عام على تحرير الموصل.. ضحايا الأمس في مواجهة عائلات "داعش"

عام على تحرير الموصل.. ضحايا الأمس في مواجهة عائلات "داعش"


10/07/2018

ساندرا بترسمان

تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على الموصل طوال ثلاث سنوات، لأنه وجد دعما بين السكان. وبعد نحو عام على تحرير المدينة من براثن التنظيم الإرهابي، كيف يتعايش الضحايا والجناة اليوم مع بعضهم البعض؟

قبل الترحيب وفي أسلوب سريع وحتى قبل طرح السؤال الأول، يبدأ أحمد محمد عبد الرحمن الكلام ويقول :"مشكلة داعش ستبقى ترافقنا مئات السنين". هذا الرجل المفعم بالحماس والبالغ من العمر 46 عاما وذو الأيادي الكبيرة لا يستقبل لأول مرة صحفيين. ومن الواضح أنه يستمتع بالاهتمام به.

وعبد الرحمن مختار منتخب للحي المدمر "حمام منقوش" الواقع في البلدة القديمة بالموصل. ويضيف بصوت مرتفع "أطفال عائلات داعش وأطفال العائلات الأخرى يتشاجرون باستمرار. وبدون أي سبب. يوجد هنا ما يكفي من المشاكل"، ويشير إلى أن "الخلافات ستكون أكبر بكثير عندما يعود عدد متزايد من عائلات داعش".

القبة الخضراء

الحي القديم حمام منقوش لا يبعد إلا بضعة أمتار عن مسجد النوري. وفي مسجد النوري كان أبو بكر البغدادي، رأس تنظيم ما يطلق على نفسه تسمية "الدولة الإسلامية"، قد أعلن في حزيران/ يونيو 2014 عن قيام "خلافته" الإرهابية. واليوم صار المسجد وجواره في حطام. وفقط القبة الخضراء للمسجد نجت بمعجزة من الدمار.

وبعد المعركة الأخيرة في الصيف الماضي تسلق أحد الأشخاص قبة المسجد وكتب "تبا لداعش" وحتى في أزقة حي حمام منقوش يمكن للمرء العثور على مثل هذه العبارات. وكتب أحدهم "داعش مطلوبين دم" باللون الأحمر على أحد جدران المنازل. وكانت تعيش في حي حمام منقوش قبل الحرب نحو 400 عائلة. ودعم حوالي نصف هذه العائلات تنظيم "داعش" بعد صيف عام 2014، كما يقدر المختار أحمد محمد عبد الرحمن.

ويعمل عبد الرحمن خياطا ومكث مع عائلته في الحي حتى النهاية. ويقول :"الحياة كانت صعبة للغاية". فالناس ماتوا بسبب القنابل أو القذائف أو بسبب الجوع. ويضيف "مقاتلو داعش أطلقوا النار حتى على الطائرات، لقد كانوا مرضى في عقولهم".

و"داعش" كان يتخذ من السكان المدنيين كدروع وكان يطلق النار على الهاربين، رغم ذلك تمكن الجيش العراقي والميليشيات المتحالفة معه من التقدم مدعوما بضربات جوية كثيفة من الولايات المتحدة الأمريكية. وعندما بدأ "داعش بخسارة أحياء أكثر، استمر مقاتلو التنظيم في ترديد أنه لا يمكن قهرهم"، يقول عبد الرحمن. ويضيف" مشكلتنا تمثلت في أنهم سيطروا على جميع  الناس الضعفاء".

البحث عن الجناة

والآن، وبعد عام على التحرير عادت 75 عائلة إلى حي حمام منقوش المدمر، وانعدام الثقة بين الناس في الحي كبير جدا. وكل ينفي أنه ساند "داعش" أو أنه تعاطف معه، بينما تبحث عائلات الضحايا عن الجناة. شخص ما يجب أن يكون مذنبا!

عمر محسن رجل انكسر عوده. قتل ابنه الأول الصغير عبر رصاصة قناص، بينما قتل ابنه الصغير الآخر مع زوجته وجميع أفراد عائلة أخيه إثر ضربة جوية. وتريد الآن عائلة عائدة العيش في المنزل المجاور لمحسن، ويُعتقد أن هذه العائلة دعمت "داعش". ويقول محسن بهذا الصدد:" هذا لا يمكن أن يحصل!، ماذا فعل أبنائي ؟ ولماذا تريد هذه العائلة الآن العودة والعيش في جوارنا؟".

عمر محسن يعيش اليوم سويا مع والدته الكبيرة في السن، وهما الناجيان الوحيدان من أفراد العائلة. وتتحدث المرأة العجوزة الضعيفة ودموعها تسيل وتقول :" أقسم بالله بأن عائلتنا لم تأذي أحدا أبدا.  لماذا محوا كل عائلتنا؟". وحتى هي تعارض عودة الجيران السابقين.

جناة ومتواطئون

المختار عبد الرحمن قدم أثناء زيارته لعائلة محسن المواساة لهم وأكد لهم بأنه سيفعل ما بوسعه. وكلمة عبد الرحمن لها وزن، إذ يملئ المختار الاستمارات للدوائر الأمنية – الجيش والشرطة وقوات الأمن. ويتم التحقق من كل عائلة قبل السماح لها بالعودة. ويتعلق الأمر بالكشف عن مقاتلين مختفين وعناصر النظام الإرهابي.

وتعيش العائلة حاليا في حي حمام منقوش حوالي 20 عائلة متهمة بأنها عملت سوية مع "داعش". ولا تريد هذه العائلات التحدث، ولا ترد على قرع الأبواب. والنظام القائم يمنح فرصة لإنكار التهم وللفساد. والنظام القضائي لا يضمن سيادة القانون.

ويقول عبد الرحمن متحدثا عبر الهاتف مع إحدى النساء:" بالنسبة لي من الحاسم أن يقبل الآخرون عودتكم. فقط بعد ذلك يمكن لي السماح بعودتكم". ثم ينصت عبد الرحمن بعض الوقت لمتحدثته، ومن ثم يقول لها:" يجب علي أن أقول لك للأسف إن الآخرين لا يريدون رؤيتك هنا. هنالك أعضاء في داعش من عائلتك، وحتى ولو أنك تنفين ذلك".

وحكم المختار صدر بحق هذه العائلة. وذكر عبد الرحمن أنه تريد في الوقت الحاضر حوالي ثلاث عائلات أسبوعيا العودة. لكن وبدون فحص أمني لا يمكن الموافقة على عودة هذه العائلات.

والمختار النشيط عبد الرحمن في حركة مستمرة، ويملك الكثير ممن يطلقون على أنفسهم المساعدين، الذين يملكون أجهزة اتصال نقالة ولهم تواصل مع جميع نقاط التفتيش التابعة للجيش والتابعة للمليشيات. ويتعلق الأمر بتوزيع صهاريج الماء والمؤن الغذائية وإزالة الخراب، ويرتبط الأمر بوجه خاص بتحديد من هو الضحية ومن هو الجاني أو المتواطئ.

ويعتقد عبد الرحمن أنه لا يمكن إقامة مصالحة مع الجناة، ولكنه يضيف أنه لا يمكن عزل الجميع. ويقول إن "المشكلة هي أن الناس هنا لهم الكثير جدا من الوقت للتفكير بما جرى ويجري. وليس لديهم ما يفعلونه. يجب علينا أن نجد لهم فرص عمل بصورة عاجلة حتى ينشغلوا في أشياء أخرى. فعندما تعيش فقط في الماضي، فإنه يتكرر".

الطالبة نارام محمد من الموصل

"إعادة البناء" في العقول

نارام محمد تربط المدينة القديمة للموصل بذكريات طفولتها الجميلة. فوالدها كان يملك هنا قبل الحرب محل مواد غذائية مزدهر. وتتذكر نارام التي تدرس علو الحاسبات وتبلغ من العمر 24 عاما، تفاصيل ذلك اليوم الذي عادت فيه للمرة الأولى في الخريف الماضي مع والدها لترى مشهد الدمار. وتعيش نارام مع عائلتها في الجزء الشرقي للمدينة.

وفي هذا الجزء الذي يقع شرق نهر الفرات، تبدو مدينة الموصل وفي الكثير من أحيائها وكأن الحرب لم تحصل أبدا. وتضيف نارام ونبرة صوتها تدل على عدم تصديقها لما جرى:" عندما رجعت المرة الأولى إلى المدينة القديمة، بقيت مريضة بعد ذلك ثلاثة أيام. كنت مصدومة لدرجة لم أستطع معها البكاء".

هذه الشابة لم تغادر بيت عائلتها في شرق الموصل تحت سيطرة "داعش" إلا نادرا. وإذا ما حصل ذلك فكان ذلك فقط بصحبة والدها. وكان محظورا عليها متابعة الدراسة. وتقول "السنوات الثلاث تحت حكم داعش كانت مثل سجن كبير بالنسبة لي". وتضيف "لقد قرأت كثيرا جدا، وعلى قدر استطاعتي. كنت أريد البقاء على الاتصال مع بقية العالم".

وتذهب نارام في الوقت الحاضر يوميا إلى الجامعة. ومنطقة الجامعة تبدو عليها بوضوح أثار الحرب، فسلاح الجو الأمريكي قصف الكثير من المباني في منطقة الجامعة. والمكتبة المركزية في الجامعة التي كانت تعد الأكبر في العراق، احترقت بالكامل بعد أن أضرم تنظيم "داعش" النيران فيها. وتقول نارام بهذا الصدد:" يمكن للمرء إعادة بناء المباني من جديد إذا توفر المال اللازم لذلك. لكن بناء العقول أصعب بكثير". وتضيف "يجب علينا الوصول إلى أذهان الناس وأرواحهم. ويجب علينا تعلم التفكير بحرية".

مكتبة الجامعة المحترقة في الموصل

وتنظم نارام جلسات دردشة سياسية للنساء، وتكرس نفسها للعمل في الجامعة وفي مقهى كتب يحتضن بانتظام محاضرات حول مواضيع سياسية واجتماعية. وأصبحت تعيش حياتها بصورة طبيعية من جديد، إلا أنها تدرك حجم الخلافات في مدينتها، لاسيما في الشطر الغربي من المدينة المدمر. "نعم، لقد قمنا بتوجيه الجروح لبعضنا البعض واقتتلنا. وصادر بعضنا البعض حقوق الآخر. والآن يجب علينا تعلم الحديث عن ذلك"، تطالب الناشطة الشابة نارام.

الجيل القادم

وحتى بعد تحريرها من "داعش" ما زالت الموصل تُعتبر من قبل سكان أجزاء أخرى من العراق كأحد معاقل التنظيم. فإلى جانب 40.000 مقاتل أجنبي قاتلوا مع التنظيم، انضم عدة آلاف من العراقيين من الموصل إلى "داعش"، وأعداد ليست بالقليلة منهم ينحدرون من المناطق الواقعة خارج مدينة الموصل.

والمحاكم الحكومية الخاصة لمكافحة الإرهاب تصدر بانتظام أحكاما بإعدام المتهمين بالتعاون والتعاطف مع التنظيم. وغالبا ما يتم ذلك في محاكمات سريعة تستمر لعدة دقائق فقط. ومن الصعب الجزم كم هم أعداد المتهمين بانتمائهم إلى تنظيم "داعش" الذي يقبعون حاليا في السجون العراقية. لأن الحكومة العراقية تتكتم عن الأرقام. وقدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في كانون الأول/ديسمبر الماضي أعدادهم بما لا يقل عن 20 ألف شخص.

أما الطالبة نارام من الموصل فتطالب من جانبها بالمصالحة. وعمليات الانتقام وتنفيذ العدالة من قبل المنتصر هي الطريق الخاطئ. وتقول "هناك درجات متعددة في الذنب. فإذا طردنا الآن جميع من كانت لهم صلة بداعش، فإننا نعمل على نشأة جيل جديد من المتطرفين".

عن "دويشه فيله"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية