
تشهد بنغلاديش جملة توترات سياسية واجتماعية على خلفية استقالة رئيسة الوزراء شيخة حسينة، بعد فترة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالإصلاحات السياسية وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وقد جاءت الضغوطات نتيجة لانتقادات واسعة النطاق حول الإدارة الفعالة والتعامل مع قضايا الفساد والاقتصاد.
وكان رئيس أركان الجيش في بنغلاديش، الجنرال واكر الزمان، قد أعلن في مؤتمر صحفي، بعد ظهر أول من أمس الإثنين أنّ رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد استقالت من منصبها، مضيفاً أنّ القوات المسلحة ستشكل حكومة مؤقتة.
وجاءت استقالة رئيسة الوزراء بعدما اقتحم متظاهرون معارضون للحكومة مقرها الرسمي في العاصمة دكا، في وقت سابق الإثنين الماضي، وقال قائد الجيش البنغلاديشي: "مهما كانت المطالب التي لديكم، فإننا سنفي بها، وسنعيد السلام إلى الأمّة، يُرجى مساعدتنا في ذلك، والابتعاد عن العنف"، بحسب (CNN).
ماذا حدث؟
قبل ذلك، في يوم الأحد، بلغت الاحتجاجات ذروتها في البلاد، بعد الإعلان عن إجراء "عملية عدم التعاون" مع السلطات التي بدأتها منظمة "الحركة الطلابية ضد التمييز"، وسرعان ما تحولت المواجهات بين الطلاب من جهة والشرطة وأنصار الحكومة من جهة أخرى إلى أعمال شغب، إثر ذلك ارتفعت حصيلة ضحايا الاشتباكات في البلد إلى (300) شخص خلال أسابيع، بمن فيهم (14) فرداً من قوات الأمن.
وأعلنت حكومة بنغلاديش حظر التجول في دكا والمدن الكبرى الأخرى في البلاد من الساعة السادسة مساءً بالتوقيت المحلي حتى إشعار آخر، وتلقى مشغلو شبكات الهاتف المحمول تعليمات من الجهات الحكومية بتعطيل الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
بلغت الاحتجاجات ذروتها في البلاد، بعد الإعلان عن إجراء "عملية عدم التعاون" مع السلطات التي بدأتها منظمة "الحركة الطلابية ضد التمييز" الأحد، وسرعان ما تحولت المواجهات بين الطلاب من جهة والشرطة وأنصار الحكومة من جهة أخرى إلى أعمال شغب.
ويعود سبب الاحتجاجات، بحسب (روسيا اليوم)، إلى استئناف عمل نظام الحصص للقبول في الخدمة المدنية، ممّا يعقد قدرة عدد كبير من خريجي الجامعات في الحصول على وظيفة، ووفقاً لنظام الحصص هذا يتمتع الأشخاص من عائلات المشاركين في حرب عام 1971 من أجل استقلال بنغلاديش عن باكستان، وممثلو الأقليات القومية والدينية، وكذلك المناطق ذات التمثيل غير الكافي في الخدمة المدنية، والمعاقون، بميزة عند دخول العمل الحكومي.
وقد أجبرت الاحتجاجات رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة على الاستقالة من منصبها والفرار إلى الهند يوم الإثنين، وفي حين اقتحم متظاهرون مقرها الرئيسي في داكا، أعلن الجيش عن محادثات لتشكيل حكومة مؤقتة.
ونزولاً عند طلب قادة الاحتجاجات الطلابية وحزب بنغلاديش الوطني المعارض، حل البرلمان الثلاثاء، وأُفرج عن رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء بعد أعوام من الإقامة الجبرية، وفق ما أفاد بيان للرئاسة وحزبها الذي يطالب بانتخابات في غضون (3) أشهر.
من يخلف حسينة؟
طالب قادة الاحتجاجات الطلّابية في بنغلاديش الثلاثاء بتولي محمد يونس، الحائز على "جائزة نوبل للسلام"، حكومة تصريف أعمال، غداة سيطرة الجيش على البلاد بعدما أجبرت المظاهرات الواسعة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة على الاستقالة والفرار.
وبالفعل أبدى محمد يونس استعداده لتولي رئاسة حكومة انتقالية في بنغلاديش، وذلك في تصريح خطي لـ (وكالة الصحافة الفرنسية)، قائلاً: "تأثرت بثقة المتظاهرين الذين يريدونني أن أترأس حكومة انتقالية"، مضيفاً: "لقد وضعت السياسة دائماً بعيداً، لكن اليوم، إذا كان من الضروري العمل في بنغلاديش، من أجل بلدي، ومن أجل شجاعة شعبي، فسأقوم بذلك"، داعياً إلى تنظيم "انتخابات حرة".
وقال ناهد إسلام أحد المنظمين الرئيسيين للحركة الطلابية في مقطع فيديو على (فيسبوك) مع (3) منظمين آخرين: "أيّ حكومة غير تلك التي أوصينا بها لن تكون مقبولة، لن نقبل أيّ حكومة يدعمها الجيش أو يقودها"، وأضاف: "أجرينا مناقشات مع محمد يونس، ووافق على تلبية دعوتنا وتحمّل هذه المسؤولية".
وقد حصل يونس (84) عاماً، وكذلك بنك جرامين "بنك الفقراء" الذي أسسه، على جائزة نوبل للسلام في 2006 لعمله على انتشال الملايين من الفقر عبر منح قروض صغيرة تقلّ قيمتها عن (100) دولار للفقراء في المناطق الريفية في بنغلاديش، لكنّ محكمة وجهت إليه اتهامات بالاختلاس في حزيران (يونيو)، وينفي يونس تلك الاتهامات، وأفادت تقارير بأنّ يونس موجود حاليّاً في باريس، ولم يرد على طلب من (رويترز) للتعليق حتى الآن.
مخاوف من اعتداءات إثنية
في السياق، قال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في بنغلاديش اليوم: إنّهم "قلقون جداً" إزاء التقارير التي تحدثت عن هجمات على مجموعات دينية وإثنية وأقليات أخرى، وعبّر وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جيشانكار عن "قلقه البالغ إلى حين إعادة فرض القانون والنظام بشكل واضح" في بنغلاديش، مؤكداً لأول مرة بشكل رسمي أنّ حسينة في الهند التي فرّت إليها أمس.
طالب قادة الاحتجاجات الطلّابية في بنغلاديش الثلاثاء بتولي محمد يونس، الحائز على "جائزة نوبل للسلام"، حكومة تصريف أعمال، غداة سيطرة الجيش على البلاد، بعدما أجبرت المظاهرات الواسعة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة على الاستقالة والفرار.
وأعلنت نقابة الشرطة الرئيسة في بنغلاديش اليوم الإضراب. وأفادت "جمعية شرطة بنغلاديش" التي تمثل آلاف الشرطيين في بيان أنّ إضرابها سيستمر "إلى أن يتم ضمان سلامة كل فرد من أفراد الشرطة"، وقالت في بيانها: "نطلب الصفح عمّا قامت به قوات الشرطة للطلاب الأبرياء"، بعدما استخدمت الشرطة العنف، وأطلقت النار على المتظاهرين.
ودعت وزارة الخارجية الأمريكية جميع الأطراف إلى تجنب العنف في بنغلاديش، بعد فرار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة من البلاد إثر تظاهرات أوقعت مئات القتلى، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحافيين: "نحض جميع الأطراف على الامتناع عن مزيد من العنف. لقد فُقدت أرواح كثيرة في الأسابيع القليلة الماضية، ونحن ندعو إلى الهدوء وضبط النفس في الأيام المقبلة"، وأضاف: "نرحب بالإعلان عن حكومة انتقالية ونحض على أن تراعي أيّ عملية انتقالية قوانين بنغلاديش".
ما سيناريوهات المستقبل؟
في ضوء التوترات السياسية والاجتماعية الحالية تواجه بنغلاديش تحديات كبيرة تؤثر على مستقبل البلاد، وقد تؤدي التوترات الناتجة عن الاستقالة الأخيرة للحكومة واحتجاجات المعارضة المتصاعدة إلى حالة من عدم الاستقرار في المستقبل القريب، وتتمثل أهم التحديات في كيفية إجراء الانتخابات المقبلة بطريقة نزيهة وشفافة، حيث إنّ النزاع حول عملية الانتخابات قد يؤدي إلى تأخيرها أو إضعاف مصداقيتها، ممّا قد يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي ويؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني.
من ناحية أخرى، التوترات الاجتماعية والاقتصادية تشكل خطراً على خريطة التنمية والأمن والاستقرار في البلاد، إذ تؤثر الأزمات الاقتصادية الحالية، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وتفشي الفقر، على تفاقم الأوضاع الاجتماعية، وهذا يمكن أن يساهم في زيادة الاحتجاجات الشعبية والصدامات بين المواطنين وقوات الأمن، ممّا يؤثر على الأمن الاجتماعي والاستقرار. في ظل هذا الوضع تبرز الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية فعالة لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين وتحسين الظروف المعيشية، بحسب مراقبين.
في نهاية المطاف، مستقبل بنغلاديش يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف السياسية والمجتمع المدني على التعاون وتجاوز الخلافات الحالية، والنجاح في تنظيم انتخابات نزيهة وإرساء استقرار سياسي مستدام يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنّ الدعم الدولي قد يلعب دوراً مهماً في تعزيز استقرار البلاد ومساعدتها على تجاوز الأزمات الراهنة.