوطني، مستفيدًا من هامش الحرية الواسع الذي منحته له الدولة، ومن بنية مجتمع متعاطف مع الخطاب الإسلامي، خصوصًا في سياقات كالقضية الفلسطينية أو مكافحة الفساد. غير أن هذا التيار، الذي تذوّق طعم الحضور البرلماني والنقابي في مراحل مختلفة من عمر الدولة آخرها ما حققه في الانتخابات البرلمانية 2024 ما لبث أن انزلق تدريجيًا من خانة الشراكة السياسية إلى خانة الاستقواء على الدولة نفسها.

لقد مرت العلاقة بين الدولة الأردنية وتنظيم الإخوان المسلمين بتقلبات كثيرة، إلا أن اللحظة التي تستوجب إعادة التأمل اليوم، هي تلك التي تفتح فيها الجماعة نوافذها مجددًا على الشارع، وتعيد تدوير خطابها الاستفزازي عبر أدوات التعبئة والتحريض، مستندة إلى "نشوة" جمهور لا يدقق في النوايا، بل يتحرك خلف الشعارات. فهل ما نراه اليوم هو مجرد محاولة جديدة لركوب الموجة ذاتها؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

لعل أبرز مشهد جسّد هذا الانتقال من المشاركة إلى المواجهة، ومن الخطاب السياسي إلى التعبير شبه العسكري، هو ما حدث في عمّان في أكتوبر/تشرين الأول 2011، إبان ذروة أحداث "الربيع العربي"، حين قررت الجماعة أن تستعرض قوتها لا في البرلمان أو المنابر، بل في الشارع نفسه، وبالتحديد أمام الجامع الحسيني، بما له من رمزية ومكانة روحية. في ذلك اليوم، نظّمت جماعة الإخوان المسلمين استعراضًا عسكريًا صريحًا، حمل رسائل غير مسبوقة في توقيتها ومكانها وشكلها.

الاستعراض العسكري أمام الجامع الحسيني.. لحظة إعلان النوايا

لم يكن ذلك "الاحتجاج" العنيف عابرا في شوارع عمّان، بل كان استعراضًا عسكريًا مليشياويا بكل ما تحمله الكلمة من استفزاز للدولة: صفوفٌ منظمة، لباس عسكري أقرب إلى البزات النظامية، إشارات دينية، هتافات سياسية حادة، وانضباط يشبه ما تشهده العروض الرسمية للدول، لا لحزب سياسي من المفترض أنه يعمل ضمن دولة قانون.

لم يمرّ ذلك اليوم بهدوء في الذاكرة الأردنية، فقد قرأت الدولة الرسالة جيدًا، كما قرأها الشارع: الجماعة لا تحتكم فقط لصندوق الانتخاب، بل تملك مشروعًا موازيًا، يستعرض القوة حين ترى الظرف مناسبًا. كان ذلك الاستعراض العسكري، في جوهره، إعلان نوايا صريح، حمل مدلولات خطيرة حول طبيعة تفكير الجماعة واستعدادها لإظهار الوجه الآخر حين تسنح الفرصة.

ومما زاد الطين بلة، أن هذا العرض تلاه تصريح خطير للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي – الذراع السياسية للجماعة – زكي بني ارشيد، في أعقاب زيارة وفد من حزب الجبهة للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في يوليو 2012 لتهنئته بتولي رئاسة جمهورية مصر حيث صرح الأمين العام آنذاك بني ارشيد ما مفاده: "لقد ناقشنا مع مرسي قضية تصدير الغاز المصري إلى الأردن." !

هذا التصريح لم يكن مجرد انزلاق لفظي، بل عبّر عن ذهنية اختطاف القرار السياسي الخارجي للدولة، وتجاوز صارخ لسيادتها، وكأن الحزب قد نصب نفسه طرفًا يتحدث باسم الأردن في ملفات حساسة واستراتيجية. وهو ما أثار، حينها، علامات استفهام عديدة داخل الأوساط الرسمية والسياسية، حول الدور الذي تسعى الجماعة للعبه، لا في الداخل فقط، بل في الإقليم كذلك، بوصفها امتدادًا عضويًا للتنظيم الدولي للإخوان، لا مكوّنًا وطنياً تحت مظلة الدولة.

الخلايا الموازية والعمل داخل جسم الدولة

لم تكتفِ جماعة الإخوان في الأردن بالاستقواء الشعبي ولا بإشارات التحدي في الساحات العامة، بل مضت، على مدى سنوات طويلة، إلى بناء ما يمكن تسميته بـ"الدولة الموازية داخل الدولة". ومنذ فترة مبكرة، اشتغلت الجماعة على التغلغل داخل مفاصل الإدارة العامة والنقابات والجامعات والمدارس وحتى بعض المؤسسات الحيوية، ليس من باب المشاركة المدنية، بل عبر منهجية اختراق تقوم على الولاء للتنظيم أولًا، لا للدولة ولا للدستور.

وكان أبرز ما كشف عن هذا النهج هو تقارير متواترة عن تشكيل خلايا منظمة داخل بعض الوزارات والمؤسسات، تتبع تنظيميًا لا إداريًا، وتُدار من غرف ظل غير معلنة، يُعاد فيها تدوير التعليمات والقرارات بما يخدم مصالح الجماعة أو يعطّل ما لا يناسب رؤيتها. هذه الخلايا لم تكن شائعة في أجهزة الدولة فحسب، بل امتدت أيضًا إلى بعض منابر التعليم والمساجد والنقابات المهنية، ما جعل الدولة تواجه، عمليًا، شبكات نفوذ متشابكة يصعب التعامل معها بموجب الأدوات الإدارية التقليدية.

وما زاد من تعقيد الصورة أن الجماعة كانت تتحرك، دائمًا، بثنائية الخطاب: خطاب قانوني منفتح في العلن، وآخر تنظيمي مغلق في الداخل، يُخاطب الأعضاء بـ"التكليف الشرعي" و"السمع والطاعة" و"الأمر"، ويعيد تأطير الانتماء الوطني ضمن أولوية الانتماء للتنظيم. وهذا ما أدى في فترات متعددة إلى صدامات مؤسسية واضحة، حيث تعطلت قرارات تنفيذية أو أُفشلت خطط وطنية فقط لأن الجماعة رأت فيها تهديدًا لمشروعها.

الخطوة المتوقعة من الدولة تجاه الإخوان: هل الحل البرلماني وشيك؟

تمتلك جماعة الإخوان المسلمين اليوم تمثيلًا واسعًا في البرلمان بأكثر من ثلاثين نائبًا، وهي نتيجة تعكس قدرتهم على استغلال اللحظات العاطفية والمآسي الإنسانية الكبرى، وعلى رأسها الحرب على غزة، في خطابهم السياسي والشعبي، وهو ما ساهم في تعزيز شعبيتهم خلال الانتخابات الأخيرة. هذا التمدد النيابي لم يكن نتيجة قوة برامجية أو حضور وطني شامل، بل جاء استنادًا إلى خطاب تعبوي وشعبوي يتاجر بالقضية الفلسطينية ويزايد بها على حساب الداخل الأردني.

في المقابل، لا تخشى الدولة خيار حل البرلمان، ولا تهاب ردّات الفعل التي يُتوقع أن تكون محدودة، في ظل معرفتها الدقيقة بحدود التأثير الحقيقي للجماعة على الأرض. ومن المتوقع أن تسارع الجماعة – كعادتها – إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة إن تم حل المجلس، والظهور بمظهر الضحية، وهو الدور الذي تتقنه وتعشقه وتستخدمه لكسب التعاطف المحلي والخارجي.

فحل البرلمان اليوم، في حال ثبت تورط قوى داخله بتهديد الأمن الوطني، ليس مستبعدًا، بل قد يأتي كصفعة ورد مباشر على تغول الجماعة، وربما لا تتردد الدولة أيضًا في حل حزب جبهة العمل الإسلامي ذاته، إذا ما ثبت ضلوعه في تهديد منظومة الدولة واستقرارها.

عمون نيوز




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية