معركة طرابلس تضع المشروع الإخواني القطري على المحك

معركة طرابلس تضع المشروع الإخواني القطري على المحك


08/04/2019

الجمعي قاسمي

دخلت معركة استعادة العاصمة الليبية طرابلس من قبل قوات الجيش الليبي، مرحلة اقتربت كثيرا من الحسم الميداني، عكستها التطورات المُتسارعة التي تدفع جميعها نحو التأكيد على قرب انتهاء فصولها، بما يؤسس لمشهد جديد بحسابات ومعادلات ستقلب موازين القوى، وتقوّض المشروع الإخواني القطري والتركي في المنطقة.

وفرضت مجريات الواقع الميداني في محيط العاصمة طرابلس، إيقاعها على منظومة الإسلام السياسي بميليشياتها المُسلحة الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، التي استنفرت صفوفها بإيعاز من قطر التي باتت تستشعر انكفاء أذرعها.

وبدا واضحا أن هذا الاستنفار يعكس ارتباك منظومة الإسلام السياسي، من خلال ردود الفعل التي تتالت منذ إعلان قطر عن “قلقها البالغ” إزاء ما وصفته بـ”التصعيد العسكري الخطير” في ليبيا، حيث سارعت حركة النهضة الإسلامية في تونس برئاسة راشد الغنوشي، مباشرة بعد ذلك، إلى التحذير من أن “النزوع إلى التصعيد العسكري يمثل خطرا على أمن المنطقة واستقرارها”.

وعلى عكس تصريحات الغنوشي السابقة التي أكد فيها التزام حركته بالموقف الرسمي التونسي إزاء القضايا الإقليمية والدولية، اصطفت حركة النهضة في بيانها إلى الموقف القطري، حيث استنكرت فيه ما وصفته بـ”التدخل السلبي لبعض الأطراف الأجنبية، الإقليمية والدولية في الشأن الليبي”.

ويكشف هذا الموقف بما تضمنه من اصطفاف واضح، ازدواجية خطاب الغنوشي، كما يؤكد على أن المركزية الإخوانية أصدرت تعليماتها بالاستنفار.

ووصف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “التنظيم الدولي للإخوان”، الأحد، تحرك الجيش الليبي المدعوم من مجلس النواب في مدينة طبرق، صوب العاصمة طرابلس بـ”عدوان غاشم (..) ومؤامرة مدعومة بأموال عربية”.

ويتناغم بيان حركة النهضة الإسلامية، مع موقف قطر والتنظيم الدولي للإخوان، وموقف حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، الذي رفض فيها تحركات قوات الجيش الليبي ووصفها بـ“التصعيدية“.

وستعمق عملية الجيش الليبي في العاصمة طرابلس، مأزق الجماعات الإخوانية، بما ستُفرزه مُجرياتها الميدانية من معطيات سياسية جديدة تتجاوز أبعادها تنظيمات الإسلام السياسي، لتؤثر مباشرة على حكومة فائز السراج التي أظهر الواقع أنها ما زالت رهينة حسابات ومعادلات خاطئة.

ودفعت تلك الحسابات السراج إلى الاصطفاف إلى جانب الميليشيات المُسلحة، حيث أعلن حالة النفير، محذّرا من “حرب لا رابح فيها”، وأن حفتر “لن يجد منّا إلا الحزم والقوّة” وذلك في إشارة إلى تحرك الجيش الليبي نحو العاصمة طرابلس.

وتعقيبا على ذلك، قال عضو مجلس النواب الليبي، إبراهيم الدرسي في اتصال هاتفي مع “العرب” من بنغازي بشرق ليبيا، إن السراج الذي شرعن وجود الجماعات المسلحة المُرتبطة بالأجندة القطرية المتطرفة، يُدرك أنه لا وجود لقوات ليستنفرها، بل ميليشيات مُتطرفة، وهو بذلك يدفع بالشباب الليبي إلى الهلاك في مواجهة الجيش.

وشدد الدرسي على أن تهديدات السراج ووعيده تأتي في الوقت الضائع، مؤكدا في المقابل على أن تحرك الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، يستهدف فرض الأمن والاستقرار وإنهاء حالة الفوضى المستشرية في العاصمة طرابلس، وأن هزيمة جماعة الإخوان ومن تحالف معهم في طرابلس، باتت وشيكة.

وتأتي هذه القراءة وسط تقديرات عسكرية تُشير في مُعظمها إلى أن الـ72 ساعة القادمة ستكون حاسمة، مُستندة في ذلك إلى جملة من المعطيات الميدانية التي بددت الالتباسات التي رافقت بدء هذه العملية العسكرية.

وقال رئيس مركز دراسات شؤون الأمن العالمي، والأستاذ المحاضر بأكاديمية دفاع حلف “الناتو” وقيادة العمليات المشتركة للحلف، اللواء أركان حرب سيد غنيم، إن التطورات الميدانية تؤشر إلى أن عقارب ساعة الصفر بدأت بالدوران باتجاه حسم المعركة في أقرب وقت مُمكن.

واعتبر غنيم، الذي ترأس سابقا عمليات جهاز الاستطلاع بإدارة المخابرات الحربية المصرية، أن عامل الوقت مُهم جدا في هذه المعركة، ذلك أن أي تعطيل لتقدّم قوات الجيش الليبي، قد يفسح المجال أمام تدخل خارجي قد يُغير موازين القوى، بحيث لا يمكن تحديد سقف أبعاده، أو حصيلته النهائية.

وتسارعت وتيرة العمليات العسكرية في يومها الرابع، حيث تجددت الاشتباكات العنيفة في محيط العاصمة طرابلس التي بات الجيش الليبي يُطوقها من سبعة محاور رئيسية، في عملية ضغط مُتواصلة على الميليشيات التي تشتت قواتها.

ودارت اشتباكات في منطقة قصر بن غشير، غير بعيد عن مُحيط مطار طرابلس الدولي (30 كلم جنوب طرابلس)، حيث توسعت رقعتها لتشمل العزيزية، وخط وادي الربيع-السواني-الكريمية، إلى جسر الزهراء والسبيعة.

وتحدثت مصادر إعلامية ليبية عن قيام طائرات بقصف وحدات الجيش الليبي التي تتمركز في محيط مطار طرابلس الدولي، وذلك في الوقت الذي دفع فيه الجيش الليبي بقوات إلى منطقة القربولي لقطع الطريق على ميليشيات مصراتة التي تحركت باتجاه العاصمة طرابلس.

ودخل سلاح الصواريخ المعركة، وذلك للمرة الأولى منذ بدئها، حيث تم تسجيل سقوط صواريخ من نوع غراد بالقرب من مقر الإدارة العامة للأمن المركزي بمنطقة صلاح الدين، وبالقرب من جامع الخلة بجنوب طرابلس.

ويُنبئ هذا التطور الميداني بتغيير قواعد الاشتباك، ذلك أن هذا النوع من الصواريخ يُعرف بفعاليته التدميرية، حيث يصل مداه البعيد إلى نحو 40 كلم، الأمر الذي يكون وراء إقدام القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “الأفريكوم”، على الإسراع إلى إجلاء أفرادها في العاصمة طرابلس.

وأعلنت “أفريكوم”، الأحد، نقل مجموعة من قواتها في طرابلس، حيث أظهر مقطع فيديو فرقاطتين أميركيتين بالقرب من شواطئ طرابلس بعد أن قامتا بإجلاء موظفين أجانب من القرية السياحية في منطقة جنزور غربي العاصمة.

ودعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا إلى هدنة بساعتين في جنوب طرابلس حيث تدور اشتباكات. وقالت البعثة إنها تحث الجانبين على الالتزام بهدنة بين الساعة 16:00 و18:00 بالتوقيت المحلي لإجلاء الجرحى، دون أن تورد عددهم.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية