ليبيا بلحاج وسوريا الجولاني.. طريق التطرف المظلم

ليبيا بلحاج وسوريا الجولاني.. طريق التطرف المظلم

ليبيا بلحاج وسوريا الجولاني.. طريق التطرف المظلم


14/12/2024

الشيخ ولد الساكت

لا تزال مشاهد عبدالحكيم بلحاج القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة ماثلة أمام الجميع وهو يستقبل بالورود ليلة دخوله العاصمة الليبية طرابلس معلنا سقوط نظام الراحل معمر القذافي، وقد صوره الإعلام آنذاك بأنه الفاتح والمنفذ الأول لإسقاط القذافي، رغم أن الحقيقة غير ذلك. ذكرتني مشاهد دخول أبي محمد الجولاني إلى العاصمة السورية دمشق بتلك المشاهد وتلك الأيام التي كنت فيها موجودا في بنغازي؛ عاصمة الثورة الليبية.

دخلت كتيبة ثوار طرابلس التي كان يقودها عبدالحكيم بلحاج – وهي مجموعة من أعضاء تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة، بعضهم انضم إلى القاعدة في أفغانستان – وسيطرت على جميع الأماكن الحساسة. كما وضعت أيديها على أرشيف نظام معمر القذافي ووثائقه.

في الأيام الأولى خلع عبدالحكيم بلحاج بزته العسكرية واستبدلها ببذلة مدنية، مع جناح كبير في فندق المهاري في العاصمة طرابلس. في الوقت نفسه كان الراحل محمود جبريل يناشد الثوار الليبيين الانتصار على أنفسهم وتسليم السلاح، وذلك ما رفضه الراعي القطري في ذلك الوقت، وحصل ما حصل مما يذكره الجميع، إلى أن وصلت ليبيا إلى ما هي عليه الآن.

ورغم أن ليبيا استطاعت تشكيل مجلس انتقالي متنوع وحكومة متنوعة، كما أن المجتمع الليبي مجتمع متجانس دينيا وثقافيا، فإن الليبيين لم يستطيعوا الوصول إلى الهدف المنشود بسبب الجماعات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي التي أرادت أن تستفرد بالقرار رغم أنف الجميع.

تصدُّر أبي محمد الجولاني – أو من أصبح يسمى “أحمد الشرع” – للمشهد اليوم، واختياره للمسجد الأموي ليطل منه على الشعب السوري، وتكليفه لشخص من حكومته المتطرفة في إدلب بتسيير أمور الدولة في سوريا دون التشاور مع الطيف السياسي الواسع والمتنوع، وظهور علمه مع علم سوريا الثورة، يجعل مؤشر التخوفات من المستقبل يتصاعد عند الجميع.

لا شك أن التحدي الماثل أمام من يتولى سدة الحكم في سوريا اليوم هو دفع رواتب الشهر الحالي للموظفين، وتحسين الوضع الاقتصادي، والعمل على تنظيم مؤتمر دولي لإعادة الإعمار ورفع العقوبات، وذلك ليتمكن من إعادة اللاجئين إلى بيوتهم المدمرة، كل ذلك لن يتم دون الدعم العربي المالي والسياسي، ولن يتم في ظل الوضع الحالي.

من المؤكد أن العرب لن يتركوا الشعب السوري في هذه الوضعية الصعبة والحرجة، وهنا نفهم الخطوة العربية حيث لم يكن الهدف إنقاذ نظام بشار الأسد، بل كان الهدف تنظيم انتقال سلمي للسلطة يحافظ على كيان الدولة السورية ويمنح الشعب السوري المساعدة على أن يعيش حياة كريمة بعد عقود من المعاناة. والجميع يعلمون أن نظام الأسد وضع يده في أيدي أعداء العرب، بل وتآمر على الكثير من الدول العربية، إلا أن ذلك لم يجعل العرب يستمرون في مقاطعته. وما مدّ العرب أيديهم إلى نظام بشار الأسد لإنقاذ الشعب السوري إلا دليل قاطع على أنهم لن يتركوا هذا الشعب.

انفراد بشار الأسد بالقرار وضربه لمطالب الشعب السوري واستجلابه لإيران وحزب الله لقمع شعبه، هو ما أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم. فإذا ارتكب الجولاني أخطاء الأسد بالاستفراد بالقرار وفرض فكر متطرف على الشعب السوري وتمكين تركيا من بسط سيطرتها على الأراضي السورية، فإن ذلك قد يجعل السيناريو الأقرب إلى التطبيق هو مشروع التقسيم الذي لا أستبعد أن يكون هدفا يعزف على وتره الجولاني نفسه، وذلك بالتنازل لتركيا عن المحافظات التي تحدها، وهي حلب والرقة والحسكة، والتنازل لإسرائيل عن السويداء ودرعا والقنيطرة ومنح الساحل لدولة علوية برعاية روسية ومراقبة أميركية، ودير الزور لإقليم كردي برعاية أميركية، بينما يحتفظ الجولاني بدمشق وحمص وحماة وإدلب.

لن يكون باستطاعة الجولاني التخلي عن فكره المتطرف ولو أظهر غير ذلك، كما أنه لن يكون باستطاعته الوقوف في وجه الآلاف من المقاتلين المتطرفين الذين ضحوا بأنفسهم مقابل تأسيس دولة الخلافة. من هذا المنطلق، يصبح السيناريو الأفضل الذي يخدم تماسك الدولة السورية وينقذ الشعب السوري من الوضع الاقتصادي المتردي الذي سيزداد ترديا يوما بعد يوم، صعب المنال.

نتمنى أن تظل سوريا دولة موحدة، وأن يعيش الشعب السوري في دولة مدنية مزدهرة اقتصاديا تضمن حقوق الجميع، وهو أمل أعتقد أنه سيجعل الشعب السوري يتحرك ضد الجولاني والميليشيات المتطرفة، وذلك بعد أن يأخذ أنفاسه من فرحة سقوط نظام بشار القمعي، في ظل العجز التام الذي سيواجه حكومة الجولاني عن تلبية طموحات الشعب السوري.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية