فلسطين عرفت دور السينما منذ مئة عام وأنتجت أفلاماً رغم المآسي

السينما

فلسطين عرفت دور السينما منذ مئة عام وأنتجت أفلاماً رغم المآسي


21/03/2019

عرفت فلسطين السينما في عشرينيات القرن الماضي، وانتشرت دور السينما في معظم المدن الفلسطينية لعرض الأفلام التي صورت طبيعة فلسطين ومعالمها الدينية؛ الإسلامية والمسيحية، خلال عام 1908، ومن أبرزها؛ سينما روكسي وأوراكل بالقدس المحتلة، والأهلي في عكا، والعاصي في نابلس، والسامر في غزة، وغيرها، وقد هُدم عدد كبير منها وتحوّلت لاحقاً إلى مطاعم وأندية ثقافية ورياضية.

اقرأ أيضاً: معرض الرياض للكتاب يحتفي بالمستقبل ويكرم رواد السينما السعودية

ورغم وجود دور العرض السينمائية في فلسطين، إلا أنّها لم ترتقِ إلى الظاهرة، وتم إغلاق عدد كبير منها لعدة أسباب، من أبرزها؛ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، بين عامي 1987 و2000، إضافة إلى القوانين الإسرائيلية المجحفة، التي ضيقت الخناق على إنتاج الأفلام السينمائية، وأدت إلى إغلاق بعض دور العرض في غزة ومعظم مناطق الضفة الغربية، نظراً لسوء الأحوال الاقتصادية والسياسية التي كانت تشهدها المنطقة، لتغيب السينما عن الحياة الفلسطينية لفترة زمنية طويلة.
تم إغلاق عدد كبير منها لعدة أسباب

الحرب العالمية والسينما الفلسطينية

مدير مؤسسة "شعاع" للإنتاج السينمائي والفني، عامر الناطور، يقول لـ "حفريات": إنّ "الحرب العالمية الثانية، عام 1924، ساهمت بشكل كبير في إنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية حول العالم، وأفرزت الحرب ما يعرف بالسينما النضالية والثورية التي اهتمت بها حركات التحرر حول العالم، ومن بينها فلسطين، ودفعها لتقوم بإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية، وإنشاء دور السينما في عدة مناطق فلسطينية في محاولة لشق طريقها نحو العالمية".

اقرأ أيضاً: كيف خدمت السينما أعمال إحسان عبدالقدوس؟

ويشير إلى أنّه "خلال عام 1926؛ استطاع الأخوان؛ إبراهيم وبدر لاما، إدخال الأجهزة والمعدات السينمائية إلى مدينة حيفا الفلسطينية، بعد أن قاما بجلبها من أمريكا اللاتينية، وتحديداً من جمهورية تشيلي، لإدخال السينما في فلسطين، للمرة الأولى، واستطاعا إنتاج فيلم "قبلة في الصحراء"، الذي يعد أول فيلم سينمائي يعرض في الوطن العربي، مطلع عام 1927".
غياب الإنتاج السينمائي

ويستذكر الناطور كيف أنّ الأفلام التجارية المصرية غزت المدن الفلسطينية، إلى جانب الأفلام الفلسطينية في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، حيث "لعبت السينما الفلسطينية، خاصة في مدينة القدس، مع انتشار دور العرض السينمائية، دوراً محورياً في تعريف الفلسطينيين بالأماكن المقدسة وتاريخ القدس، حتى دأبت حكومة الانتداب البريطاني، لفرض قوانينها المجحفة، على إنتاج أو مشاهدة أيّة أفلام سينمائية توضح قضية فلسطين، وما يجري بها من استعمار غاصب لأرضها، لتضطر غالبية دور السينما في مدينة القدس لإغلاق أبوابها؛ لتعرضها للقيود الاستعمارية والدعاية الصهيونية التي هدفت للتحريض عليها آنذاك".

اقرأ أيضاً: "أكاشا" يعيد السينما السودانية إلى المنافسة العالمية

واستدرك "بعد النكبة الفلسطينية، عام 1948؛ غاب الإنتاج السينمائي بفعل ما حلّ بالشعب الفلسطيني؛ من تهجير من منازلهم وأراضيهم بفعل هجمات العصابات الصهيونية، وبعد استقرار الأوضاع نسبياً في الأراضي الفلسطينية، بعد الهجرة في نهاية أربعينيات القرن الماضي؛ حاولت السينما النهوض مجدداً، وتم إنشاء أول دار سينما فلسطينية في قطاع غزة، والتي عرفت بـ "سينما السامر"، إلا أنها كانت محاولات ضعيفة وخجولة، مما دفع بالمخرجين الفلسطينيين لترك الأراضي الفلسطينية واللجوء إلى بعض الدول العربية لإيجاد موطئ قدم هناك، إلا أنّ محاولاتهم باءت بالفشل مرة أخرى".

إغلاق دور العرض السينمائية

وبعد عام 1967؛ استمرت السينما الفلسطينية بالغياب عن المشهد الثقافي والاجتماعي الفلسطيني، كما يقول الناطور، "بفعل تضييقات الاحتلال الإسرائيلي، الذي عمد في تلك الفترة إلى إغلاق دور العرض السينمائية التي تعرض القضايا المناهضة للاحتلال، خاصة في مدينة القدس؛ ما دفع أصحاب هذه الدور للانتقال إلى مختلف المدن الفلسطينية، لعرض الأفلام الأجنبية، تجنباً لملاحقة الاحتلال الإسرائيلي لهم".

اقرأ أيضاً: هل قدمت السينما المصرية صورة منصفة للمعلم؟

وبيّن الناطور أنّ "هذه الأفلام لم تكن تتماشى مع عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني، وكانت تتضمن لقطات خادشة للحياء؛ مما اضطر عدداً كبيراً من المثقفين والأدباء لمقاطعتها، في حين تمسّك أصحاب دور العرض السينمائية بها، لتحقيق عوائد مالية، دون النظر لعرض وتناول القضايا التاريخية والثقافية للشعب الفلسطيني".

وبعد قدوم السلطة الفلسطينية، عام 1994، أضحت معظم دور العرض السينمائية ركاماً، وأغلقت مجموعة كبيرة من الدور أبوابها بسبب مشاكل مالية، "كما تمّ الاعتداء على بعضها من قبل بعض الحركات الإسلامية المتطرفة وحرقها، ليهدم عدد كبير من مبانيها العريقة، وتحلّ مكانها مشاريع استثمارية متنوعة".

 سينما جنين

المشاركة في المحافل الدولية

المخرجة والناقدة السينمائية، ليلى سرحان، تقول: إنّ "السينما الفلسطينية استطاعت المشاركة في العديد من المحافل الدولية؛ كمهرجان "كان" و"دكار"، وعدد من المهرجانات العربية، لإيجاد موطئ قدم لها، إلا أنّ جميع هذه المحاولات كانت ضعيفة وخجولة؛ لضعف الإمكانيات الفنية والإخراجية التي يتمتع بها بعض المخرجين الفلسطينيين".

إبراهيم سرحان من أوائل المخرجين السينمائيين الفلسطينيين حيث أسس "استوديو فلسطين" وعمل على توثيق زيارة الملك سعود للقدس

وتكمل سرحان حديثها لـ "حفريات": "من أوائل المخرجين السينمائيين الفلسطينيين؛ كان إبراهيم سرحان، الذي قام بتأسيس "استوديو فلسطين"، الذي عمل على توثيق وتصوير زيارة الملك سعود للقدس المحتلة، عام 1935، وقام بإنتاج فيلم يبرز هذه الزيارة لتأخذ بعد الأهمية التي تستحقها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، قبل أن يغادر فلسطين إلى الأردن، وينتج أول فيلم سينمائي روائي في المملكة، عام 1957".

ورغم ظهور عدد من الأفلام الوثائقية والروائية، التي تشرح القضية الفلسطينية للرأي العام العربي والدولي، وحصدها عدداً من الجوائز الدولية، أو ترشيحها للفوز، أمثال أفلام: سارة، وعمر، والجنة الآن، وغيرها، إلا أنها تجابه، كما ذكرت سرحان، بالعديد من الصعوبات والتحديات من أبرزها؛ قلة الخبرات المتبادلة بين المخرجين الفلسطينيين والعرب والأجانب، إضافة إلى ضعف المعدات والإمكانيات السينمائية في فلسطين؛ بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي".

ضعف التمويل وانعدام الخبرة

وتبيّن المخرجة الفلسطينية أنّ "ضعف التمويل وعدم قدرة بعض المخرجين على السفر والدراسة في مجال صناعة الأفلام السينمائية لاكتساب الخبرات، وقلة اهتمام الوزارات والمؤسسات المختصة بدعم السينما الفلسطينية، أدى إلى تحديد نطاق إبداع المخرج، وتنامي الضغوط الذاتية والاجتماعية الموجهة إليه، في ظلّ اقتصار العمل السينمائي على الجوانب الوطنية والسياسية، دون النظر إلى المشاكل الحياتية والاقتصادية والاجتماعية، التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني، والتي تتطلب إبرازها للرأي العام".

اقرأ أيضاً: كيف احتفل "السينماتيك" الفرنسي بيوسف شاهين؟
وتستدرك سرحان بأنّ "الواقع الفلسطيني يتطلب تفعيل دور السينما بشكل كبير بين أرجائها، باعتبارها وسيلة اتصال جماهيرية فاعلة؛ من خلال الاهتمام بتطوير الكوادر البشرية الشابة كي تتعامل مع الوسائل الحديثة في مجال السينما وإنتاج الأفلام الثقافية والاجتماعية المتنوعة، وتعزيز مكانة فلسطين السينمائية عالمياً؛ لإظهار معاناة الشعب الفلسطيني، ولبقاء فلسطين على الخريطة الثقافية والسينمائية العربية والعالمية".

أكوام من الحجارة والأطلال الشاهدة على دمار هذه الدور

اندثار صالات العرض السينمائية

كشفت دارسة قام بها المنسق الإعلامي لجماعة السينما الفلسطينية، تيسير مشارقة، حول أسباب اندثار صالات العرض السينمائية في فلسطين، أنّ الواقع الاجتماعي تحت الاحتلال لم يتغير كثيراً بغياب دور العرض التقليدية، "فقد تم تداول الأشرطة وأجهزة الـ (دي في دي) كأدوات بديلة وتعويضية، من يد ليد، حتى في ظلّ الاجتياح الإسرائيلي للضفة، عام 2002، والحصار المطبق على الضفة الغربية، وطالما أنّ دور العرض لم تخلق واقعاً ومجتمعاً فلسطينياً يرتاد السينما بانتظام؛ فإنّ التعويل على دور العرض التجارية التقليدية في صنع هذا المجتمع لم يعد مجدياً."

معظم دور السينما القديمة في فلسطين هُدمت أو تحوّلت إلى صالات للأفراح، أو مواقف سيارات، أو أكوام من الحجارة

وبينت الدراسة أنّ "هناك تحولات كثيرة في صناعة السينما الفلسطينية، وتطورات هائلة أنبتت جيشاً من صناع الفيديو والمخرجين، الذين بدأ منهم من يتحول إلى صناعة السينما وبإبداعية شديدة، مثل رشيد مشهراوي وآخرين".

وأشارت الدراسة إلى أنّ "دور السينما لم تتحول إلى صالات أفراح، إنما هدمت بالكامل، لما تحمله من معانٍ سياسية واجتماعية بائدة، وأنّ صالات العرض التجارية التقليدية لا تصنع فناً سينمائياً دائماً، إنما النوادي المتخصصة، وحلقات النقد والمشاهدة العلمية هي التي تصنع ذلك، وأن إغلاق أو حرق بعض الدور لم يأتِ من فراغ؛ إنما جاء تعبيراً عن موقف من تلك البيوتات، أو بسبب الظروف السياسية أو الاجتماعية".

اقرأ أيضاً: 5 أمراض نفسية جسدتها السينما وعكست مخاوف المبدعين وهواجسهم

وأوضحت الدراسة أنّ "أكثر ما يمكن أن تقوم به الدور التجارية أن تقدم للجمهور أسابيع عرض أو مهرجانات متخصصة، لكنّ الذي يحدث أنّ عدد رواد هذه العروض ضعيف جداً، وربما شحيح، إلى حدّ أنّ صالة عرض مثل القصبة برام الله، لم تحظَ إلا بمشاهد واحد، جاء لمتابعة فيلم إسرائيلي هو "ابتسامة الجندي" لغروسمان، وكان ذلك الفيلم ضمن مهرجان بعنوان "صورة الفلسطيني في السينما الإسرائيلية"، ولحقه بزمن قليل مهرجان آخر بعنوان "صورة الإسرائيلي في السينما الفلسطينية" وكان الحضور ضعيفاً أيضا"ً.

وتذكر الدراسة نبذة عن أسماء صالات ودور العرض السينمائية، التي انتشرت مبكراً في فلسطين المحتلة، عام 1967؛ ففي غزة تم إنشاء سينما الخضراء، وسينما السامر، وسينما الجلاء، وسينما النصر، وسينما عامر (صيفية)، وسينما الشاطئ. وفي رفح: سينما السلام، وسينما صابرين، وسينما الحرية، وفي نابلس: سينما العاصي، وفي جنين: سينما جنين. وفي رام الله: سينما الوليد، وسينما دنيا، وسينما الجميل، ومسرح السراج (الآن وبعد ترميمه يعمل تحت اسم "مسرح وسينامتيك القصبة"، وفي طولكرم: سينما الأندلس، وسينما الفري. وفي القدس: صالة روكسي، وصالة أديسون، وصالة أوريون، وصالة ريون.

وتشير الدراسة إلى أنّ "معظم دور السينما هذه إما هُدمت أو تحوّلت إلى صالات لحفلات الزفاف، أو مواقف سيارات، مثل؛ سينما دنيا برام الله، أو أكوام من الحجارة والأطلال الشاهدة على دمار هذه الدور التي كانت عامرة بالأفلام وروادها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية