علاقة قديمة: المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية بين إيران والإخوان

علاقة قديمة: المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية بين إيران والإخوان

علاقة قديمة: المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية بين إيران والإخوان


21/08/2024

انحازت جماعة الإخوان المسلمين المصرية علناً إلى ثوار الخميني، عندما أطاحوا بالشاه، حتى أن الجمهور المصري كان مفتوناً بما يحدث داخل إيران، خلال الثورة الإيرانية، ومع تزايد الحماسة الإسلامية في البلاد، كانت صور آية الله الخميني تُعرض بشكل بارز. 

وبعد الإخوان المصرية أصبحت جماعتان انفصلتا عن جماعة الإخوان، مكونين أساسيين لتنظيم القاعدة: الجماعة الإسلامية التي يتزعمها الشيخ عمر عبد الرحمن، وجماعة الجهاد الإسلامي التي يتزعمها أيمن الظواهري، بحسب دراسة أصدرها المركز العربي لدراسات التطرف، بعنوان "علاقة قديمة: إيران وجماعة الإخوان المسلمين المصرية".

وذكرت الدراسة أن العلاقات بين الإخوان المسلمين وإيران ترجع إلى ما قبل عام 1979. فقد كان حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يعتقد أن السنة والشيعة لابد وأن يتغلبوا على خلافاتهم لمواجهة أعدائهم المشتركين. 

وكان هذا هو رأي آية الله الخميني أيضاً، الذي دعا علناً إلى إقامة تحالف بين الفرعين الرئيسيين للإسلام. كما ارتبط البنا والخميني أيضاً بعالم إيراني بارز يُدعى نواب صفوي. وكان الخميني قريباً من صفوي، كما تبنى البنا رجل الدين الإيراني. وقد ورد أن صفوي هو الذي عرّف الخميني بجماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجيتها السياسية.

كيف انتقلت أفكار الإخوان إلى إيران

ومن خلال صفوي، انتقلت أفكار الإخوان المسلمين إلى إيران، وكان لها تأثير دائم على الفكر الإسلامي الإيراني، حيث أكدت الدراسة أن أحد أهم مهندسي الفكر الجهادي هو سيد قطب، وهو أحد أبرز أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والذي أعدم في مصر عام 1966 بسبب مؤامراته ضد نظام الرئيس جمال عبد الناصر. 

 

كان حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين يعتقد أن السنة والشيعة لابد وأن يتغلبوا على خلافاتهم لمواجهة أعدائهم المشتركين

 

ويوصف قطب على نطاق واسع بأنه الأب الفكري لتنظيم القاعدة، ولا تزال هذه الإشارة إلى كتاباته مستمرة حتى يومنا هذا، بعد مرور ما يقرب من خمسين عاماً على إعدامه. ولكن قطب لم يؤثر على تفكير القاعدة فحسب.

وقد ترجم آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الحالي في إيران، اثنين من أهم مجلدات قطب إلى الفارسية. وقد قُرِئ هذان المجلدان المترجمان على نطاق واسع داخل إيران، ويقول البعض إنهما من أكثر الكتب الإسلامية انتشاراً هناك.

كما أن أيمن الظواهري، الذي كان ذات يوم عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، كان متأثراً إلى حد كبير بالثورة الإيرانية. وفي السنوات الأخيرة، قبل مقتله في ضربة أمريكية في أفغانستان في عام 2022، انتقد الظواهري إيران مراراً وتكراراً في تصريحات دعائية. 

والظواهري كانت لديه كل الحوافز للتقليل من شأن علاقة القاعدة بإيران. وقد شكك بعض أفراد المجتمع الجهادي علناً في علاقات القاعدة بالملالي، ولهذا السبب حاول الظواهري التقليل من شأن هذه القضية أو صرف الانتباه عنها.

إن سلوك الظواهري يشكل دليلاً أكثر دقة. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، أرسل صهره (الذي هو أيضاً عضو بارز في تنظيم القاعدة) وبناته إلى إيران، حيث وجدوا ملاذاً آمناً. كما أبرم أسامة بن لادن صفقة مماثلة مع أفراد عائلته، الذين احتُجزوا تحت شكل فضفاض من أشكال الإقامة الجبرية في طهران.

وبحسب الدراسة فإن العلاقات بين الظواهري وإيران تمتد إلى عقود من الزمن. ففي كتابه “البروج المشيدة”، يشرح لورانس رايت أن الظواهري خطط لانقلاب في مصر في عام 1990. ويوضح رايت: “لقد درس الظواهري الإطاحة بشاه إيران في عام 1979، وسعى إلى التدريب لدى الإيرانيين”. 

وفي المقابل، عرض الظواهري على الإيرانيين معلومات حساسة “حول خطة الحكومة المصرية لاقتحام العديد من الجزر في الخليج الفارسي التي تدعي كل من إيران والإمارات العربية المتحدة ملكيتها”. ودفع الإيرانيون للظواهري مليوني دولار مقابل هذه المعلومات، كما دربوا عملاء الظواهري على محاولة الانقلاب التي تم إحباطها في نهاية المطاف.

