هل يصلح بنكيران ما أفسده أسلافه؟

هل يصلح بنكيران ما أفسده أسلافه؟


08/11/2021

هناك مجموعة اختلافات تميز التجربة الإخوانية في المملكة المغربية، وتجعلها لا تتشابه مع تجارب الإخوان في معظم الأقطار العربية، ومنها طبيعة النظام السياسي الملكي المستقر، وطبيعة النظام البرلماني محدد الصلاحيات، فيما يتعلق بالوزارات الخدمية والسياسات الاقتصادية، والتي لا يغيب الملك عنها بشكل أو بآخر، بينما ينفرد بوزارات الداخلية والدفاع والسياسة الخارجية.

وقبل حراك "20 فبراير" لعام 2011 في المغرب كان الملك ينفرد بتعيين رئيس الحكومة وعزله، ليكون بذلك رأس السلطة التنفيذية، واستجابةً للحراك أُقرت تعديلات دستورية لاستيعاب المطالب الشعبية جزئياً، بات بموجبها الملك يُكلف رئيس الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية بتشكيل الحكومة، وفق معادلة النظام البرلماني المحدود.

بنكيران والعثماني

وليس خافياً على أحد دور الملك ومستشاريه في الحياة السياسية منذ الاستقلال، وهو دور متنوع على حسب المرحلة التاريخية، وشهد صراعات وتدخلات عديدة لموازنة القوى السياسية، وبعد حراك 2011، وما حمله من معادلة الاحتجاجات الشعبية التي أطاحتبأنظمة سياسية في دول عربية، بات على الملك ومستشاريه مراعاة قوة الاحتجاج الشعبي، والتدخل في الحياة السياسية لخلق متنفس انتخابي أمام الشعب، بما يجعل الاحتجاج موجهاً للأحزاب وليس للنظام ذاته. ودون حكم أخلاقي على هذا الدور وتأثيره على التجربة الديمقراطية في المغرب، فإنّه يبقى فاعلاً ومهماً، خصوصاً أنّ التجربة الديمقراطية في العالم العربي بأكمله تواجه عقبات فكرية واجتماعية واقتصادية تفوق فكرة عداء نظام ما لها.

من المحتمل أنّ تتسم علاقة عبد الإله بنكيران بالمجلس الوطني بالخلافات، إذ إنّ أعضاء المجلس كانوا يرغبون في انتخاب عبد العزيز العماري أميناً عاماً لفترة استثنائية

ولا تنفصل تجربة الإخوان المسلمين في المغرب، عبر حزب العدالة والتنمية "البيجيدي" عن السياق السابق، ولهذا فبرقية التهنئة التي أرسلها الملك محمد السادس إلى عبد الإله بنكيران بعد انتخابه في المؤتمر الاستثنائي أميناً عاماً للبيجيدي، لا تمرّ مرور الكرام، بل لها دلالة تتعلق بترحيب الملك بوجود دور أكبر للإخوان، لموازنة الحياة الحزبية، ومن أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي، خاصة بعد الدرس الشعبي القاسي لهم، في انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) الماضية.

رهان بنكيران

بعد الهزيمة الثقيلة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق، سعد الدين العثماني، في الانتخابات الأخيرة، والتي خسر فيها الحزب الصدارة، و112 مقعداً، وحافظ على 13 مقعداً فقط بعد أنّ كان نصيبه 125 مقعداً في انتخابات عام 2016، دخل الحزب في أزمة داخلية بعد استقالة العثماني وأعضاء مكتب الأمانة العامة في اليوم التالي للانتخابات، وتقرر عقد مؤتمر وطني استثنائي لانتخاب أمين عام وأعضاء مكتب الأمانة العامة، وهو المؤتمر الذي عُقد في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وجاء ببنكيران أميناً عاماً.

وسبق عقد المؤتمر انقسام كبير داخل الحزب بسبب قرار الأمانة العامة المستقيلة تحديد موعد للمؤتمر الوطني العادي بعد عام من المؤتمر الاستثنائي، استناداً إلى قانون الأحزاب السياسية الذي يلزم الأحزاب بعقد المؤتمر الوطني العادي كل أربعة أعوام، للحصول على الدعم المالي من الدولة، بينما طالب بنكيران أعضاء المؤتمر الاستثنائي بالتصويت ضد مقترح الأمانة المستقيلة والمجلس الوطني، وبرر دعوته برفض تحديد خطة مسبقة للأمانة العامة الجديدة.

 

اقرأ أيضاً: إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟

وجاءت نتيجة التصويت في المؤتمر الاستثنائي في صالح بنكيران، بعد رفض 901 صوت لاقتراح الأمانة العامة والمجلس الوطني مقابل تأييد 374 صوت، وفاز بنكيران بمنصب الأمين العام بعدد 1012 صوتاً مقابل 221 صوتاً لعبد العزيز العماري، و15 صوتاً لعبد الله بوانو. وبحسب الصحافة المغربية صوت أعضاء الخارج في المجلس الوطني والكتابات الإقليمية لصالح بنكيران ورفض مقترح تحديد موعد المؤتمر الوطني العادي، وصوتت الأمانة العامة المستقيلة ومعظم المجلس الوطني ضدّ بنكيران ومع مطلب عقد المؤتمر الوطني العادي بعد عام.

ولهذا من المحتمل أن تتسم علاقة بنكيران بالمجلس الوطني بالخلافات، إذ إنّ أعضاء المجلس كانوا يرغبون في انتخاب عبد العزيز العماري أميناً عاماً لفترة استثنائية مدتها عام، يعقد في نهايتها المؤتمر الوطني العادي ليعود أعضاء مكتب الأمانة المستقيلة والقيادات المرتبطة بالعثماني للقيادة مرة أخرى، ولكن أمام صرامة بنكيران ورهانه على شعبيته سقطت هذه الحسابات.

مهمة إنقاذ الحزب

الباحث السياسي والصحفي المغربي، نور الدين اليزيد يقول إنّ انتخاب بنكيران وراءه سبب وحيد وأساسي، ألا وهو إنقاذ الحزب الإسلامي، الذي تعرض لنكسة انتخابية غير مسبوقة في 8 سبتمبر الماضي، من التصدع والتحلل والانهيار؛ لأنّ حصول الحزب على مجرد 13 مقعداً نيابياً في تلك الانتخابات من أصل 395، وهو الذي كان قد حصل على 125 مقعداً، وقاد الحكومة لولايتين، تعني بمنطق حسابي، السقوط المدوي، وبمنطق اللعبة السياسية يفيد أنّ التنظيم الحزبي قد تلقى صفعة كبرى من طرف الناخبين/المواطنين، من خلال تصويتهم العقابي عليه بتلك الطريقة الرافضة والطاردة له، ليس فقط من تدبير الشأن العام والمسؤولية الحكومية، ولكن حتى من الملعب السياسي، أو على الأقل تحجيمه وتقزيمه ليصبح مجرد لاعب غير مؤثر.

الباحث نور الدين اليزيد لـ"حفريات": القصر ما يزال في حاجة إلى شخصية سياسية، من طينة عبدالإله بنكيران، في سياق التدافع السياسي، وفي سياق الحفاظ على التوازنات السياسية

وأردف اليزيد في حديثه لـ"حفريات": لذلك فإنّ الحزب، وبالخصوص قياداته، ومنهم حتى الذين شاركوا في عام 2017، في تهميش بنكيران، بل وتواطأوا حتى ربما مع الخصوم، من أجل إخراجه المهين من النافذة، وانخراط الحزب بعدئذ في دور مهادن للقصر؛ هؤلاء هم أنفسهم وجدوا الحزب يفتقد إلى ربان قادر على إعادة وهج الحزب، أو على الأقل لمن يستطيع إخراجه من منطقة الظل التي وجد نفسه مركوناً فيها، بعدما قاده لنحو خمس سنوات العثماني الذي يفتقد لكاريزما الزعيم المستقطِب والمؤثر، بينما بنكيران معروف بلباقة تعامله وقدرته الخطابية وكاريزما شخصيته، وهو ما سيكون سبباً للتجميع والتحشيد وليس للتصدع والتشتيت.

 

اقرأ أيضاً: انقسامات في صفوف إخوان المغرب... أزمة داخلية جديدة

ويرى اليزيد أنّ التأثير الأبرز والأهم الذي يمكن أن يحمله بنكيران لتنظيمه الحزبي، هو إرجاع فئات واسعة من الحزبيين والمتعاطفين، بعدما كان كثيرون غير راضين عن إبعاده في عام 2017، بل ومنهم من تخلى نهائياً عن انتمائه وعضويته للحزب.

بنكيران والقصر

وبالعودة إلى الفترة التي قضاها بنكيران خارج قيادة البيجيدي، يظهر الرجل في صدام مع سياسات مغربية دعمها القصر، وهي التطبيع مع إسرائيل، وتقنين القنب الهندي، ما يعني أنّ عودة الرجل من المفترض ألا تلقى قبولاً من القصر، ولكن ما حدث أنّ الملك محمد السادس أرسل برقية تهنئة له عقب انتخابه، مشيداً فيها بشخصه، وكأنّ الخلاف بين القصر وبنكيران في عام 2016، والذي انتهى بإخراج الأخير بشكل مهين من الحزب وتنحيته عن تشكيل الحكومة، لم يكن موجوداً.

وحول ذلك يقول اليزيد: هذا يدل على أنّ القصر ما يزال في حاجة إلى شخصية سياسية، من طينة عبدالإله بنكيران، في سياق التدافع السياسي، وفي سياق الحفاظ على التوازنات السياسية، بين مختلف اللاعبين؛ أي بين القصر/الحُكم، من جهة، وبين مختلف الأحزاب، وكذا باقي التنظيمات النقابية والحقوقية والاقتصادية وغيرها، من جهة أخرى. وفي ظل ما أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحيث بوأت اثنين من أكبر الأحزاب الموسومة بـ الإدارية؛ التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، المرتبتين الأولى والثانية، وهو ما جعلهما يشكلان العمود الفقري للتحالف الحكومي الحالي المكون بالإضافة إليهما من حزب "الاستقلال" أيضاً، فإنّ موقع المعارضة داخل البرلمان بدا باهتاً جداً.

 

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: مناورات عبثية في تونس وتسريحات داخلية في المغرب

هذا الأمر، في نظر اليزيد، يؤثر ليس فقط في السياسات التي تسنها الحكومة، وفي السجال الذي يدور داخل قبة البرلمان، بل حتى في الرأي العام، وهذا ما لا يخدم الدولة والنظام؛ لأنّ غياب معارضة قوية، يفتح المجال لمعارضة شعبية، وهذا ما يتوجس منه أي نظام سياسي. ولذلك فإنّ وجود بنكيران اليوم، سيخدم النظام أكثر مما يخدم الحزب، حتى ولو كان هذا "الزعيم" رافضاً لعديد من السياسات من قبيل التطبيع مع إسرائيل، أو تقنين استعمال القنب الهندي أو غيرها؛ بل بالعكس فإنّ وجود تجمعات ومهرجانات خطابية حزبية مؤطرة من قبل حزب بنكيران مثلاً، ومتحكَم فيها تنظيمياً، خير من أن يكون هناك احتقان شعبي يؤدي إلى غضب احتجاجي في الشوارع.

والأمر المؤكد أنّ وجود بنكيران سيمنح الإخوان المسلمين دفعة قوية، سواء على مستوى معالجة الانقسامات الداخلية التي عرفها الحزب تحت قيادة العثماني، خصوصاً في ظل أزمة التزكيات للانتخابات السابقة، والصراعات العديدة بين الفروع والأمانة العامة، وعلى مستوى مخاطبة الناخبين.

وإذا كان التصويت العقابي هو من أطاح الإخوان المسلمين، فربما يتكرر الأمر ذاته مع حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود رئيسه عبد العزيز أخنوش الحكومة، بالتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، إذا ما أخفق الحزب في إدارة الشأن العام، ولكن الباحث نور الدين اليزيد يرى أنّ الناخب المغربي يُعاقب لوناً حزبياً، ولا يعود مرة أخرى له بشكل كامل.

وبجانب ذلك لن يكون القصر بعيداً، د في ظل طبيعة النظام المبنكيرانغربي، الحريص على وجود تعددية حزبية متجددة، بغض النظر عن وزنها أو تكوينها، فليس من المستبعد، وفق اليزيد، أن يظهر بين عشية وضحاها حزب ما يخلق من العدم، على غرار ما حصل مع كل من حزبي "الأحرار" في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ومع حزب "الأصالة والمعاصرة" في 2008، عندما خرجا إلى حيز الوجود وفي رصيدهم العشرات من البرلمانيين حتى دون أن يخوضا الانتخابات؛ ثم يكون هذا المخلوق الحزبي الخرافي، ولكن الممكن، هو قبلة الناخبين وبديلهم، ويتزعم المشهد، بدلاً عن كل الأحزاب الموجودة.

ورغم الآمال الموضوعة على بنكيران إلا أنّ عودة الحزب إلى ما قبل انتخابات 8 سبتمبر 2021 باتت صعبة للغاية، فالحزب بات مثل غيره من الأحزاب المغربية التي شكلت الحكومة لأكثر من مرة وأخفقت في الحفاظ على الشعبية، ولم يعد الناخب المغربي إليها، ولهذا فالمرجح أنّه بات حزباً تقليدياً تنطبق عليه رؤية الناخب لبقية الأحزاب، بعد أن أخفقت شعاراته الدينية ونزاهته الزائفة خلال تجربته في السلطة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية