
تبدو حركة النهضة، "الذراع السياسية لجماعة الإخوان بتونس" أنّها لم تغادر عنق الزجاجة، مع احتدام أزمتها التنظيمية داخل البلاد، فبعد القبض على أمينها العام العجمي الوريمي، وتوجيه اتهامات مباشرة له بالفساد والإرهاب، انزلقت الحركة إلى منحدر جديد يزيد من أزمتها ويعمّق سيناريوهات غير متفائلة حول مستقبلها السياسي.
في 13 تموز (يوليو) 2024 هزّ خبر اعتقال العجمي الوريمي، الأمين العام لحركة النهضة في تونس، هزّ حركة النهضة التي كانت تضع آمالاً واسعة على أمينها العام المُعيّن حديثاً من أجل إعادتها إلى المشهد السياسي في البلاد، وقد أثار هذا الاعتقال موجة من الجدل والتساؤلات حول دوافعه وتأثيره على مستقبل الحركة الإخوانية.
وجرى توقيف الوريمي رفقة شخصين آخرين خلال عملية تدقيق روتيني للهويات على طريق عام في ولاية منوبة، ووجهت إليه لاحقاً تهمة مساعدة شخص على الإفلات من العدالة، وهو "مبحوث عنه في علاقة بقضية إرهابية".
يقول الخبير القانوني والسياسي التونسي حازم القصوري لـ (حفريات): إنّ بلاده تخوض معركة حاسمة ضد الفساد والإرهاب، وإنّ حركة النهضة، بزعامة راشد الغنوشي، تُواجه ملاحقة قضائية صارمة، لتورطها بملفات تتعلق بالإرهاب والفساد، والتعاون مع جهات خارجية، فضلاً عن ملف الاعتقالات السياسية والتنظيم السرّي للإخوان.
يشير القصوري إلى أنّ ملفات فساد عديدة تمّ فتحها ضدّ حركة النهضة، وتتضمن اتهامات بخرق القانون وغسل الأموال، فضلاً عن وجود صلات مشبوهة بالإرهاب والتمويل الخارجي، وهناك ترتيبات للقبض على عدد كبير من قياداتها، كشفت التحقيقات التي جرت مؤخراً ثبوت تورطهم في تلك الملفات، منهم الوريمي الذي تم توقيفه الأسبوع الماضي.
يُشدد القصوري على أنّ عودة حركة النهضة إلى السلطة في تونس إبّان عام 2011 جاءت في سياق "صفقة الربيع الأمريكي" التي خلّفت وراءها الدمار في ليبيا وسوريا، وشهدت تونس عمليات اغتيال سياسية، وتنفيذ مخططات لصالح جهات خارجية مقابل ذلك، ممّا أضر بالأمن القومي التونسي، هذه الملفات بصدد التحقيق منذ تموز (يوليو) 2021، وما زالت المعلومات تتكشف بشكل تدريجي، لكنّ الاتهامات واضحة ومثبتة على قيادات النهضة، وكل ذلك يجري بشكل قانوني، وليس سياسياً كما يحاول الإخوان الترويج له.
خطوة نحو الحظر
يتوقع القصوري قراراً قريباً بحل الحركة وحظر أنشطتها على خلفية تلك الاتهامات، ويقول: "الاتهامات ضد النهضة وقادتها كفيلة بحل الحركة وفق القانون، خاصة في ضوء العديد من المطالب السياسية والقانونية خلال الفترة الماضية التي طالبت بحل الحركة وحظر أنشطتها داخل البلاد في ضوء ما تكشف من فساد واتهامات مباشرة بالإرهاب، وربما الأمر مسألة وقت، ونثق في سلطات تونس أنّها قادرة على دحر نشاط هذا التنظيم الإرهابي ومحاسبة المتورطين باستهداف أمن البلاد.
قرار حل النهضة قاب قوسين أو أدنى، والأيام المقبلة ستشهد توقيف مزيد من قيادات الحركة على ذمة ملفات إرهاب.
في سياق ذلك يؤكد القصوري نهاية حركة النهضة كقوة سياسية فاعلة، معتبراً أنّ محاكمة قياداتها ستكون بمثابة شهادة وفاة للجماعة، مشيراً إلى أنّ حركة النهضة حاولت إعادة تنظيم نفسها سراً وعلناً، مستخدمةً التقية والتلاعب بحقوق الإنسان، لكنّها فشلت في استعادة حاضنتها الشعبية التي خسرتها بسبب حكمها الفاسد ووعودها الكاذبة.
يُؤكّد الخبير القانوني التونسي على أنّ "العقول" هي من تملك الميدان، وأنّ حركة النهضة قد أضاعت فرصة إعادة الانتشار، ويُشدد على أنّ القضاء على حركة النهضة هو انتصارٌ لسيادة القانون ومكافحة الفساد والإرهاب في تونس.
ويأتي اعتقال الوريمي في وقت يقبع فيه عدد من قيادات النهضة في السجن في قضايا مختلفة، من بينها القضية المعروفة إعلاميّاً بـ "التآمر على أمن الدولة"، وأخرى تتعلق بملفات إرهابية وتشمل تسفير آلاف التونسيين إلى بؤر التوتر، وفق موقع (ميدل إيست).
وكان أعوان من فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني قد أوقفوا الأشخاص الـ (3) السبت الماضي بمنطقة برج العامري عندما كانوا داخل سيارة.
وأفاد موقع (موزاييك) المحلي بأنّ الفرقة الأمنية تخلت عن الملف لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب. ولم تعلن رسمياً بعد أسباب إيقاف الوريمي، وقد نفى قيس القروي العضو في الحملة التفسيرية للرئيس التونسي قيس سعيّد في تصريح إذاعي أن يكون اعتقال الأمين العام لحركة النهضة على خلفية خروقات انتخابية، مثلما أُشيع.
فشل مخطط عودة النهضة
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عينت حركة النهضة الوريمي أميناً عاماً، وأُسندت إليه مهمة إعادة الحركة إلى المشهد السياسي بالبلاد، وسط أزمة سياسية طاحنة تمر بها الحركة الإخوانية، بينما يقبع قادتها في السجون، وتُحاسب على العديد من الجرائم بعد سقوطها السياسي وفشلها في إدارة البلاد.
والعجمي الوريمي من الوجوه المحسوبة على جناح الحمائم داخل (النهضة)، كان قريباً من اليسار ومنفتحاً على مختلف التيارات السياسية، ويعتبر من العناصر الصلبة والقيادات التقليدية التي لم تغادر الحركة، وهو يمثل التواصل داخلها.
ويُعدّ أيضاً من أبرز الداعين إلى تغيير حركة (النهضة) من حزب إسلامي إخواني إلى حزب مدني، ممّا دفع الحركة عام 2016 إلى إعلان أنّها حزب مدني، وأنّها تخلت عن انتمائها لتنظيم الإخوان، وزعمت أنّها تحترم مدنية الدولة.
عُيّن الوريمي في منصب نائب رئيس الحركة بعد عام 2011، والمسؤول عن الثقافة والتعليم والشباب، ثم أصبح عضو المكتب التنفيذي مسؤولاً عن مكتب الإعلام والاتصال. والوريمي أستاذ فلسفة في التعليم الثانوي.
يأتي اعتقال الوريمي في وقت يقبع فيه عدد من قيادات النهضة في السجن في قضايا مختلفة؛ من بينها القضية المعروفة إعلاميّاً بـ "التآمر على أمن الدولة"، وأخرى تتعلق بملفات إرهابية وتشمل تسفير آلاف التونسيين إلى بؤر التوتر.
ويقول عبد الرزاق الرايس المحلل السياسي التونسي: إنّ "أغلب قيادات حركة النهضة تقبع حالياً في السجون، وتعاقب على جرائم اقترفتها فعلاً بالأدلة والبراهين، وليس مثلما يتم الترويج من قبل التنظيم، بأنّ المعتقلين ضحايا"، بحسب موقع (العين الإخبارية).
ويؤكد أنّ "قيادات جماعة الإخوان حالياً إمّا في السجون وإمّا خارج البلاد، مثل عائلة راشد الغنوشي وابنه معاذ وصهره رفيق عبد السلام"، مضيفاً: "لم يتبقَّ من التنظيم سوى العناصر من الصفين الثاني والثالث والتي لا قيمة لها".
وتابع: "القيادات التي ما تزال موجودة في المكتب التنفيذي لحزب حركة النهضة، هم: عماد الخميري وزينب البراهمي فقط، والبقية يقبعون حاليّاً في السجون".
ومضى مؤكداً: "رغم سعي جماعة الإخوان لتأزيم الأوضاع الاجتماعية في الآونة الأخيرة لفرض نفسها كلاعب سياسي داخل المعارضة التونسية، إلا أنّها لم تنجح في ذلك، وفشلت فشلاً ذريعاً".