الأزهر والإخوان.. سر العداء وآليات المواجهة

الأزهر والإخوان.. سر العداء وآليات المواجهة

الأزهر والإخوان.. سر العداء وآليات المواجهة


28/07/2024

في حديث لافت حول علاقة تنظيم الإخوان بالمؤسسات الدينية بمصر، قال مفتي مصر شوقي علام: إنّ جماعة الإخوان، وعلى مدار تاريخها، حاولت تخريب مؤسسة الأزهر الشريف، وتشويه علمائه، مشيراً إلى صراع فكري طويل عبر التاريخ، وظفت الجماعة خلاله كافة أدواتها لمحو فكرة المذهبية الفقهية، والدعوة إلى العودة إلى الكتاب والسنّة فقط، دون الاعتراف بالمذاهب الفقهية المعتبرة ودورها في فهم النص الشرعي وتطبيقه.

وأكد علام أنّ الإخوان، منذ تأسيس الجماعة عام 1928، حاولوا باستمرار إقصاء علماء الأزهر وتشويه صورتهم، وذلك بسبب كشفهم فساد منهج الجماعة ومخالفته لمنهج الأزهر الوسطي المعتدل، مشيراً إلى أنّ منهج الأزهر يقوم على التعددية والانفتاح، حيث يدرّس كافة المذاهب الإسلامية بمنهجية علمية، ممّا يساهم في تحقيق التقارب بين المسلمين. على النقيض من ذلك، سعت جماعة الإخوان إلى احتكار تفسير الإسلام وفرض رؤيتها الضيقة، بل وصل بهم الأمر إلى وصف منهج الأزهر بالضلال.

وأوضح المفتي أنّ جماعة الإخوان أرادت أن يُختطف المنهج الأزهري وألّا يكون موجوداً، وظهرت دعوات تدعو إلى كل ما يخالف المنهج الأزهري، مثل محو فكرة المذهبية الفقهية والعودة إلى الكتاب والسُّنة فقط دون الاعتراف بالمذاهب الفقهية المعتبرة.

عداء قديم

فتحت تصريحات المفتي الباب واسعاً أمام الحديث عن حالة الخلاف الدائم بين جماعة الإخوان، التي تدّعي أنّها جماعة دينية وسطية، ومؤسسة الأزهر الشريف التي تتبنّى نهجاً وسطياً حقيقياً في العالم الإسلامي، وهو خلاف بلغ حد العداء التاريخي، وقد اجتهدت الجماعة في تشويه كافة المؤسسات الدينية في مصر لتنفرد بالعقل الديني وحدها، لبث السموم وتجنيد الشباب، وقد كان للأزهر النصيب الأكبر في ذلك. 

 

محمد نصر عارف: عند تأسيس جماعة الإخوان عام 1928 لم يكن بين مؤسسيها أيّ أزهري، واستمر الحال كذلك لعقود. 

 

وفي إحدى مقالاته التي نشرتها صحيفة (الأهرام) يستدل الكاتب المصري نصر محمد عارف على حالة العداء والصراع بين الأزهر والإخوان، بأنّ مؤسس الجماعة حسن البنا، ومفكرها الرئيسي سيد قطب، كانا من خريجي دار العلوم، وهي مؤسسة أنشأها علي مبارك عام 1886 بهدف تخريج متخصصين في الشريعة الإسلامية واللغة العربية، بعيداً عن التقاليد الأزهرية التي اعتبروها محافظة في ذلك الوقت، وعائقاً أمام عملية التحديث التي شهدتها مصر في عهد إسماعيل باشا.

ويشير عارف إلى أنّه عند تأسيس جماعة الإخوان عام 1928، لم يكن بين مؤسسيها أيّ أزهري، واستمر الحال كذلك لعقود. ويرى المرجع الشيعي السيد صدر الدين القبانجي أنّ فشل جماعة الإخوان يعود إلى نشأتها خارج المؤسسة الدينية الرئيسية، وهي الأزهر الشريف، ومحاولتها إحداث إصلاح شامل من خلال مؤسسة مصطنعة كالحزب أو الجماعة. ويؤكد القبانجي أنّ عداء الإخوان للأزهر كان سبباً رئيسياً في فشلهم التاريخي.

وبعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 سعى الإخوان للسيطرة على الأزهر، وبعد وصول محمد مرسي إلى الرئاسة، تسارعت محاولاتهم للسيطرة على المؤسسة الأزهرية. واستغل الإخوان أحداثاً مثل حالات التسمم المزعومة في المدينة الجامعية الأزهرية للمطالبة بعزل شيخ الأزهر، رغم عدم مسؤوليته القانونية عن هذه الحوادث، هذا السلوك كشف عن استعداد الإخوان لاستغلال أيّ حدث لتحقيق أهدافهم، وتجاهل قضايا الشعب الأخرى. 

عداء شخصي لشيخ الأزهر 

عند توليها الحكم في مصر عام 2012 تربصت جماعة الإخوان بشيخ الأزهر آنذاك الدكتور أحمد الطيب، وشهدت مسيرة جماعة الإخوان المسلمين صدامات متكررة مع الطيب، لعل أبرزها اتهامه بالمسؤولية عن القضية المعروفة إعلامياً باسم "ميليشيات الأزهر"، هذه القضية نشأت عندما قام طلاب ينتمون إلى الجماعة بتنظيم عرض شبه عسكري داخل جامعة الأزهر أثناء رئاسة الطيب للجامعة، وأدى ذلك إلى تدخل أجهزة الأمن وحكم بالسجن على عدد من قيادات الجماعة.

شهدت علاقة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وجماعة الإخوان المسلمين توترات وصراعات متعددة على مدار أعوام طويلة، بدأت هذه الصراعات منذ تولي الطيب رئاسة جامعة الأزهر، حين واجه محاولات من قبل عناصر جماعة الإخوان لتغيير طبيعة الجامعة وتوجهاتها. 

 

يرى المرجع الشيعي السيد صدر الدين القبانجي أنّ فشل جماعة الإخوان يعود إلى نشأتها خارج المؤسسة الدينية الرئيسية، وهي الأزهر الشريف.

 

وتصاعدت حدة هذا الصراع بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، مع سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم ومحاولتهم فرض رؤيتهم على جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الأزهر، وقد تجلى ذلك في العديد من الأحداث، مثل محاولة طلاب الإخوان تنظيم عرض عسكري داخل الجامعة، والتي كانت بمثابة تحدٍّ صريح لسلطة رئيس الجامعة.

في ذلك العام أصدر المجلس العسكري المرسوم بقانون رقم (13) لعام  2012 بتعديل قانون الأزهر، ممّا منح شيخ الأزهر حصانة من العزل وجعله منتخباً، وقد أثار هذا المرسوم غضب الإخوان الذين كانوا يسعون للإطاحة بالطيب خلال حفل تنصيب الرئيس المعزول محمد مرسي، وقد تجاهل الأخير مصافحة الشيخ الطيب، ممّا أثار غضب الرأي العام المصري، وفق (العربية).

وحاول  الإخوان جاهدين السيطرة على الأزهر وتحويله إلى أداة لخدمة أهدافهم السياسية، وقد ظهر ذلك جليّاً في الحملات الإعلامية التي شنتها الجماعة ضد الشيخ الطيب، وحث أنصارها على التظاهر ضده، وكان الهدف الأساسي من وراء هذه المحاولات هو إضعاف الأزهر كمرجعية دينية، واستبدال علمائه بآخرين موالين لجماعة الإخوان، إلا أنّ الإمام الأكبر تمكن بصلابة وعزم من التصدي لهذه المحاولات، وحافظ على استقلالية الأزهر ودوره الريادي في العالم الإسلامي.

تدشين مؤسسات بديلة

خلال اللقاء الذي عقد في مقر الرئاسة التركية بين أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في آب (أغسطس) 2023، طلب أعضاء الاتحاد من الرئيس التركي وبشكل رسمي وملح ضرورة إقامة جامعة إسلامية عالمية في إسطنبول على غرار جامعة الأزهر في مصر.

 

تصاعدت حدة الصراع بين الإخوان والأزهر بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، مع سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم ومحاولتهم فرض رؤيتهم على جميع مؤسسات الدولة.

 

وكشف القيادي الإخواني محمد الصغير، الذي حضر اللقاء، أنّ علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قدّم في كلمته أمام أردوغان (9) مطالب، منها ضرورة إنشاء جامعة إسلامية في إسطنبول، على غرار الأزهر بالقاهرة، بحسب (العربية).

وأكد باقي المتحدثين من أعضاء الاتحاد خلال كلماتهم أهمية التسريع بإقامة تلك الجامعة لتجمع الطلاب من شتى بقاع الدول الإسلامية، لتكون بديلاً لهم عن جامعة الأزهر، وتوفر لتركيا مداخيل اقتصادية جديدة.

وتسعى الجماعة منذ تأسيسها إلى السيطرة على المؤسسات الدينية، بما في ذلك الأزهر، لفرض رؤيتها وتوجهاتها على المجتمع. وتختلف رؤية الإخوان عن الإسلام عن الرؤية الأزهرية، حيث تتبنى الجماعة تفسيراً متطرفاً للدين، فضلاً عن ذلك، وهو الأهم، أنّ الأزهر يمثل مؤسسة دينية كبيرة ذات نفوذ واسع، والصراع للسيطرة عليه هو صراع على النفوذ السياسي والديني في مصر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية