
لطالما نفت جماعة الإخوان عن نفسها تهمة الإرهاب قبل 30 حزيران (يونيو) 2013، وقدمت نفسها باعتبارها جماعة دعوية وسطية بعيدة تماماً عن العنف، لكن منذ ذلك التاريخ، الذي يمثل لحظة كاشفة لتاريخ التنظيم، كشفت الجماعة عن وجهها المظلم، ونفذت عشرات وربما مئات العمليات الإرهابية التي اجتاحت مصر شرقاً وغرباً، وبينما يُحيي المصريون الذكرى الحادية عشرة للثورة التي أسقطت التنظيم عن الحكم، تعيد دراسة حديثة نشرتها الهيئة الوطنية للإعلام توثيق التاريخ الدموي للجماعة منذ نشأتها في العام 1928 حتى اليوم.
تقول الدراسة: إنّ "ماضي الجماعة ملوث بالقتل والخيانة والكراهية للشعب المصري، والسبب يكمن في المرشد الأول، المجرم (حسن البنا) الذي زرع في قلوب أعضاء "عصابته الدموية " معنى خطيراً، هو أنّ هذه العصابة وحدها تمثل الإسلام، ووحدها "جماعة المسلمين"، وبالتالي يحق لها تقويم السلوك، وقتل كل من ينحرف عن الطريق التي ترسمها الجماعة، وهذا الشعور بالتميز والاستعلاء على عباد الله، رسّخه البنا في "كتائب أنصار الله" و"التنظيم الخاص" و"الجوالة "، وكلها تجمعات إجرامية، قتلت ونهبت وأحرقت وخربت في مصر، بدعوى "تطبيق شرع الله".
حلم الخلافة الضائع
كان المناخ العام في مصر في عشرينيات القرن الماضي هو مناخ الصراع والقلق، بعد أن انتزع المصريون "الاستقلال الصوري" عن بريطانيا، وحصل (السلطان فؤاد) على لقب "ملك مصر" بموجب دستور 1923، وكان "المحافظون" و"المجددون" يتصارعون في الشوارع والمقاهي، وعلى صفحات الصحف، وفق الباحث.
في هذا المناخ ظهر (حسن البنا)، وهو مدرس ابتدائي، يحمل شهادة من مدرسة دار العلوم، وقرر أن يمضي في طريق تأسيس "جماعة" زعم حينها أنّها تعمل على حفظ الأخلاق، وتطبق مبادئ الإسلام، وذلك بعد أن ظهرت "جمعية الشبان المسلمين" التي كان من رموزها (الشيخ عبد العزيز جاويش، ومحب الدين الخطيب، ومحمد تيمور، وعبد الحميد سعيد، والشيخ محمد خضر حسين)، والميزة التي تميزت بها "جمعية الشبان المسلمين" هي إطلاق الشعارات الإسلامية، والتوجه إلى شريحة المتعلمين والمثقفين، وكان حسن البنا قريباً من هذه الجمعية، وكان هو المراسل المعتمد لمجلة (الفتح) التي أسسها (محب الدين الخطيب) أحد قادة "الشبان المسلمين".
وقرر حسن أحمد عبد الرحمن البنا أن يغامر، وينشئ "جماعة" تكون مثل جمعية الشبان المسلمين، ومثل الطريقة الصوفية. والتقى بـ (6) رجال يعملون في معسكرات الجيش البريطاني في مدينة الإسماعيلية، وهي المدينة البكر التي مكنته من الحركة والحشد، فهي ليست (القاهرة) المحتلة بكتائب الأحزاب العلمانية والجمعيات والنوادي، وليست (الإسكندرية) المدينة التي تفيض بالجنسيات الأوروبية، وفي هذه المدينة الصغيرة، وجد البنا الجماهير المحدودة الوعي التي تنبهر به، وبخطابه الجذاب المناسب للذين لم يتلقوا سوى المعارف البسيطة.
وهذا اللقاء الأول حكى البنا تفاصيله في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية): "لقد سمعنا ووعينا وتأثرنا، ونحن لا نعرف السبيل العملي للوصول إلى عزة الإسلام وخدمة ورفاهية المسلمين، لقد سئمنا حياة الذل والقيد هذه، وعار علينا أن نرى العرب والمسلمين بلا منزلة ولا كرامة إذ أنّهم ليسوا أكثر من أجراء وتابعين للأجانب، ونحن لا نملك شيئاً إلا دمنا وأرواحنا، وقليلاً من المال".
ماضي الجماعة ملوث بالقتل والخيانة والكراهية للشعب المصري، والسبب يكمن في المرشد الأول، المجرم (حسن البنا) الذي زرع في قلوب أعضاء "عصابته الدموية " معنى خطيراً، هو أنّ هذه العصابة وحدها تمثل الإسلام، ووحدها "جماعة المسلمين"، وبالتالي يحق لها تقويم السلوك، وقتل كل من ينحرف عن الطريق التي ترسمها الجماعة.
ويروي حسن البنا في كتابه تفاصيل قصة تشكيل جماعة الإخوان، فيقول: إنّ الرجال الـ (6) الذين التقاهم في الإسماعيلية أقسموا له على أن يكونوا جنوداً لرسالة الإسلام، واتفقوا على اسم هذه الجماعة "نحن إخوة في خدمة الإسلام، ومن ثم فنحن الإخوان المسلمون".
ولكنّ القصة التي رواها المرشد الأول لم تكن قصة صاغتها قلوب الرجال الـ (6)، ولا صاغتها أفكار "معلم الابتدائي،" بل كانت الفصل الأول في مسرحية سياسية، اشتركت في تأليفها أطراف حكومية وملكية وحزبية محلية ودولية، وهذا ما لفت الأنظار إليه الدكتور رفعت السعيد في كتابه المهم "حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين"، يقول: "إنّ (الأهرام) الجريدة التي أسسها الشوام في مصر كانت داعمة لجماعة الإخوان".
جماعة تحارب الشعب
انتقلت الحركة الإخوانية بقيادة حسن البنا من مدينة الإسماعيلية إلى القاهرة، حاملةً معها خطاباً جديداً تجاوز مرحلة الكلام الناعم عن مجد الإسلام وعزة المسلمين. انتقل البنا من الدعوة إلى مرحلة "خلق الكيان" المنظم، مستنداً إلى نظرية عمل ومنهج محدد، وشعار مميز.
اعتمد البنا في نظريته على مناهضة الوطنية المصرية، مستخدماً شعاراً براقاً هو "القرآن دستورنا، والرسول قائدنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وترجم هذا الشعار، في سياقه التاريخي، إلى رفض صريح لدستور 1923 "العلماني الكافر"، وإنكار زعامة مصطفى النحاس. كما حدد الجهاد والقتال لبناء "الخلافة الإسلامية" كأرقى الأهداف التي تسعى الحركة لتحقيقها.
مع تأسيس "النظام الخاص"، أو "الجناح المسلح" للجماعة، اتضحت مهمته الرئيسية: "قتل الخصوم" من الكفار والأعداء، بمن فيهم "أعداء الجماعة"، وتحت مسمّى "الجهاد في سبيل الله" تم تبرير القتل وسفك الدماء.
ويثبت العديد من الحوادث والمواقف التوجه المعادي للحركة الإخوانية للشعب المصري وأهدافه الوطنية؛ ومن أهمّ هذه الأدلة التنسيق مع الملك فاروق ضد حزب الوفد: تعاونت الحركة مع الملك فاروق في حربه ضد حزب الوفد الذي مثّل آنذاك ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، كما نظمت "الجوالة" التابعة للحركة العديد من المظاهرات التي هتف فيها شبابها بحياة الملك الصالح. وتُعتبر "الجوالة" نواة "كتائب أنصار الله" و"النظام الخاص" أو "التنظيم السري" المسلح للحركة، ورفع أعضاء الحركة شعارات تدل على شعورهم بالتفرد والعظمة والانفصال عن الهموم الوطنية، مثل: "الإسلام هو الحل" و"الجماعة خير أمة أخرجت للناس".
حاول حسن البنا خلق "صورة" تميز أعضاء الحركة عن غيرهم، فكان الواحد منهم يضع "الشال" على كتفيه، ويحمل نسخة من المصحف في جيب خاص، ويضع خاتماً في إصبعه، وهذا الانفصال الشعوري عن "الشعب المصري" ساعد حسن البنا على ممارسة سياسة "اللعب على الحبال" دون اكتراث لمصالح الشعب أو تطلعاته.
تاريخ دموي
لطالما شكّل الإرهاب ركيزة أساسية في فكر جماعة الإخوان المسلمين، نابعاً من شعور عميق بالعلو والتفوق على الآخرين، حتى لو كانوا يؤمنون بالله ورسله وكتبه. وقد أثمرت خطة "غسل الأدمغة" التي اتبعها حسن البنا مع الراغبين في الانضمام للجماعة، فتربى شباب "الجوالة" على وهم الدفاع عن الإسلام وجعْل كلمة الله هي العليا، بينما اعتدى شباب "كتائب أنصار الله" على كل من يخالف رغبات "فضيلة المرشد"؛ بهدف "تقويمه" وإعادته إلى "حظيرة الإيمان".
مع تأسيس "النظام الخاص"، أو "الجناح المسلح" للجماعة، اتضحت مهمته الرئيسية: "قتل الخصوم" من الكفار والأعداء، بمن فيهم "أعداء الجماعة"، وتحت مسمّى "الجهاد في سبيل الله"، تم تبرير القتل وسفك الدماء.
الأمر المثير للدهشة هو أنّ تأسيس هذه "التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية" تم دون أيّ سند قانوني، بل ومخالفة صريحة للقانون الذي أصدره رئيس الوزراء محمد محمود باشا في 8 آذار (مارس) 1938، والذي نص على تجريم هذه التنظيمات ومنع الجمعيات من تدريب أعضائها على الأعمال العسكرية أو شبه العسكرية.
غضّت "عين القصر والاحتلال" الطرف عن هذا "التنظيم الإرهابي" الذي قدم خدماته وتحالف مع كل أعداء الشعب المصري، بدءاً من إسماعيل صدقي، والسعديين، والقصر، وانتهاءً بالمخابرات البريطانية. فقد عمل التنظيم على مقاومة "حزب الوفد" وإلهاء الناس بقضايا "الكفر والإيمان" و"الحرام والحلال".
شهد عام 1948 فصلاً أسود في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، تمثل في انقلاب ضد إمام اليمن، وكان حسن البنا على تواصل مع قيادته، ممّا أزعج الملك فاروق. كما شهد العام ذاته حرب فلسطين التي شاركت فيها فرق المتطوعين من الجماعة، رغم رفض رئيس الوزراء النقراشي باشا. وتحولت حرب فلسطين إلى فرصة لتمدد الجماعة عسكرياً.
عندما ألقت السلطات المصرية القبض على مجموعة من الإخوان وهم يتدربون على السلاح في جبل المقطم بقيادة سيد فايز، برّر ذلك الإخوان بأنّهم يستعدون لحرب فلسطين. إلا أنّ الدوائر دارت على "المرشد الأول" بعد إصداره أوامره للتنظيم "السري" بقتل القاضي أحمد الخازندار، ثم اغتيال النقراشي باشا.
أصدر المستشار أحمد الخازندار حكماً بالسجن على شاب من الجماعة بعد استهدافه مجموعة من جنود الجيش البريطاني كانوا يشربون الخمر في أحد البارات. فقرر البنا الانتقام، وأمر رجاله في التنظيم السري "إمتى ربنا يريحنا من الراجل ده؟". وقد نفذ رجال التنظيم أوامر "فضيلة المرشد" في 22 آذار (مارس) 1948.
وفي وقت لاحق من العام نفسه ضبطت وزارة الداخلية "سيارة جيب"، وعثر فيها على متفجرات وأوراق سرّية تخص عشرات من أعضاء التنظيم السرّي المسلح التابع لجماعة الإخوان. كما قتل شباب من الجماعة حكمدار العاصمة سليم زكي بقنبلة في مظاهرة لهم في كليّة طب القصر العيني. كان الحكمدار يقود القوات التي تحاول فض المظاهرة التي كانت احتجاجاً من جانب طلبة "الإخوان" على قبول الحكومة المصرية شروط الهدنة مع عصابات الصهاينة في فلسطين.
تقول الدراسة: "وما جرى من "الإخوان" في ثورة كانون الثاني (يناير) معروف للجميع، ودورهم في التنسيق مع الأمريكان، بهدف "ركوب الثورة" وإجهاضها، معروف ومثبت، إنّهم جماعة دموية وعصابة مسلحة، تكره الشعب المصري وتكره كلّ من هو مخالف لعقائدها الفاشية الدموية، وفي 30 حزيران (يونيو) 2013 كتب الشعب المصري شهادة وفاة سياسية لهذه الجماعة الإرهابية الخائنة."