آلاف النازحين يرفضون الانصياع لأوامر الجيش الإسرائيلي بالخروج من رفح

آلاف النازحين يرفضون الانصياع لأوامر الجيش الإسرائيلي بالخروج من رفح

آلاف النازحين يرفضون الانصياع لأوامر الجيش الإسرائيلي بالخروج من رفح


كاتب ومترجم فلسطيني‎
21/05/2024

في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي التوغل البري في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، يرفض آلاف النازحين الخروج من المدينة بسبب ضيق المساحة الآمنة التي حددها الجيش للمدنيين، بالإضافة إلى انعدام توفر الخدمات الإنسانية في تلك المنطقة، وأبرزها المياه التي باتت مفقودة بشكل كبير، عدا عن ضيق المساحة الجغرافية التي لا تتسع لأكثر من مليون نازح.

ويعاني أكثر من مليون نازح من مدينة رفح صعوبات كبيرة خلال رحلة البحث عن أماكن جديدة آمنة، وذلك بعد طلب الجيش الإسرائيلي من المواطنين في مخيمات النزوح في مدينة رفح الخروج إيذاناً ببدء عملية اجتياح بري للمدينة المكتظة بأكثر من مليون ونصف المليون نازح، حيث يعيق شح المياه وعدم وجود مساحات واسعة محاولات النازحين إعادة التموضع ونصب خيامهم من جديد، وهذا ما دفع غالبية كبيرة من النازحين للتراجع عن فكرة التوجه إلى مناطق وسط قطاع غزة، تفادياً لوقوعهم في أزمات إنسانية صعبة لا يمكن التعايش معها. 

الـ (أونروا): إنّ شوارع مدينة رفح باتت شبه فارغة مع استمرار العائلات في الفرار بحثاً عن الأمان

وقد ألقت الطائرات الإسرائيلية قبل أسابيع قليلة منشورات على كافة مناطق مدينة رفح، طالبت من خلالها كافة المواطنين من سكان المدينة والنازحين بداخلها بسرعة الخروج إلى المنطقة الإنسانية الآمنة في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة ومدينة الزوايدة وسط القطاع، لكن من رحلوا إلى تلك المناطق تعرضوا لأزمات صعبة، تتمثل في ضيق المساحات الجغرافية وعدم توفر أماكن لنصب النازحين خيامهم، إلى جانب بحث النازحين عن مصادر ضخ المياه التي باتت مفقودة، يضاف إلى ذلك أنّ تكلفة تنقل المواطنين بالمركبات باهظة جداً، وهذا يعيق المواطنين من سهولة التنقل في ظل غياب مصادر الدخل، ونتيجة ذلك يرفض آلاف النازحين الانصياع لأوامر الجيش بالخروج من المدينة، بسبب ما سيتعرضون له من أزمات خانقة في حال خروجهم إلى المنطقة التي حددها الجيش، والتي تفتقد لأدنى مقومات الحياة، فرغم التوغل البري لأطراف المدينة، إلا أنّ سكان بعض المناطق خاصة في المنطقة الغربية من رفح، وبالتحديد في حي تل السلطان، يرفضون الخروج أسوة بغيرهم، وهذا هو حال المواطن باسل أبو عمر الذي يرفض الخروج ونقل خيمته إلى منطقة خان يونس والمناطق الأخرى البعيدة عن مدينة رفح، ويبرر رفضه خلال حديثه لـ (حفريات) بعدم توفر مقومات الحياة في المناطق التي يريد الجيش دفع النازحين نحوها، عدا عن الاكتظاظ الكبير في أعداد النازحين. 

خروج متدرج

وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ (أونروا): إنّ شوارع مدينة رفح باتت شبه فارغة مع استمرار العائلات في الفرار بحثاً عن الأمان، وإنّ ما يقرب من (450) ألف مواطن فروا خلال الأيام القليلة الماضية من مدينة رفح نحو مخيمات وسط قطاع غزة، بعد طلب الجيش الإسرائيلي المواطنين بإجلاء المدينة فوراً، في حين أنّ النازحين يواجهون مجاعة محتملة وتفشي العديد من الأمراض، في ظل منع الاحتلال تدفق المساعدات إلى القطاع بعد احتلال معبر رفح البري، وعدم توفر مراكز رعاية صحية تقدم الخدمات للنازحين الذين يكتظون في مساحات جغرافية ضيقة جداً مقارنة بأعداد النازحين، وأعربت الـ (أونروا) عن خشيتها من رفض أعداد كبيرة من النازحين الخروج من المدينة، لعدم توفر أماكن يمكن من خلالها التوجه إليها نتيجة التكدس الكبير، خاصة مع بدء الجيش العملية البرية في أحياء واسعة من مدينة رفح.

ألقت الطائرات الإسرائيلية قبل أسابيع قليلة منشورات على كافة مناطق مدينة رفح طالبت من خلالها كافة المواطنين من سكان المدينة والنازحين بداخلها بسرعة الخروج إلى المنطقة الإنسانية الآمنة

من جهتها، طالبت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني في بيان لها المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ قرارات سريعة وصارمة لوقف المذبحة الجماعية والجرائم الإنسانية والانتهاكات بحق السكان المدنيين في رفح جنوب غزة، خاصة في ظل ملاحقة المدنيين ودعوتهم للخروج من المدينة، في المقابل إغلاق جميع المعابر مع قطاع غزة ممّا يعرقل دخول المساعدات الإنسانية، وهذا يهدد بتكرار سياسة تجويع وهلاك المدنيين كما فعل الاحتلال في شمال غزة، وينذر ذلك أيضاً بحمام دم وكارثة إنسانية، مؤكدةً أنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية حولت المدنيين وممتلكاتهم لأهداف عسكرية مشروعة، وتحمّل الهيئة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن حياة النازحين، وتحذّر أيضاً العالم أجمع من تقبل مبررات إسرائيل والولايات المتحدة تخدير المجتمع والرأي العام بكون العملية في رفح ستكون محدودة، ومن ثم ارتكاب المزيد من مجازر الإبادة بحق المدنيين.

يرفضون النزوح

في منطقة حي تل السلطان غرب مدينة رفح، حيث معقل مئات الآلاف من النازحين الذين أقاموا خيامهم على مقربة من الحدود المصرية، ما زال الآلاف من النازحين يمكثون في الحي والمساحات المحيطة به، ويرفضون الخروج إلى المنطقة الإنسانية ولو كلفهم ذلك حياتهم، نتيجة ما يسمعونه من معاناة يواجهها من هاجروا إلى تلك المناطق.

يقول النازح وليد سمور في حديثه لـ (حفريات): منذ بدء الحرب على غزة مطلع تشرين الأول  (أكتوبر) الماضي، وأنا أتنقل من منطقة إلى أخرى حسب تعليمات الجيش الإسرائيلي، وآخر محطة تهجير قسري كانت رفح بالنسبة إليّ، ولن أخرج من المدينة مهما كلفني الأمر، لأنّ رحلة النزوح ليست بالهينة، كما أنّ الذهاب إلى المنطقة التي حددها الجيش بمثابة كارثة حقيقية، نظراً لأنّ المنطقة غير إنسانية وليست آمنة كما يدّعي الجيش.

الاحتلال الإسرائيلي يدفع النازحين للخروج إلى مناطق تزيد من معاناتهم بشكل أكبر

وأضاف أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يدفع النازحين للخروج إلى مناطق تزيد من معاناتهم بشكل أكبر، والدليل على ذلك أنّه منذ بدء العملية على رفح قبل أسبوعين، فإنّ المناطق الإنسانية تُحرم من وصول المساعدات إليها، بسبب استمرار إغلاق المعابر وبالتحديد معبر رفح البري، بعد سيطرة الجيش عليه ومنع الجانب المصري التنسيق مع إسرائيل لإدخال المساعدات".

ولفت إلى أنّ "الكثير من المواطنين الباقين في مدينة رفح يصرون على البقاء، حتى لو وصل الجيش إليهم، فالموت بالنسبة إليهم أفضل من الإهانة المتكررة التي يتعرضون لها، بدءاً من رحلة النزوح من غزة ومن ثم إلى وسط القطاع، وآخرها مدينة رفح التي لطالما روّج الجيش على أنّها منطقة آمنة".

تلاعب بالنازحين

بدوره أكد الباحث في الشأن الإسرائيلي جهاد ملكة أنّ "النازحين باتوا منهكين لدرجة لا يمكن وصفها مع دخول الحرب شهرها الثامن على التوالي، وهي مدة زمنية صعبة على من يعيشون في خيام بدائية، كما أنّ الاحتلال يحاول الضغط على المقاومة من خلال فرض مزيد من الضغوط على المدنيين، وذلك بدعوتهم للنزوح المتكرر، عدا عن ارتكاب جرائم الإبادة بحقهم بشكل متعمد، وهذا ما شاهدناه من الاستهداف المتعمد لخيام النازحين ومدارس الإيواء في المناطق المصنفة بالإنسانية".

وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "المواطنين بالرغم من محاولات التضييق المستمر عليهم، فهم أكثر وعياً بمحاولات الاحتلال دفعهم نحو التحريض على المقاومة، وهذا ما بات واضحاً من عدم تعاطي المواطنين مع المنشورات والمكالمات الهاتفية التي يوجهها الاحتلال للنازحين، ويدعوهم من خلالها للإبلاغ عن عناصر المقاومة وأماكن وجود الأسرى".

الباحث في الشأن الإسرائيلي جهاد ملكة:إن النازحين باتوا منهكين لدرجة لا يمكن وصفها مع دخول الحرب شهرها الثامن على التوالي، وهي مدة زمنية صعبة على من يعيشون في خيام بدائية

ولفت إلى أنّ "إسرائيل تحاول التسويق إعلامياً للرأي العام العالمي بوضع خطط آمنة لنقل المدنيين قبل دخول أيّ مدينة وبالتحديد مدينة رفح، وإطلاق مسميات وهمية على المناطق التي هي بالأساس معدومة من الخدمات الإنسانية، وهذا ما وجده النازحون إلى المنطقة الإنسانية التي حددها الجيش من عدم وجود أدنى مقومات الحياة داخلها، وروّج للعالم أنّها آمنة وتتوفر فيها كافة الخدمات الإنسانية". 

يُذكر أنّ النازحين قد عبّروا عن تفاؤلهم خلال الأيام الماضية في توصل حركة حماس مع إسرائيل إلى هدنة إنسانية برعاية الوسطاء، وقد زاد هذا الأمل والتفاؤل مع موافقة حركة حماس على ورقة التفاوض، لكن سرعان ما ردّ الجانب الإسرائيلي برفض شروط الهدنة، والتلكؤ في إبرام الهدنة ودخول مدينة رفح، وهذا أدّى إلى حالة من الإحباط واليأس في نفوس النازحين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية