إيران وتركيا.. ذرائع أقبح من ذنب

إيران وتركيا.. ذرائع أقبح من ذنب


04/04/2020

علي قاسم

قاربت أرقام الإصابات بفايروس كورونا المليون إصابة، أما الوفيات فهي على مشارف الخمسين ألف. رغم ذلك هناك حيرة وعدم وضوح في التعامل مع الجائحة.

الحكومات ليست واثقة في اتخاذ قراراتها، وإلى أي مدى يمكن أن تذهب لمنع انتشار الفايروس؛ الحجر الصحي الذي أعلنته حكومات الدول تختلف مقاييسه من دولة إلى أخرى، هناك من اكتفى بإلغاء المناسبات والأنشطة التي يحضرها عدد كبير من الناس، ونصح بالابتعاد عن المطاعم والبارات والمناسبات الاجتماعية.

وعلى العكس من الإجراءات الخفيفة التي اتخذتها بعض الدول، اتخذت دول أخرى إجراءات صارمة وصلت إلى حد فرض حجر تام ومنع تجوال، واستعانت على إكراه الرافضين للإجراءات بقوى الأمن والجيش.

هذا التفاوت في الإجراءات المتخذة لمواجهة فايروس كورونا له ما يبرره في معظم الحالات. ومبرره الأول الوضع الاقتصادي للبلد. أن يكون البلد غنيا، فهذا يعني بالضرورة أنه قادر على توفير العناية الصحية بالحالات الصعبة، وقادر على تركيز العناية على الفئات الأكثر عرضة للخطر، ممن يعانون من أمراض مزمنة وكبار السن.

الوضع الاجتماعي مرتبط أيضا بالوضع الاقتصادي، وأشد ما تخشاه الحكومات هو التبعات الاجتماعية لأي قرار تتخذه. إذا التزم الناس في بيوتهم؛ فمن يطعمهم ومن يسقيهم؟ المعادلة بسيطة، إما أن نطعم الناس ونؤمن لهم العلاج والرعاية الصحية اللازمة، أو نتركهم طلقاء يسعون في الأرض وراء خبزهم كفاف يومهم.

“الزموا منازلكم” شعار ينفع مع ميسوري الحال، أو في دولة تستطيع أن تؤمن احتياجات مواطنيها. أما الفقراء فشعارهم، “أطعمونا أو اتركونا في سبيلنا نبحث عن طعم لنا ولأطفالنا”.

في إيطاليا أكثر الدول الأوروبية تضررا من الفايروس، ظهر شكل جديد من الفقر، بعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع من الحجر الصحي وعزل شبه كامل في البلاد. وهذا ما دفع صحيفة، كورييري ديلا سيرا، الإيطالية للتحذير من “قنبلة اجتماعية” محتملة، ومخاوف من أن تتحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة أمنية.

لا يغيب عن الحكومات وهي تأخذ قراراتها أن “الفقر يدفع إلى الجرائم والقتل وارتكاب السرقات”. في 26 مارس الماضي، اندلعت حوادث في محل تجاري في مدينة باليرمو بايطاليا، عندما حاول نحو عشرين شخصا مغادرته دون أن يسددوا ثمن مشترياتهم، وقالوا “نحن لا نملك نقودا لندفعها ويجب أن نأكل”. هذا هو الحال في دول تتمتع بقدر من الديمقراطية، هناك دول أخرى تتخذ قراراتها وفق مصالح سياسية، غير عابئة بمصالح مواطنيها، تركيا وإيران، مثلا على ذلك.

في إيران، فضل المسؤولون أن يتعاملوا مع الوباء ليس ببعده الصحي والاجتماعي، بل وفق منظور سياسي، وكما جرت العادة، اختار آيات الله مشجبا جاهزا يستخدم في كل أزمة، فالمسؤول عن تدهور الحال هم “أعداء إيران، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، والدول الغربية ومن والاها”.

آيات الله، المتورطين في سوريا ولبنان والعراق واليمن، لا تتفق مصالحهم مع اتخاذ إجراءات حجر صحي تفضي إلى إغلاق حدود البلاد وتوقف عبور البشر، الإيرانيون يعرفون ذلك، ويعرفون أن السلطات تسيّس الأزمة عندما تزعم أن السبب في الأزمة هو العقوبات المفروضة على البلاد.

أحد أهم الأسباب التي جعلت إيران مهزومة أمام كورونا، هو تكتمها على الإصابات وإخفائها، وكذلك التحرك المتأخر في اتخاذ التدابير اللازمة للمواجهة. وهناك معلومات تؤكد أن وزير الصحة الإيراني، أبلغ المسؤولين بوجود الفايروس قبل شهرين من الإعلان الرسمي عنه.

لا يختلف الحال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو المتورط في سوريا وفي ليبيا؛ كلا النظامين يضع طموحاته السياسية قبل مصالح شعبه، وقبل مصالح شعوب المنطقة.

هناك نموذج ثالث برز في التعامل مع هذه الجائحة، استغل انتشار الوباء ليشدد قبضته على الحكم. وأصبحت ذريعة الخوف على الشعب وسيلته للاستبداد، وقد أثار هذا الموضوع الكثير من الجدل والمخاوف من أن تؤدي الحملات التي تشن بهدف مواجهة الفايروس، إلى حملات تنتهي بقمع الحريات الشخصية.

ومن هنا يمكن فهم المخاوف التي أبدتها دول الاتحاد الأوروبي من أن تهدد بعض تدابير الأزمة التي تم تطبيقها بالتزامن مع تفشي الفايروس، الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبحسب بيان مشترك صدر الأربعاء، عبرت 13 دولة أوروبية عن مخاوفها من أن تفضي إجراءات طارئة إلى انتهاكات لمبادئ الديمقراطية، وطالبوا في بيانهم بضرورة أن تكون إجراءات الطوارئ قاصرة على ما هو ضروري بشدة.

حكومات كثيرة وجدت في انتشار الوباء فرصة لمهاجمة وسائل الإعلام، مما دفع الدول الموقعة على البيان إلى التشديد على أهمية حرية الصحافة.

ورغم عدم ذكر دولة محددة، هناك من ربط صدور البيان مع تصويت البرلمان المجري للسماح لرئيس الوزراء، فيكتور أوربان، بالحكم بموجب مرسوم دون حد زمني معين.

الميل نحو الديكتاتورية وصل أقصاه مع رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتي، الذي وجد في القتل بالرصاص، حلا يمكن اللجوء إليه إذا اقتضت الضرورة، مهددا كل من ينتهك الإجراءات المتبعة لاحتواء انتشار الفايروس، بأنهم قد يتعرضون لإطلاق النار عليهم إذا أثاروا المتاعب. “أوامري للشرطة والجيش هي أنه إذا كانت هناك اضطرابات، ورأيتم أن حياتكم في خطر، اقتلوهم رميا بالرصاص. هل هذا مفهوم؟ القتل.. سأدفنكم بدلا من أن تتسببوا في إثارة المتاعب”.

رغم أن الوباء الذي يواجهه العالم واحد، إلا أن الإجراءات المتبعة في مواجهته تتنوع وتختلف، وهي في النهاية تعكس طبيعة الأنظمة ونواياها.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية