
ما بين نفي انعقاد الاجتماع من قبل أطراف عربية، أو الامتناع عن التعليق عليه من قبل إسرائيل وأمريكا، تداولت أوساط إعلامية معلومات نشرها موقع (إكسيوس) عن اجتماع نظمته القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) مؤخراً في البحرين، بمشاركة قائد الجيش الإسرائيلي (هرتسي هليفي) وكبار الجنرالات من عدة دول عربية (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر، الأردن).
وبعيداً عن مصداقية المعلومات حول انعقاد مثل هذا اللقاء، والترجيحات الواسعة بصحتها، استناداً إلى التطورات التي تشهدها الحرب بين إسرائيل وحماس، وازدياد الفجوات بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية، فاللقاء يأتي في ظل تزايد الفجوات بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية تجاه الحرب في غزة على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، فما زالت الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب تقوم على تخفيض مستوى العمليات القتالية الكبرى، ومطالبة إسرائيل بالانتقال إلى المرحلة الثالثة التي تركز على عمليات نوعية تستهدف قيادات ومراكز حركة حماس، وبالتزامن تطرح الإدارة الأمريكية ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، والتمهيد لحل الدولتين، وإعادة السلطة الفلسطينية لتحكم قطاع غزة، بالتزامن مع عمليات تستهدف إصلاح هذه السلطة، وإلى جانب كل ذلك تحاول واشنطن تطويق الحرب في غزة، والحيلولة دون توسعها إلى حرب إقليمية، في إطار تقدير موقف لدى الأمريكان بأنّ توسع الحرب يبدو أحد السيناريوهات التي تزداد مؤشراتها، وخاصة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، لا سيّما بعد ازدياد مستوى التصعيد في العمليات القتالية بين إسرائيل وحزب الله وانتقالها إلى مستويات خرقت قواعد الاشتباك، فيما تزداد اندفاعات المستوى السياسي الإسرائيلي لشن حرب شاملة على حزب الله.
للوهلة الأولى يبدو اللقاء بين جنرالات بإشراف أمريكي في البحرين، وبمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حيث القيادة المركزية الأمريكية، يبدو أنّه رسالة إلى إيران، وربما يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، لا سيّما بعد "التنسيق" بين جيوش عربية في المنطقة لمواجهة المسيّرات والصواريخ الإيرانية على إسرائيل في أوائل نيسان (أبريل) الماضي، ردّاً على مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في السفارة الإيرانية بدمشق، يضاف إلى ذلك تسريبات حول ربط هذا الاجتماع مع مقاربات تشكيل ناتو عربي بمشاركة إسرائيل، وهي الأفكار التي كانت مطروحة قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، لكنّ عدم صدور قرارات تتضمن إجراءات تنفيذية أو خططاً عسكرية عن الاجتماع تشير إلى أنّ مرجعيته الأولى ليست إيران، وأنّ الإعلان عن مشاركة جنرالات من الجيش السعودي غير بعيدة عن استراتيجيات أمريكية مرتبطة بمكافاة التطبيع بين السعودية وإسرائيل في إطار مطالبتها إسرائيل بوقف حرب غزة وفقاً للصفقة التي طرحها الرئيس بايدن.
ويبدو أنّ تسريبات أخرى حول أهداف الاجتماع تحظى بمصداقية كبرى، تشير إلى أنّ الاجتماع انعقد بوصفه محطة من محطات الاستراتيجية الأمريكية تجاه حرب غزة، وتحديداً فيما يُعرف باليوم التالي للحرب في غزة، ووفقاً لتوافق غير معلن من قبل جميع الأطراف المشاركة في الاجتماع، على أنّ حركة حماس لن تعود إلى حكم غزة، على الأقل ليس بالصيغة التي قائمة قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فهذه التسريبات تشير إلى أنّ الاجتماع كان بهدف بحث إمكانية مشاركة الدول العربية في القوة التي ستتولى حفظ الأمن في القطاع، وأنّ الدول العربية المشارِكة ربطت مشاركتها بشرطين: وجود إطار أممي، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من داخل غزة، وهو ما يتوقع أن تتضمنه خطة أمريكية بإرسال قوات أممية إلى غزة لإدارة القطاع بشكل مؤقت، تمهيداً لتشكيل سلطة فلسطينية موحدة تدير قطاع غزة مع الضفة الغربية.
ولعل ما يؤيد فرضية أنّ الاجتماع كان لمناقشة ما بعد الحرب في غزة، أنّ الإدارة الأمريكية، منذ انسحاب بيني غانتس وآيزنكوت من مجلس الحرب الإسرائيلي الذي تم تشكيله بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بدأت بفتح خطوط اتصال أوثق وأعمق مع المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل، بعد ازدياد الفجوات مع نتنياهو ووزاء حكومته من المتطرفين، فهذا الاجتماع على الأرجح غير معزول عن تزامنه مع الهدنة التكتيكية التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي في طريق المساعدات الإغاثية من معبر كرم أبو سالم إلى وسط قطاع غزة، ومنها إلى مناطق شمال غزة التي تعاني مجاعة شبه مؤكدة وفقاً لبيانات الصحة العالمية، لا سيّما أنّ خطوة الجيش الأمريكي بسحب الميناء العائم في غزة، لأسباب مرتبطة بالطقس، غير بعيدة عن تنسيق بين الجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي وبصورة مباشرة، هذا التنسيق الذي يبدو أنّه يمتد أيضاً إلى جبهة الشمال لاحتواء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، ومن المرجح أن تشهد الأسابيع القادمة مزيداً من محطات هذا التنسيق المباشر بين واشنطن والجيش الإسرائيلي وخصوم نتنياهو، لتضييق الخناق عليه، مع ازدياد وتوسع المظاهرات التي تنفذها المعارضة الإسرائيلية التي تطالب بتنفيذ الصفقة التي عرضها الرئيس بايدن، بما فيها الوقف "المؤقت" لإطلاق النار، وزيادة أعداد شاحنات الإغاثة لقطاع غزة، مقابل الإفراج عن الرهائن، وهو ما تعترض عليه حماس التي تطالب بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.