
ماهر فرغلي
في العام الذي تلا سقوط الإخوان، وجدت الجماعة ذاتها في مأزق شديد، فقد تورطت بالفعل، وأصبح جزء من قياداتها هاربًا لخارج البلاد، وآخر داخل السجون، كما أصبح الباقون تحت عين الرصد، وكانت مشكلة الهاربين هي الأدهى، فقد كانوا لا يستطيعون الانفصال مطلقًا عن الإخوان في الخارج، لظروف متنوعة، وكانوا لا يستطيعون تغيير خطابهم، وإلا جرفهم سيل المتعاطفين مع جماعة حسن البنا، واتُهموا بالخيانة والنفاق، لذا فقد انتهجت الجماعة سياسة المناورة، فهي ما بين الدولة والإخوان، أي في المنتصف داخل مصر، ومع الإخوان قلبًا وقالبًا خارج مصر، وكانت استراتيجيتها هي البقاء في صدارة المشهد الإعلامى بشكل شبه يومى، وبيانات شبه يومية، ومحاولة استغلال الفراغ الإخواني لضم عناصر جديدة على فكرة مميزة هي: (التاريخ الطويل من الصراع الدامي مع الأنظمة الطاغوتية، وفشل الإخوان والسلفيين)، وكان ذلك هو خطاب الجماعة، سواء قادة أو أفراد طيلة الفترة السابقة.
اتخذت الجماعة استراتيجية أيضًا جديدة اتضحت معالمها باتخاذ العنوان الثوري سلاحًا لها (وفق طارق الزمر)، والالتفاف حول شباب الثورة، وخطاب التجميع للضغط على مصر، للحصول على بعض المكتسبات المحدودة، بعد محاولات الانسحاب الإخوانية لتكوين جبهة مواجهة ترتكز على الرؤى الجهادية والخلفية السلفية الحركية، ترفض التنازلات التي يمكن أن يقدمها الإخوان للثوريين من أجل التوافق.
في هذه الآونة أيضًا كان قيادات الخارج يمارسون (اللخبطة) دون حساب دقيق، وتزداد (عشوائيتهم) حين يصرّح الإخوان بأن منهجهم ليس العنف، وأن تحالفهم مع الجماعة الإسلامية هو السبب فيما جرى من أحداث مسلحة داخل مصر، وأن أفراد الجماعة الإسلامية هم المتورطون في كل ما جرى.
انقسمت الجماعة الإسلامية إلى 4 أقسام لا خامس لها، الأول منها هو قياداتها، الذين قسموا أنفسهم لفريقين، أولهما بالخارج، وهذا له خطاب لا يخلو من المواجهة والعنف، مستغلين وجودهم خارج مصر في طرح هذا الخطاب، ومنهم ممدوح على يوسف، والمتطرف إسلام الغمري وغيرهما، وأما قيادات الداخل فلهم خطاب يمسك العصا من المنتصف، متحججين بوجودهم في الداخل، واضطرارهم إلى ذلك، وأما القسم الثانى من الجماعة فهم مَن نشروا صور شهداء التسعينات، وهم مَن يؤمنون بأن مبادرة وقف العنف القديمة ما هي إلا اجتهاد مضى وقته، والقسم الثالث هم الذين ما زالوا متمسكين بالمبادرة لكن رأيهم لا يؤخذ به، وليس لهم أي دور في سياسات التنظيم، والقسم الأخير وهو الذى ينفذ أوامر القيادة دون تفكير، أو تخلي عن الجماعة وانعزل عما يجري.
حرصت قيادات الجماعة على ازدواجية المواقف طوال الوقت، على سبيل المثال المؤتمرات التي تم فيها مناقشة فكر داعش.. حتى عنوانها كان (داعش ما لها وما عليها).. في المنتصف أيضًا، أي أن داعش لها إيجابيات.. وهذا ما تسبب فيما بعد في لفت الانتباه لداعش، وكانت الجماعة الإسلامية هي كبرى الجماعات التى ورّدت أفرادًا من جيل ما بعد الثورة لهذا التنظيم.
كما حرصت القيادات على الإبقاء على ازدواجية المواقف للإبقاء على مشهد القيادة الحالية كما هو دون تغيير، وعدم فقدانهم مكانتهم التاريخية التي اكتسبوها، وإحداث توازن داخلي لإثبات أنها تدار بالديمقراطية وبرأي الأغلبية.
دخلت في تلك الآونة أطروحات وبيانات الجماعة، ومنها ما يكتبه عبود الزمر، ضمن أساليب امتصاص الضربات والتقاط الأنفاس وتحويل الأنظار عن الجماعة وقياداتها في الداخل، وإظهار الجماعة كأنها ليست على وفاق وانسجام مع الإخوان على غير الحقيقة، لاحتواء حركات الانشقاق، وتشتيت جهود المنشقين الساعية لحظر الجماعة، أو تصنيفها إرهابية، ولتفادى تحمُّل مسؤولية العنف والتفجيرات في الشارع، فيمَ يباشر قيادات الخارج الشحن والتحريض والتصعيد.
رأى بعض قيادات الجماعة أن الفرصة في هذه المرحلة- بعد 25 يناير 2011- صارت مواتية أكثر من أي وقت مضى لتصفية الحسابات مع ما سموها «أجهزة نظام مبارك الأمنية»، لذا أعلنت- فى تصرُّف غريب- عن إنشاء لجان للحسبة فى صعيد مصر سيتم تعميمها فيما بعد، وأعلن الكثيرون منهم دون مواربة على صفحاتهم الخاصة، ومنهم أبوالعلا عبدربه قاتل فرج فودة (قُتل في سوريا فيما بعد)، وعزت السلاموني، عن الفرصة المواتية لتخليص الحقوق.
كما رأى آخرون من الجماعة أن الفرصة مواتية لطرح مرشح رئاسي، لذا فقد أعلنوا عن دعمهم لترشح صفوت حجازي، قبل قرار الإخوان بترشيح خيرت الشاطر، وبعده محمد مرسي، ليتحالفوا مع الإخوان من أجل أسلمة السلطة وكرسي الحكم.
وبينما كان الإخوان يمارسون الإقصاء لكل خصومهم، أصبحت الجماعة الإسلامية هي الحليف الأكثر التصاقا بهم، فقامت بالإعداد لما يسمى (جمعة الشريعة) بميدان التحرير، وشاركت في كل الفعاليات الإخوانية، وبدأ قادتها مثل عاصم عبدالماجد يخدمون الإخوان في كل الملفات المطروحة على الساحة الإعلامية، وحين أقام الرئيس الأسبق مرسى مؤتمرًا دعا فيه للجهاد بسوريا، كان عبدالماجد أول من أقام ما يسمى (جبهة الأنصار) لجمع الشباب للسفر إلى هناك، وهو ما حصل بالفعل، حيث يوجد للجماعة عدد غير قليل من عناصرهم، على رأسهم أحمد عشّاوى.
حين فشل الإخوان في العام الذي حكموا فيه، كان عبود الزمر موجودًا بشكل شبه يومي في قصر الاتحادية بجوار مرسى، وكانت جماعته تناور لتبقى في صدارة المشهد الإعلامى بشكل شبه يومي، وحين شعرت جماعة الإخوان أن الشعب سيجبرها على ترك الحكم، قررت الاعتصام في ميدان رابعة والنهضة، وكان قادة الجماعة على رأس المعتصمين، وفوق المنصة وتوالوا في إلقاء الكلمات التهديدية للجيش المصري.
ولما فشلت التجربة السياسية للإخوان وحلفائهم، اعتزلت الجماعة المشهد السياسي، ورفضت القبول بالنتيجة التي وقعت، وأعلنت انضمامها لما يسمى (تحالف دعم الشرعية)، وانفتحت مسارات الصدام والعنف على مصراعيها، سواء من التنظيمات التكفيرية المسلحة المتمركزة في سيناء، أو من خلايا تكونت حديثاً من شباب مُنتمٍ للتنظيمات التقليدية بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، لاستهداف مؤسسات الدولة السيادية والأمنية وعلى رأسها الجيش والشرطة، وكانت الجماعة حاضرة بقوة، إذ إنها أمسكت العصا من المنتصف، فقررت تهريب بعض قادتها للخارج، ومنهم طارق الزمر، ورفاعي طه، الذى قُتل فيما بعد بسوريا، وعاصم عبدالماجد، ومن المحطات الخارجية، أطلقوا تصريحاتهم للدعوة لما يسمى «الثورة والشرعية»، ورفع بعض قادتهم شعار الجماعة القديم، وهو السيف وفوقه آية (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)، وكان منهم ممدوح على يوسف، رئيس الجناح العسكرى السابق للجماعة، ومحمد الصغير، المقيم بتركيا، الذي دعا مجموعة (العقاب الثوري) الإخوانية المسلحة، لاحتلال صعيد مصر، تمهيدًا لطوفان «الثورة المسلحة»- بحسب وصفه- والذي سيتحول من إمام مسجد في مدينة 6 أكتوبر إلى عضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس مؤسسة يتم تمويلها بالملايين. للحديث بقية.
الوطن