مشتركات أيديولوجية وعلاقات تاريخية 

كما تحدث مركز ستراتيجيكس عن جملة من المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية التي تجسد بُنية وهوية التقارب ما بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران منذ إرهاصات "الثورة الإسلامية" عام 1979، حيث تتلاقى المفاهيم الأيديولوجية والأفكار والمرجعيات عند الإسلام السياسي- السني والشيعي- برغم اختلاف مذاهبه، وتناقلته وأثرت وتأثر به طرفا العلاقة.

 

من خلال صفوي انتقلت أفكار الإخوان المسلمين إلى إيران وكان لها تأثير دائم على الفكر الإسلامي الإيراني

 

وأشار المركز، في دراسة سابقة له بعنوان " إيران والإخوان المسلمين: المشتركات الأيديولوجية والعلاقات التاريخية"، إلى ثلاث مشتركات رئيسية، تشكل إطار العمل والنشاط العام لكل من إيران والإخوان المسلمين بشكل خاص، تمثل الدعوة إلى الوحدة الإسلامية أهمها، إلى جانب النظرة التوسعية التي تتجاوز الأوطان والحدود الجغرافية، و"إقامة الخلافة الإسلامية واستعادتها" باعتباره الهدف النهائي والغاية من العمل السياسي.

وخلص إلى أن هذه المشتركات تشكل الدافع والحافز لدى الطرفين لتقريب العلاقات والتعاون وحتى التأثير في فكر وسلوك كل طرف للآخر.

وبالرغم من الاختلاف التاريخي القائم على طبيعة مصطلح "الخلافة الإسلامية" أو "الإمامة" بين الجانبين، السني والشيعي، إلا أن الدافع السياسي والبراجماتي يقرب بين الجماعتين في هذه الفكرة، حتى وإن اختلفت الأدوات المستخدمة في تحقيقها، كما ازداد الحديث عن تلك الفكرة وضرورة تحقيقها عقب سقوط الخلافة العثمانية مباشرة في عام 1924.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أبرز الداعين إليها، وظهر ذلك من خلال رسائل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وبخاصة رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان "الإخوان المسلمون والخلافة" والتي قال فيها: "ولعل من تمام هذا البحث أن أعرض لموقف الإخوان المسلمين من الخلافة وما يتصل بها، وبيان ذلك أن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله".

وعلى نهج جماعة الإخوان نشأت العديد من حركات الإسلام السياسي في كل الدول الإسلامية، لا سيما في إيران خلال خمسينات القرن الماضي، وتبناها وانتمى إليها رجل الدين الشيعي حينئذ "مجتبى ميرلوحي"، المعروف باسم نواب صفوي، مؤسس منظمة "فدائيان إسلام" الأصولية الإيرانية، المشابهة في النهج والتنظيم لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أكد الترابط والتداخل المبكر بين تياري الإسلام السياسي في مصر وإيران، منذ أن بدأ مع زيارة الإمام الخميني مصر والتقى مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا عام 1939، بحسب "ستراتيجيكس".

دور الإخوان المسلمين في "الثورة الإسلامية" 

وبحسب دراسة "ستراتيجيكس"، فقد كان للثورة الإسلامية في إيران علاقات متشعبة بتيار الإسلام السياسي في العالم العربي خارج إطار جماعة الإخوان المسلمين، مثل علاقتها بحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني التي كانت تصف نفسها في مراحلها المبكرة بـ "أنصار الثورة الإسلامية في فلسطين". حيث تأثر فتحي الشقاقي الأمين العام السابق للحركة بشكل كبير بثورة الخميني في إيران، وكان يرى أن الخميني أطلق الصحوة الإسلامية في المنطقة وفي العالم.

 

الدافع السياسي والبراجماتي يقرب بين الجماعتين في هذه الفكرة حتى وإن اختلفت الأدوات المستخدمة في تحقيقها

 

ولا يخفى في هذا السياق، أن إيران تمتعت كذلك بعلاقات وثيقة أيضًا مع حركات إسلامية أخرى على الساحة الفلسطينية غير حركة الجهاد الإسلامي، وعلى رأسها حركة حماس، كما تزعمت إيران في هذا الإطار ما سمي بمحور "المقاومة" في المنطقة.

يُذكر أن الإخوان المسلمين كان لديهم تواصل مع رجال الدين الإيرانيين، الذين أصبحوا فيما بعد فاعلين في "الثورة الإسلامية"، ووفقاً لمصادر إعلامية شكلت علاقات حسن البنا مع القادة الدينيين الإيرانيين، بذرة "الثوار" و"الثورة الإسلامية" لاحقاً. من أمثال نواب صفوي، والذي تمت دعوته إلى المؤتمر الإسلامي لتحرير القدس عام 1953، من قِبل سيد قطب.

علاوة على دعوة لاحقة من جماعة الإخوان المسلمين لصفوي لزيارة مصر، ويُنقل قوله خلال لقائه مصطفى السباعي مراقب الجماعة في سوريا؛ "مَن أراد أن يكون جعفريًّا حقيقيًّا فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين".

يُشار إلى أن المرشد الأعلى الإيراني الحالي، علي خامنئي، قد دخل إلى السياسة عبر صفوي، وهو – أي خامنئي- أحد المعجبين بسيد قطب، حيث ترجم كتابين من كتب سيد قطب؛ وهما: "هذا الدين" و"معالم في الطريق".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية