السعودية تتغير. أين المشكلة؟

السعودية تتغير. أين المشكلة؟


20/11/2017

من حق المملكة العربية السعودية أن تمضي في خطط الحداثة التي يعتقد أهل السلطة والخبرة أنها الأجدى والأكثر نفعاً والأنسب لخدمة المتطلبات المستقبلية ورهاناتها. ومن حق المملكة أن تسابق الزمن لخلق أرضية للبناءات الشاهقة المقبلة التي لن تشمل العمران وحسب، بل العقل والذاكرة وأنماط التفكير.
ومن حقها أيضاً أن تُرسي قواعد للشفافية والمحاسبة، ومن حقنا على السعودية ألا يحصل ظلم، وأن تُصان كرامات البشر، حتى المتهمين منهم بشبهات فساد، وأن تتم علمية "التطهير" في مناخات قانونية لا إكراه فيها، ولا تصفية حسابات، ولا يجري (وهذا مهم جداً) زجّ أصحاب الرأي المخالف مع الفاسدين الذين يثبت عليهم اختلاس أو اعتداء على المال العام. الفساد تجب محاربته بضراوة، فهو أشد أعداء التقدم، والأمة التي ينخرها الفساد، لا يمكن أن يكون التوفيق حليفها.
من حق المشرّع السعودي أن يضع التصورات التي تقطع مع الماضي، ويبدع أفكاراً تصلح للتعاطي الراهن والمقبل، فيما يتعلق بالدين والاجتماع، وضرورة إحداث انفراجات على مستوى العيش المدني المشترك.
ومن حق من يرنو إلى إحداث "ثورة بيضاء" في بنية دولة كبرى كالسعودية أن يواجه باعتراضات هنا أو هناك، واستغرابات من هذا الطرف أو سواه. لكنّ الأكيد أنّ تيار التغيير يمضي قدماً إلى الأمام، ولا يتعين أن يعيقه شيء.

السعودية تُرسي قواعد للشفافية والمحاسبة، فالفساد أشد أعداء التقدم، والأمة التي ينخرها الفساد لا يحالفها التوفيق

ومن واجب غير العالمين بما يجري وخلفياته أن يلتزموا الصمت قليلاً، كي تنجلي الأمور ويتبيّن الناس الخيط الأبيض من الأسود، لأنّ الخوض في معمعة التحليل في لحظة انبثاق الحدث لن تكون صائبة، فالتغيير يلزمه وقت حتى يثمر زرعه.
السعودية، بلا ريب، تتغيّر نحو الأفضل والأجمل، وهذا ما يتعين أن تتقبّله الذائقة السليمة المنزّهة عن الغرض والأجندات والارتباطات التي لا ترى في أي شيء بقعة بيضاء، لأنّ غمامة السواد تخيّم على عيونها وقلوبها.
ولو أنّ كل امرىء حريصٍ على مستقبل السعودية، باعتبارها محرك قاطرة التغيير (أو التقهقر) في المنطقة، نظر إلى ما يجري في المملكة باعتباره استحقاقاً، وأخذ ذلك على محمل الجد والحب، لما استعجل الأحكام، ولما مضى في جوقة الناشرين البغضاء، ومفبركي الأخبار، والمحلّلين الذين يصدرون عن الهوى والرغبات، لا عن العلم والمعرفة.
لن يدرك، إلا كل من تمتّع بالنزاهة، الفضلَ الذي يمكن أن يناله الإنسان العربي في حال مضت السعودية بسرعة وعزم إلى الحداثة، وتحلّلت من تلك الرواسب الثقيلة التي تجرّها إلى الماضي، وتُشكل عنها الصور النمطية التي تكرست في الذهن الجمعي، لا العربي وحسب، بل والعالمي.
لسنا الآن في معرض تقييم التجربة السعودية التي يقودها طموح عملاق. فلندع الزمن يعيننا على الحكم، ولنراقب، ولنمنح أنفسنا الوقت الكافي لرؤية أول التماعات ضوء النهار. ولا يبدو أنه نهار كباقي النهارات، فهو نهار طويل ومديد، علاماته أضحت تكشف عن تجلياتها الساطعة. ولا نحتاج سوى إلى عودة إلى الوراء قليلاً، قليلاً جداً، لنعلم أن ما تمّ في المملكة كان يحتاج ربما إلى عقود لإتمامه لو أنّ قاطرة التغيير ظلت تسير على مهلها.

من المهم ألّا يحصل ظلم، وأن تُصان كرامات البشر، وأن تتم علمية "التطهير" في مناخات قانونية

وما أحرى بأولئك الناقدين، المتفرغين فقط لإثارة الزوابع، لو أنهم عادوا إلى حديث الآباء والأجداد الذين ما انفكوا يرددون: "إذا كانت السعودية بخير، فالأمة العربية والإسلامية بخير". وما تزال المقولة تتردد الآن، وستبقى؛ لأنّ الوزن السياسي والاقتصادي والمكانة الدينية للسعودية لا يمكن أن تتوفر في أية دولة أخرى في العالم. فلماذا نريد لهذه المكانة أن تهتزّ ولهذا الوجود الرمزي أن يتفكّك؟!
سينبري من يذكّر بأنّ السعودية صدّرت إلى العالم التطرف، في وقت ما، وأنها ما زالت تحكم المجتمع بقيود عفت عليها الأزمان، وأنّ الوهابية والسلفية المتشدّدة وجهان لعملة واحدة. وسيزيد آخرون، معدّدين النوائب والمصائب والمكائد، يخبطون خبط عشواء في العتمة، غير مبصرين، ولو التماعة أمل مما يجري أو سيجري، لأنّ على عيونهم عصابات سوداء سميكة، وعلى عقولهم طبقة من الإنكار ترفض الاعتراف بأنّ هذا الإرث الثقيل الذي يرهق كاهل المملكة في طريقه إلى التحلّل والزوال، وأنّ مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
المريض الذي يعاني مصاعب كأداء ويذهب إلى الطبيب، لا يتعين أن يشترط ماذا يريد أو لا يريد إن هو شاء أن يستعيد عافيته ويعود بجسد صحي معافى. الطبيب قد يقرر استئصال جزء من هنا أو هناك، وقد يلجأ لعملية جراحية، أو استبدال شرايين أو ترميم أخرى. كل ذلك من أجل مصلحة المريض التي يقدّرها الطبيب ويحرص عليها أحياناً أكثر من المريض نفسه، فهو العالِم بالداء والدواء!


 

الصفحة الرئيسية