إجراءات جديدة لمواجهة الإخوان في فرنسا... ماذا يجري؟

إجراءات جديدة لمواجهة الإخوان في فرنسا... ماذا يجري؟

إجراءات جديدة لمواجهة الإخوان في فرنسا... ماذا يجري؟


24/06/2024

قطعت فرنسا على مدار العامين الماضيين شوطاً طويلاً بمواجهة تيارات التطرف، وفي القلب منها جماعة الإخوان، التي لطالما حظيت بالحرية والانتشار داخل المجتمع الفرنسي، ويبدو أنّ خطة المواجهة الفرنسية، التي بدأت إثر تحذيرات أمنية واستخباراتية من مخاطر انتشار التنظيم وعلاقته بالتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط، لعل أبرزها (داعش) و(القاعدة)، يبدو أنّها تسير نحو نمط أكثر صرامة وحسماً مع التنظيم الذي اعتمد على أوروبا كملاذ آمن خلال الأعوام الـ (10) الماضية. 

وقد أقرت باريس خلال الأسبوع الماضي حزمة إجراءات استهدفت قيادات إخوانية على رأس عدة مساجد، بحسب وصف تقارير، وشطبت السلطات عدداً كبيراً من أئمة المساجد وقننت أوضاعهم، ووضعت بعضهم تحت الإقامة الجبرية مثل (عبد الرحمن رضوان) إمام أحد المساجد الكبرى في جنوب غرب فرنسا، بسبب اتهامه بالتطرف. 

وقبل أسابيع وصف جيرالد دارمانين، وزير الداخلية الفرنسي، في مقابلة أجرها نهاية أيار (مايو) الماضي مع إحدى الصحف الفرنسية، وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنّها "منظمة شريرة"، وكما أوضح، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين لا تشن جهاداً عنيفاً بشكل مباشر، ولكنّها تنشر "أساليب أكثر لطفاً، لإدخال جميع شرائح المجتمع تدريجياً إلى المصفوفة الإسلامية". 

وفوّض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزارة الداخلية بإعداد تقرير حول التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون، في نيسان (أبريل) الماضي، وذكرت الوزارة في بيان أعلنت فيه هذه المهمة؛ "الانفصالية الإسلامية هي مشروع سياسي ديني نظري يهدف إلى بناء مجتمع مضاد، ويلعب الإخوان المسلمون دوراً رئيسياً في نشر مثل هذا النظام الفكري.

مخططات خطيرة

يعتزم دارمانين أن يكون التقرير بمثابة "جرس تنبيه" لأساليب جماعة الإخوان المسلمين، وقال دارمانين: "إنّهم يهاجمون جميع مجالات المجتمع ويشكلون شبكة: الرياضة والتعليم والطب والعدالة والمنظمات الطلابية والنقابية والمنظمات غير الحكومية والسياسة والجمعيات والثقافة".

يقول وزير الداخلية الفرنسي: "إنّهم يعطون تعليمات التصويت، ويدعمون الشركات المجتمعية، ويستخدمون الخطاب المناهض لفرنسا، ويطلقون الالتماسات، ويحيطون بالممثلين المنتخبين المحليين، ويوقعون شراكات اقتصادية مع العلامات التجارية الكبرى".

 

أقرت باريس حزمة إجراءات استهدفت قيادات إخوانية على رأس عدة مساجد، بحسب وصف تقارير، وشطبت السلطات عدداً كبيراً من أئمة المساجد وقننت أوضاعهم، ووضعت بعضهم تحت الإقامة الجبرية مثل (عبد الرحمن رضوان) إمام أحد المساجد الكبرى في جنوب غرب فرنسا، بسبب اتهامه بالتطرف. 

 

لكنّ الإنجاز الأكثر نجاحاً الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين كان إدخال كلمة جديدة إلى الغرب: الإسلاموفوبيا. 

ويضيف دارمانين: "هذه كلمتهم، وهي تغطي استراتيجيتهم الأساسية، وهي استراتيجية الإيذاء"، على سبيل المثال، عندما بدأ التلاميذ بالتوافد إلى المدارس في أيلول (سبتمبر) الماضي وهم يرتدون الزي الإسلامي، كان ذلك بمثابة تحدٍّ صارخ لقوانين العلمانية في فرنسا، لكن تم تحريفها من قبل البعض لجعل الأمر يبدو وكأنّ المسلمين يقعون ضحية.

ولاقت تصريحات دارمانين ترحيباً من المختصين في مجال جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرز هؤلاء فلورنس بيرجود بلاكلر، التي كانت تدرس الحركة منذ (3) عقود، ونتيجة لذلك تحتاج إلى حماية الشرطة، وفي كتابها الصادر عام 2023 عن جماعة الإخوان المسلمين، كتبت أنّ "هدفهم ليس تكييف الإسلام مع أوروبا، بل تكييف أوروبا مع الإسلام".

إضافة إلى ذلك، سلط تقرير صدر مؤخراً في فرنسا عن جهاز المخابرات في البلاد الضوء على كيفية قيام جماعة الإخوان المسلمين ببناء "شبكة واسعة من المحامين الملتزمين بالقضايا التي تهم التنظيم داخل البلاد."

فرنسا مركز ثقل للتنظيم

أشار المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أنّ جماعة الإخوان حرصت منذ قدومها إلى فرنسا على تكوين إمبراطورية مالية وفكرية كبيرة منذ عام 1978، لتعميق وجودها وتعزيز نفوذها، وقد ارتبط التنظيم بعلاقة مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا.

وأوضح المركز أنّ فرنسا تضم أكثر من (300) جمعية إسلامية، أغلبها مملوكة للإخوان، وتابع: "وتحاول هذه الجمعيات منذ بداية نشأتها التمدد داخل أوساط المسلمين الفرنسيين من أجل إنشاء نظام خلافة لهم في فرنسا.

وأجرت السلطات الفرنسية تحقيقاً واسع النطاق حول مصادر تمويل جماعة الإخوان في فرنسا على مدار الأشهر الـ (6) الماضية، وفق صحيفة (فيغارو) الفرنسية. 

وكانت الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسية قد تعرفت على حوالي (20) صندوق هبات خاص اعتبرت أنّها تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة. وقام وزير الداخلية جيرالد دارمانين بإطلاق التحقيق على نطاق واسع حول هذه الصناديق منذ خريف 2021، بعد صدور قانون مكافحة الانفصالية الذي ينص على احترام مبادئ الجمهورية.

كما كشفت التسريبات الخاصة بالتحقيق أنّ هذه الصناديق أنشئت عام 2008، وكانت تهدف إلى جمع تمويلات خاصة، ونظراً لأنّ صناديق الهبات لم تكن موضع رقابة دقيقة من السلطات قام الإسلام السياسي باستغلالها لتمويل أنشطته المختلفة بعيداً عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة. ورصد التحقيق حوالي (10) شبكات تسيطر عليها جماعة الإخوان، وتمتد من مدينة ليل في الشمال حتى مدينة مارسيليا في الجنوب، مروراً بالمنطقة الباريسية ومنطقة بوردو. وقد أدى التحقيق المعمق إلى رصد حوالي (20) صندوق هبات، وتمّ منع (8) منها.

ترسانة قانونية لمواجهة التنظيم

عززت فرنسا خلال عامي 2021 و2022 من جهودها في مجالي القوانين والتشريعات استكمالاً لقانون "تعزيز قيم الجمهورية". وكشفت الحكومة الفرنسية في 5 نيسان (أبريل) 2021، عن مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الإنترنت كـ (واتساب، وسيغنال، وتيليغرام) باستخدام الخوارزميات، وتوسيع استخدام أجهزة الاستخبارات الفرنسية للخوارزميات لتعقب الإرهابيين المحتملين، وفق المركز الأوروبي. 

 

سلط تقرير صدر مؤخراً في فرنسا عن جهاز المخابرات في البلاد الضوء على كيفية قيام جماعة الإخوان المسلمين ببناء "شبكة واسعة من المحامين الملتزمين بالقضايا التي تهم التنظيم داخل البلاد."

 

وقدمت وزارة الداخلية الفرنسية في 28 نيسان (أبريل) 2021 أمام مجلس الوزراء مشروع قانون جديد مؤلف من (19) بنداً حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ويستند على ترسانة من التدابير القائمة بالأساس.

أطلقت الحكومة الفرنسية منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) في 5 شباط (فبراير) 2022 ليكون بمثابة المحاور الرسمي بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين. وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أنّ منتدى الإسلام في فرنسا يهدف إلى بدء "مرحلة جديدة في الحوار بين السلطات العامة والعقيدة الإسلامية"، ليحل محل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) وتصحيح بعض عيوبه، على وجه التحديد من خلال توسيع أصحاب المصلحة المعنيين، بدلاً من وجود هيئة مركزية واحدة.

مواجهة أوروبية شاملة

منذ الإعلان عن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الموحدة لمكافحة الإرهاب والتطرف في 2021، إثر هجمات دامية استهدفت عدة مدن، وثبت تورط جماعات وأفراد ذوي صلة بالتنظيم، اتخذ العديد من الدول الأوروبية إجراءات أمنية حاسمة ضد التنظيم. 

وحظرت النمسا جماعة الإخوان المسلمين في عام 2021، لكن لم تحذُ أيّ دولة أوروبية أخرى حذوها، وقال دارمانين: إنّه لن يكون هناك حظر في فرنسا، لأنّ "هذا مستحيل بكل بساطة"، وذلك بسبب الطبيعة السرّية للإخوان المسلمين وافتقارهم إلى تسلسل هرمي محدد.

وبدلاً من ذلك، فإنّ المطلوب هو "الصحوة الأوروبية"، والتي قال دارمانين إنّه سعيد برؤيتها تحدث في ألمانيا والسويد، وكانت المخابرات الألمانية قد قالت مراراً إنّها تراقب نشاط الجالية الإسلامية في ألمانيا، وهي منظمة تشرف على شبكة من المساجد والجمعيات الثقافية.

إحدى الدول التي لم يذكرها دارمانين على أنّها في حالة تأهب للتهديد هي بريطانيا، حيث تزدهر جماعة الإخوان المسلمين في بلد معروف بدعمه للتنظيم منذ عشرينات القرن الماضي. 

وفي كتابه الصادر عام 2019 عن جماعة الإخوان المسلمين، "المشروع" ، أوضح ألكسندر ديل فالي (الذي تعاون مع MI5 خلال فترة عمله في المخابرات الفرنسية في التسعينيات وصُدم من لامبالاتهم) أوضح أنّ جماعة الإخوان المسلمين لها روابط قوية مع الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)، وهو ادعاء نفته الرابطة. 

وفي  آذار (مارس) الماضي وصف الكاتب والمحلل السياسي مايكل جوف الجماعة بأنّها مجموعة ذات "توجهات ومعتقدات إسلامية متطرفة"، وقال إنّ الحكومة تدرس تصنيف المنظمة على أنّها متطرفة. وقد ردّت (MAB) بالتهديد باتخاذ إجراءات قانونية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية