لماذا فشل مشروع جبهة لندن في إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري؟

لماذا فشل مشروع جبهة لندن في إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري؟

لماذا فشل مشروع جبهة لندن في إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري؟


20/08/2024

عصفت أزمات طاحنة بجماعة الإخوان المسلمين، منذ سقوطها عن الحكم في مصر عام 2013، وما تبعه من أزمات مرّ بها التنظيم، لعل أخطرها الصراع الداخلي على السلطة والنفوذ داخل الإخوان، وما نتج عنه من انشقاقات وأزمات بنيوية، من المتوقع أن تترك أثراً عميقاً على التنظيم خلال الأعوام المقبلة. 

ومراراً عبرت جماعة الإخوان، خاصة جبهة لندن، عن توجه الجماعة لوقف النشاط السياسي في مصر، في محاولة لغسل سمعة التنظيم المرتبطة بقضايا فساد وإرهاب وعمليات مسلحة استهدفت مختلف مؤسسات الدولة في أعقاب السقوط المدوي عن الحكم، في توجه يصفه مراقبون بأنّه أقرب إلى سيناريو تحول حركة (النهضة) الذراع السياسية للإخوان من حركة إسلامية إلى حزب سياسي، أو هكذا تدّعي الحركة. 

هذا التوجه كشف عنه صراحة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير قبل وفاته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، حين قال خلال حوار تلفزيوني: إنّ "الجماعة مستعدة لوقف النشاط السياسي والصراع على السلطة في مصر لمدة (10) أعوام"، مبدياً للمرة الأولى مرونة داخل التنظيم للتصالح مع الدولة المصرية.

 

منير أديب: أدت ثورة 30 حزيران (يونيو) في مصر بجماعة الإخوان إلى حافة الهاوية، نظراً لأنّها دفعتها إلى الانقسامات الفكرية والتنظيمية العميقة، التي ربما تكون أوجدت تنظيماً جديداً مختلفاً في السمات عن الشكل التقليدي للجماعة، والذي عرفناه طيلة عقود طويلة.

 

وقد عاد حلمي الجزار، رئيس المكتب السياسي للإخوان (جبهة لندن) للتأكيد على الطرح ذاته في أيلول (سبتمبر) 2023، عندما أكد أنّ الجماعة لن تخوض صراعاً على السلطة في مصر. وقال: "الجماعة قررت عدم الصراع على السلطة، وإنّ الأمر يُعدّ جزءاً أصيلاً في رؤيتنا الجديدة، وليس مناورة سياسية، وإنّ ذلك ليس هو الشكل الوحيد لممارسة السياسة، فالعمل السياسي أوسع بكثير من الصراع أو التنافس على السلطة الذي يؤدي أحياناً إلى اضطراب مجتمعي"، مشيراً إلى أنّ "من أهم أولويات الإخوان المسلمين الاهتمام بالمجتمع وبناء شبكات الحماية الاجتماعية." 

عبّرت تصريحات الجزار، وقبله منير، عن توجه تتبناه بشكل كبير جبهة لندن، وتعارضه بشدة جبهة تركيا بقيادة محمود حسين، وهو ما يؤخر تنفيذ القرار حتى اللحظة بحسب مراقبين يعتبرون أنّ أزمة التنظيم الحقيقية تكمن في عدم قدرته على صياغة تصور لمستقبل التنظيم في ضوء احتدام حالة الصراع الداخلي. 

التحول الأخطر في تاريخ الإخوان

بحسب الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب، في دراسته التي نشرها مركز (تريندز للبحوث والاستشارات) منتصف نيسان (أبريل) الماضي، أدت ثورة 30 حزيران (يونيو) في مصر بجماعة الإخوان إلى حافة الهاوية، نظراً لأنّها دفعتها إلى الانقسامات الفكرية والتنظيمية العميقة، التي ربما تكون أوجدت تنظيماً جديداً مختلفاً في السمات عن الشكل التقليدي للجماعة، والذي عرفناه طيلة عقود طويلة؛ نظراً لأنّ التنظيم مرّ بتحولات دراماتيكية تركت بصماتها على التنظيم الذي قارب عمره الـ (100) عام. 

هذه التحولات، وفق أديب، قد ترسم مستقبل التنظيم، خاصة أنّ ثمة مؤشرات تدل على حالة التفكك التي يعيشها على الأقل منذ أن تم إلقاء القبض على محمود عزت، الذي كان يتولى منصب المرشد العام بالإنابة في 20 آب (أغسطس) 2013، عقِب القبض على المرشد محمد بديع، بعد أيام من فضّ اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة، بالقاهرة الكبرى، بعد أن كان نائباً للمرشد آنذاك. 

 

خيري عمر: تراجعت مكانة القيم داخل جماعة الإخوان، فعلى الرغم من رسوخ مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة وتصوير مخالفته نوعاً من العصيان والفساد الأخلاقي، لم يطرأ أيّ تحسن على الاستقرار الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين.

 

ويرى أديب أنّ مواجهة الإخوان، خلال العقد الأخير، ضربت بُنى التنظيم الهيكلية، فباتت الجماعة ما بين أعضاء وقيادات يُحاكَمون في القاهرة على خلفية جرائم عنف ارتكبوها، أو على الأقل هم متّهمون على خلفيّتها، وما بين أعضاء وقيادات فرّوا إلى الخارج بهدف الهروب من المواجهة أو الاستعداد لمواجهة النظام السياسي الذي قام على خلفية ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013؛ نظراً لأنّه بعد فضّ اعتصام رابعة العدوية، الذي كان في 14 آب (أغسطس) 2013، لم تجد قيادات الإخوان سوى الهروب خارج مصر بعد أن ضاقت عليهم أرض مصر بسبب الجرائم التي ارتكبوها، ولم يكن أمامهم سوى الهروب وتجربة محاولات فاشلة بدعم وتمويل من الخارج، لكنّ محاولاتهم لم تستطع النَّيل من الدولة المصرية التي واصلت التقدم ومحاربة الإخوان. 

ويقول أديب: إنّ "ما يحدث داخل التنظيم هو انعكاس لحالة الانهيار التي يمرّ بها وليس دليلاً على سقوطه، خاصة أنّه مرّ بأعوام الضعف والتحلّل هذه في فترات سابقة. فهناك من يتوقع عودة التنظيم من جديد، ويستندون في ذلك إلى الظروف السياسية ذاتها التي مرّ بها التنظيم عام 1954، وهناك من يرى أنّ ما حدث للتنظيم هو دليل على انهياره وليس دلالة على سقوطه فقط، فما يمرّ به التنظيم مجرد عرض لمرض أكبر يتعلق بتفكك أفكاره بعد أن شاخ ووصل إلى مرحلة العجز بعد عمره الطويل."

أيّ مستقبل ينتظر الإخوان؟ 

بحسب الدكتور خيري عمر الأكاديمي والباحث السياسي في دراسته المنشورة بموقع (واشنطن إن ستيتوت)، تعثرت الجماعة أيضاً بسبب الانشقاقات الداخلية، فبعد عام 2013 انزلقت الجماعة في أزمة تنظيمية نتيجة الإطاحة بها من السلطة، وهو ما ترتب عليه حدوث انقسامات داخلية بلغت ذروتها في عام 2021، حين انقسمت الجماعة إلى تيارين أساسيين ومجموعات صغيرة أخرى. 

ومع انتقال قيادة الجماعة إلى الخارج، انكشف عدم لياقة نظامها الداخلي للوضع الجديد، وبدأت تعاني من مأزقين؛ يتمثل الأول في ارتباط النزاع بين الفِرق المختلفة بالخلاف حول صلاحيات المجلسين (الشورى المصري أو الشورى العام) في إسناد القيادة، أمّا الثاني، فإنّه يتمثل في أنّ الجماعة تواجه تنسيقاً أمنياً إقليمياً يحول دون تكاملها التنظيمي. وفي ظل هذه الأوضاع استمر الخلاف حول ملء الفراغ التمثيلي للجماعة مشكلة دائمة.

وقد تراجعت مكانة القيم داخل جماعة الإخوان، بحسب عمر، فعلى الرغم من رسوخ مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة وتصوير مخالفته نوعاً من العصيان والفساد الأخلاقي، لم يطرأ أيّ تحسن على الاستقرار الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين.

 

يعاني الخطاب الحالي للجماعة من ركود مُمتد، وفجوة زمنية ظهرت ملامحها في هيمنة المحنة والتضحية والرعاية الإلهية. وقد تراجعت قوة الإلزام الذاتي بالبقاء في الجماعة أو الخضوع لمركز واحد، كما تشير إلى عدم كفاية الأفكار الميثولوجية في ضمان التماسك التنظيمي.

 

وفيما يتعلق بإيديولوجية الجماعة، وبشكل عام، استخدمت الجماعة حجج مفكريها المركزيين مثل حسن البنا وسيد قطب، حيث ركنت الجماعة، منذ نشأتها، إلى إرشادات حسن البنا في نسختها الأولية عن السلطة والحكم والدولة، وذلك رغم عدم كفايتها للتعامل مع التغيرات المتواترة في النظام العالمي والدولة القومية، وعوضاً عن إيجاد حلول عملية للتعامل مع تلك التحديات، رأى فريق من الجماعة الابتعاد عن العمل السياسي والاكتفاء بالوعظ والإرشاد دون ظهور خطة لهذا التوجه.

من خلال استخدام خطاب قطب، صارت جماعة الإخوان أكثر اقتناعاً بأنّ العالم الخارجي هو المخطئ، فقد اعتبر قطب أنّ مشكلة الإسلام تكمن في جهل المجتمع والعداء العالمي، فيما يسلم منطقياً بصلاح الفئة العصبة المؤمنة لحمل عبء الدعوة. وفي ظل هذه الإيديولوجية الموروثة من البنا وقطب، بررت الجماعة الإخفاق السياسي بعدم ملائمة البيئة وعيوب المجتمع، وغطت على أيّ جهود لتقييم الجماعة من الداخل، بما في ذلك مبادرة إنشاء لجنة "الأهداف والوسائل".

ويعاني الخطاب الحالي للجماعة من ركود مُمتد، وفجوة زمنية ظهرت ملامحها في هيمنة المحنة والتضحية والرعاية الإلهية. وقد تراجعت قوة الإلزام الذاتي بالبقاء في الجماعة أو الخضوع لمركز واحد، كما تشير إلى عدم كفاية الأفكار الميثولوجية في ضمان التماسك التنظيمي، وهو ما يشير إلى تحول واسع في القيم التنظيمية، تمّ اختزاله في عمليات استنزاف للقدرات قامت بها مجموعات صغيرة من مجلس شورى الجماعة، وفق عمر. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية