5 محطات في حياة عبد الصبور: هل مات بسبب نقد بهجت عثمان؟

5 محطات في حياة عبد الصبور: هل مات بسبب نقد بهجت عثمان؟


15/08/2018

"الناس في بلادي جارحون كالصقور

غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر

وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب"

♦ من ديوان الناس في بلادي – صلاح عبدالصبور.

حلّت في الثالث عشر من أغسطس (آب) الجاري، ذكرى رحيل الشاعر المصري صلاح عبدالصبور، الذي اختير، إلى جانب الإسباني لوركا والعديد من الشعراء حول العالم، كأحد أهم شعراء القرن العشرين، طبقاً لقائمة أعدتها جامعة اكسفورد عام 2010.

ارتحل صلاح عبدالصبور وهو في مستهل الخمسين بعد سجال ساخن بمنزل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي

ارتحل عبدالصبور إلى الرفيق الأعلى، وهو في مستهل الخمسين من عمره، بشكل مفاجىء، بعد سجال في منزل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أثناء احتفاله بعيد ميلاد ابنته، حيث وجّه رسام الكاريتر بهجت عثمان لعبد الصبور بما يوحي بالخيانة.

رحل الشاعر بعد قصيرة ومؤلمة حافلة بالعديد من الملاحم الفكرية والشعرية، وأثار الجدل بموهبته الفذة، إلّا أنّ معترك السياسة لم يدعه يحيا في أمان، كما كان يتطلع، فقد عاش حزيناً يعاني من الاكتئاب، وهو ما جعل الناقد إبراهيم فتحي حين كتب مقالاً نقدياً عن الراحل يختار عنوان "المبتسم نثراً، المكتئب شعراً".

له العديد من الدواوين الشعرية

في حياة عبد الصبور منعطفات كثيرة، ترصد "حفريات" خمسة منها في ذكرى رحيل صاحب ديوان "أحلام الفارس القديم":

أولاً: أولاً: بعد دراسته اللغة العربية في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، تتلمذ الشاعر على يد الشيخ الأستاذ أمين الخولي الذي طالما أعجب بموهبته وكتاباته الشعرية التي بدأ بخطها منذ التحاقه بالمدرسة الثانوية، وعلى إثر ذلك ضمّه الخولي إلى جماعة الأمناء، كأحد أهم أعضائها، ثمّ إلى الجمعية الأدبية التي حملت مهام الجماعة الأولى، ولكلا الحركتين أثر مهم على حركة الإبداع والشعر والنقد في مصر في تلك الحقبة، حيث اعتبرت بمثابة تجديد لحركة الإبداع العربي ككل، وانضم عبدالصبور إلى تلك الجماعة الرفيعة التي امتاز أعضاؤها القلائل بالثقافة العالية، وكان إلى جانيه عبدالغفار مكاوي، وعز الدين اسماعيل، وفاروق خورشيد وخيرة مثقفي مصر في تلك الحقبة.

اقرأ أيضاً: في ذكرى محمود درويش يستيقظ الحب: 10 محطات للحنين

ثانياً: نشر صلاح عبدالصبور أول دواوينه الشعرية عام 1957 بعنوان "الناسُ في بلادي"، وقد أثار جدلاً كبيراً وهزة في الأوساط الثقافية المصرية، باعتباره أول صورة حقيقة لمفهوم الشعر الحديث أو الشعر الحُر أو شعر التفعيلة، نظراً لاستخدام عبدالصبور معاني الحياة اليومية المصرية البسيطة في صورة أدبية بلغية مزجت بين السخرية والكراهية لأمراض المجتمع، والمأساة وامتزاج الحس السياسي والفلسفي بموقف انتقادي واضح.

صورة تجمع عبد الصبور وعائلته

ثالثاً: كتب صلاح عبدالصبور أولى قصائده السياسية عام 1954، بعنوان "عودة ذي الوجه الكئيب  إلى الاستعمار وأعوان الاستعمار". انتشرت هذه القصيدة لما فيها من إسقاطات على الفوضى السياسية التي عمّت البلاد آنذاك، حيث تم إعفاء الرئيس محمد نجيب من مهامه الرئاسية لمصر بشكل كامل، وتولى جمال عبدالناصر السلطة في البلاد دونما انتخابات.

اقرأ أيضاً: حلمي سالم إذ يطل على الفقيه من شرفة ليلى مراد

وفي تلك الفترة جرت الأحداث الدامية بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام عبدالناصر، على أثر أحداث واقعة المنشية التي حاول فيها أحد أعضاء التنظيم اغتيال الرئيس، تبعتها فترة الاعتقالات العشوائية، والقبض على مرشد الجماعة وحكم الإعدام الذي صدر على الفور بحق سبعة من أعضاء الجماعة. وتلا ذلك الهروب الممنهج الذي مارسه الإسلامويون من مصر إلى المملكة العربية السعودية التي احتضنتهم تلك الفترة.

اقرأ أيضاً: رحيل أحمد مطلوب... العلامة والشاعر والعاشق

ومع الضجة التي أثارتها هذه القصيدة إلّا أنّها اختفت لاحقاً، ولم تحظَ بأي اهتمام من جانب اليسار الذي كان يعيش فترة حب مؤقت مع الناصرية، إلّا أنّ هذه القصيدة اعتبرت صرخة في وجه النظام، الذي صرّح عبدالصبورعن بغضه له، وتم تهميشه من جانب العديد من المثقفين، وكذلك خفت نجمه بالنسبة لشعراء عصره، من أمثال فؤاد حداد وصلاح جاهين.

الحلاج: ما الفقر؟

ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل والعُرى إلى الكِسوة

الفقر هو القهر

الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح

الفقر هو استخدام الفقر لقتل الحب وزرع البغضاء

الفقر يقول لأهل الثروة، أِكْره جميع الفقراء، فهم يتمنون زوال النعمة عنك

ويقول لأهل الفقر، إن جُعتَ فكُل لحمُ أخِيكْ.

♦ من مسرحية مأساة الحلاج.

الأعمال الكاملة لصلاح عبد الصبور

رابعاً: على الرغم من ثقافته الرفيعة، وسخطه على النظام السياسي، رفض صلاح عبدالصبور الإنتماء لأي حزب أو تيار سياسي معارض، وظل مخلصاً لقضيته الإبداعية والفنيّة بشكل كبير، ولم ينتمِ لأية جماعة في حياته سوى الجمعية الأدبية، التي كان أحد أعضائها الأوائل وظلت الجمعية تعقد جلساتها بانتظام اسبوعي لم ينقطع، لمناقشة قضايا الفكر والإبداع العربي، ولكن أحداث 1956 التي غيرت التوجهات الفكرية لصلاح عبدالصبور، فاتجه للكتابة الصحفية بعد أن أصبح شاعراً وكاتباً يشار إليه بالبنان، فأصبح أبرز كتاب مجلة "روزاليوسف"، وكذلك اختاره أحمد بهاء الدين للكتابة في مجلة صباح الخير الوليدة وقتها، واستطاع عبدالصبور في تلك الفترة الاستفاضة في كتابة المقالات، وكذلك النقد، وتوسع في مجال الترجمة بشكل كبير حتى عُيّن مستشاراً في المجلس القومي للترجمة، بعد ترجمته العديد من المسرحيات العالمية.

كتب صلاح عبدالصبور أولى قصائده السياسية عام 1954، بعنوان "عودة ذي الوجه الكئيب  إلى الاستعمار وأعوان الاستعمار"

خامساً: اعتبرت المسرحيات الشعرية لصلاح عبدالصبور (مسافر ليل، ليلى والمجنون، بعد أن يموت الملك، مأساة الحلاج) درّة أعماله الفكرية، والتعبير الواضح عن رؤيته للحياة وفلسفته الكونية التي تجرد فيها من ذاتيه الشاعر، إلى كونية الفنان، فعبر بذلك كونه شاعراً معاصراً، وخرج من ضمنية التصنيف إلى أفق أبعد ومساحات أكثر اتساعاً، ولعل محاولاته الواضحة في الفصل بين الشعر والسياسة آتت بثمارها، فخلا شعره من الربط بالمديح أو الذم إلى كونه معبراً عن حالة إنسانية متجردة، وكانت مقالاته التي ظهرت بعد 1956 تحمل دلالات غير واضحة حول رضائه عن النظام الناصري، حتى جاء نظام السادات الذي أطلق الرصاصة على الناصرية ومن اتبعها، فتمّ تعيين صلاح عبدالصبور عام 1981 رئيساً لأكبر مؤسسة ثقافية في مصر"الهيئة العامة المصرية للكتاب"، والذي قررت فيه الدولة استضافة اسرائيل لبدأها عملية التطبيع، وخرجت المظاهرات العارمة تندد بهذا الأمر الذي تم اتهام عبدالصبور بالرضا عنه وهو مالم يكن صحيحاً، حتى جاءته الرصاصة الأخيرة ذات أمسية مع أصدقائه من بهجت عثمان، حيث سأله "بعت بكام يا صلاح"، ولم يتحمل قلبه ذاك الاتهام بالخيانة، فمات على إثر نوبة قلبية في تلك الليلة، مسدلاً الستار على واحد من ألمع أعمدة الفكر والإبداع المصري.


تنويه واعتذار:

ورد خطأ في نسبة الكلام الذي أدى لوفاة الشاعر صلاح عبد الصبور، إلى الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، بينما الحقيقة أنّ من وجه النقد لعبد الصبور هو رسام الكاريكاتير بهجت عثمان، وأنّ حجازي كان من أقرب أصدقاء الشاعر الراحل. لذا وجب التنويه والاعتذار، وإعادة تصويب التقرير.

هيئة تحرير "حفريات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية