كيف عوّضت السعودية الخلل الذي أحدثته قطر في "مجلس التعاون"؟

الخليج العربي

كيف عوّضت السعودية الخلل الذي أحدثته قطر في "مجلس التعاون"؟


19/07/2018

قرّر مجلس الوزراء السعودي، أول من أمس، الموافقة على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي-الكويتي. وفوّض المجلس الذي عقد جلسة أول من أمس، برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وزير الخارجية عادل الجبير، الذي سيترأس الجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي-الكويتي بالتوقيع على صيغة محضر إنشائه. وقد زار الجبير الكويت واستقبله أميرها، الشيخ صباح الأحمد، من أجل التوقيع على صيغة محضر إنشاء المجلس بين البلدين.
ويبقى التساؤل مفتوحاً عن دلالات هذه الخطوة وأبعادها، وعلاقة ذلك بكيان "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" ومستقبله، وعلاقة ذلك بـ"أزمة قطر" وتداعياتها على المنطقتين الخليجية والعربية.

لا يضمن المجلس - في ظل المكابرة القَطرية - تحقيق أي تقدم

ماذا عن تأثير "أزمة قطر"؟

وقد عملت السعودية خلال الفترة الماضية على إنشاء مجالس للتنسيق السياسي والاقتصادي مع عدد من الدول، في مقدمتها الإمارات ومصر والعراق، وأخيراً الكويت؛ لتسهيل التنسيق والتعاون المشترك. ويظل السجال دائراً حول مدى تأثير هذه المجالس على منظمة "مجلس التعاون"، حيث تذهب الدعاية القطرية والإخوانية إلى أنّها تؤثر سلباً في أعمال المنظمة الخليجية؛ فيما تقول الرياض وحلفاؤها إنّ مجالس التنسيق تدعم بشكل فعّال ومبتكر العمل الجماعي الخليجي، والعمل العربي المشترك.
والحقيقة أنّ الأزمة القطرية تركت تأثيراً في أعمال "مجلس التعاون" والتئام لجانه ومؤسساته بشكلها المعتاد، وقد حرصت السعودية والإمارات والكويت، في شكل أساسي، على تخطي الآثار السلبية لذلك، عبر استمرار العمل الخليجي المشترك، واشتقاق آليات جديدة للعمل الخليجي؛ يدل على ذلك خطوات مهمة تمّ إنجازها، منها:

عملت السعودية خلال الفترة الماضية على إنشاء مجالس للتنسيق السياسي والاقتصادي مع عدد من الدول

1. إعلان السعودية والإمارات والكويت أواخر الشهر الماضي عن برنامج لتعزيز استقرار الأوضاع المالية بمملكة البحرين، التي تعاني أزمة تمويلية. فقد نقلت وكالة الأنباء البحرينية "بنا" على لسان أحمد بن محمد آل خليفة، وزير المالية البحريني، قوله: إنّ "مملكة البحرين، مع الأشقاء في السعودية والإمارات والكويت، ستعلن عن برنامج لتعزيز استقرار الأوضاع المالية بالمملكة." وبالفعل، فقد شارفت السعودية والإمارات والكويت على الانتهاء من تنفيذ برنامج لإقامة مشروعات تنموية في مملكة البحرين، تم إطلاقها عام 2011، بأجل 10 سنوات، وبقيمة 7.5 مليار دولار بالتساوي بين الدول الثلاث، وفقاً لبيانات وزارة المالية البحرينية. وذكر تقرير لشبكة "سي إن إن"(27/6/2018) أنّ هذه الخطوة تأتي من جانب الدول الخليجية الثلاث لإقالة مملكة البحرين من عثرتها؛ إذ تعاني تراجعاً في ثقة المستثمرين، الذي أظهره ارتفاع العائد على السندات التقليدية في البحرين والمستحقّة عام 2022 إلى مستوى قياسي بلغ 8.65 في المائة بزيادة 150 نقطة عن العائد على الصكوك المستحقة على المملكة في شباط (فبراير) 2024 والبالغ 7.13 في المائة، وفقاً لأرقام البنك المركزي البحريني.

اقرأ أيضاً: لماذا شيطن الإعلام المقرب من قطر "حراك" الأردن؟
2. أن التوافق السعودي- الإماراتي-الكويتي-البحريني حيال ما يجري في اليمن وسوريا والعراق بلغ ذروته منذ اندلاع "أزمة قطر" في حزيران (يونيو) 2017، واتضح مع الوقت أنّ مجالس التنسيق معنية بتطوير العقيدة الدفاعية الشاملة (اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وأمنياً)، بما يتوافق ومتغيرات اللحظة التي باتت تختلف كثيراً عن مرحلة نشوء "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" (1981)، وذلك بهدف تمتين الموقف العربي في مواجهة إيران وسياساتها المعادية لدول المنطقة، إلى جانب توحيد الجهود في مواجهة التطرف والإرهاب. وقد تبيّن أن مجالس التنسيق التي تنسجها الرياض تمكنت من تجاوز التأثير السلبي للدوحة على عمل "مجلس التعاون"، حيث لا يضمن المجلس بصيغته الحالية (في ظل المكابرة القَطرية واستمرار الدوحة بدعم أطراف معادية لأمن دول الخليج، والتحالف مع الخصوم الإقليميين لهذه الدول) تحقيق أي تقدم في مواجهة التهديدات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ومن هنا كان لزاماً على الرياض وأبوظبي والكويت والمنامة-التي تطمح إلى الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدماً من السلم الاجتماعي والرفاه الاقتصادي- أن تحمي مصالحها ومكتسباتها الوطنية وأمنها القومي وفق ما تراه مناسباً، وبما يدعم، في الحقيقة، مسيرة العمل الخليجي.

استطاعت الرياض وأبوظبي والكويت تحقيق إنجاز مهم بإطفاء الأزمة الاقتصادية التي شهدها الأردن وما رافقها من احتجاجات

3. استطاعت الرياض وأبوظبي والكويت تحقيق إنجاز مهم في إطفاء الأزمة الاقتصادية التي شهدها الأردن قبل أسابيع، وما رافقها من احتجاجات شعبية واسعة، وكانت حزمة المساعدات والاستثمارات التي تعهدت بها العواصم الخليجية الثلاث دليلاً قوياً على استمرارية فاعلية التنسيق الخليجي بصيغته الجديدة التي تتجاوز التعطيل المتمثل في سياسات قطر؛ التي فضلّت الاقتراب من إيران وتركيا على حساب مصالح جيرانها العرب. هذا الإنجاز لا يلغي بالطبع أنّ هذه الصيغة الجديدة "من داخل مجلس التعاون وليس بديلاً عنه" إنما تنطوي على تحديات لاختبار جدية مقولة إنّ "مجالس التنسيق التي عملت عليها السعودية مع عدد من الدول الخليجية والعربية والعالمية، تعتبر أنموذجاً يُحتذى به على صعيد التنسيق المشترك، وتنمية العلاقات التجارية، وفتح آفاق أوسع أمام النمو الاقتصادي"، كما قالت صحيفة "الشرق الأوسط" أمس.
التعويض عن الخلل الذي أحدثته قطر في "مجلس التعاون"
وقد افتتحت السعودية والإمارات جهود زيادة وتيرة التنسيق فيما بينهما وصولاً إلى "إستراتيجية العزم" المشتركة بين البلدين. وفي كانون الأول (ديسمبر) نقلت "دويتشه فيله" الألمانية في تقرير لها عن أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي العام، الكويتي فايز النشوان، قوله إنّ "التقارب الإماراتي-السعودي لا يهدّد مجلس التعاون، بل إنّ أيّ إمكانية لتوجه الدولتين نحو إنشاء اتحاد بينهما ستدعم مشروعاً قديماً، كان قد وُضع في أجندات مجلس التعاون ولم يُكتب له النجاح، يقضي بتحوّل التعاون إلى اتحاد". وشدد النشوان على أنّ ميثاق مجلس التعاون يدعو إلى التكامل بين أعضائه عبر تقوية التعاون بينهم في المجالات كافة، ومن ذلك الشراكات الثنائية كما يحدث حالياً بين الإمارات والسعودية.

اقرأ أيضاً: قناة "الجزيرة" القطرية: هل يصلح الخطاب الثابت في الأزمنة المتغيرة؟
وكان باتريك وينتور، محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "الغارديان" البريطانية، قال في تحليل نشرته الصحيفة (بتاريخ 5/12/2017) إن التحالف الإماراتي-السعودي الجديد من الممكن أن يعيد تشكيل العلاقات بين دول الخليج، ووصف وينتور الخطوة الجديدة بأنها بمنزلة "التعويض عن الخلل الذي حدث بمجلس التعاون الخليجي".

وأشار وينتور إلى أنّ "كلا الدولتين تملكان قوة عسكرية لا يجب الاستهانة بها". ويوماً بعد يوم، تعمل السعودية والإمارات على الاستفادة من هذه القوة وهي تتخذ نهجاً أكثر حزماً تجاه التهديدات ضمن وضع لم يعد يفد فيه الاكتفاء ببيانات التنديد، ويحتاج إلى مواجهة تتولى زمامها قوى من داخل المنطقة.
أهمية إضافية للتنسيق بين الكويت والرياض
وفي تعليقه على خطوة تشكيل مجلس تنسيق بين الكويت والسعودية، لفت الأكاديمي والمحلل الكويتي، عايد المنّاع، في مداخلة تلفزيونية (17/7/2018) إلى أنّ هذه الخطوة تكتسب أهمية إضافية في ظل التوتر الذي تشهده الساحة العراقية (وعلى الحدود مع الكويت)، والتي قد تُستغل من جانب أطراف إقليمية معادية لأمن المنطقة الخليجية. وأكد المنّاع أنّ تشكيل مجلس تنسيق بين الرياض والكويت سيكون له مردود إيجابي نحو مزيد من تدعيم التعاون بين البلدين في المجالات التنموية، وفي مجال انسيابية حركة المواطنين برياً (ما يزيد على المائتي كيلومتر) وبحرياً (الجرف القاري الكويتي-السعودي-الإيراني).

الصفحة الرئيسية