بانوراما 2018: نماذج مضيئة لمكتسبات المرأة العربية

بانوراما 2018

بانوراما 2018: نماذج مضيئة لمكتسبات المرأة العربية


24/12/2018

رغم الكبوات التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط؛ حيث الحروب والاضطرابات في عدة بقاع، إلّا أنّ هذا لم يجعل نضالات فئوية ومؤسسية تستسلم لليأس، فتمكنت من انتزاع بعض المكتسبات، التي تعزز حقوق المواطن العربي، وتمنح مزيداً من الأمل في مستقبل أفضل لسكان المنطقة، خاصة بعد ما آلت إليه احتجاجات "الربيع العربي" التي اندلعت العام 2011 في عدة دول.

اقرأ أيضاً: هل حقوق المرأة غير حقوق الإنسان؟!

ترصد "حفريات"، في هذا التقرير، بعض الومضات الإيجابية في مسيرة حقوق الإنسان العربي للعام 2018، لاسيما المرأة، في كل من تونس والسعودية والمغرب، التي قدمت نموذجاً وحافزاً بغد أفضل في هذا الطريق الطويل أسوة بالشعوب الأخرى عبر تاريخها.

تونس.. حرب على الفساد والتمييز

في أعقاب "الربيع العربي"، العام 2011، ورغم التحدّيات والعراقيل التي شهدتها الساحة السياسية بعد صعود تيار الإسلام السياسي في البلاد، استطاعت منظمات المجتمع المدني دفع الحركة الثورية للأمام، ومثلت التشريعات الأخيرة سبقاً في تعزيز حقوق المواطنين في الجمهورية التونسية وتكريس الحريات التي كفلها الدستور.

مساواة المرأة في الميراث مع الرجل

حيث صادق مجلس نواب الشعب التونسي، على تعديلات مهمّة في قانون الإجراءات الجزائية، وبمقتضاها؛ يحقّ للمشتبه به الاتصال بمحاميه على الفور في حال توقيفه، ومن حقّه كذلك لقاء محاميه الخاص على انفراد لمدة لا تتجاوز نصف الساعة، وهو ما سيقلص إمكانية تعرّضه للتعذيب وسوء المعاملة، وانتزاع الاعترافات قسراً، وبمقتضى التعديلات أيضاً تتقلص فترة الإيقاف التحفظي، من ثلاثة أيام إلى مدة لا تتجاوز اليومين، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، ولا يشمل هذا الإجراء المشتبه بهم في قضايا إرهابية، الذين يحرمون من حضور المحامين لمدة لا تتجاوز 48 ساعة.

مثلت التشريعات الأخيرة سبقاً في تعزيز حقوق المواطنين في الجمهورية التونسية وتكريس الحريات التي كفلها الدستور

وفي إطار إعلان حكومة رئيس الوزراء التونسي، يوسف الشاهد حربها العامة على الفساد، وبموجب قانون الطوارئ المُعلن منذ الأحداث الإرهابية العام 2015، تم توقيف مجموعة من رجال الأعمال المتهمين بالفساد، على رأسهم "شفيق جراية"، أحد أشهر رجال الأعمال التونسيين، والذي كان له تأثير كبير في الحياة السياسية، وتحوم حوله شبهات متعلقة بالأنشطة المالية وارتباطه بالعديد من السياسيين في تونس وليبيا، إضافة إلى علاقاته المشبوهة ببعض المهربين، وهو ما أورده التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

اقرأ أيضاً: تمكين المرأة يضع الإمارات في مصاف الدول المتقدمة

وفي لحظة تاريخية، صادق البرلمان التونسي في 10 تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018، على قانون يجّرم العنصرية، لتكون بذلك تونس الدولة الأولى في العالم العربي التي تسن قانوناً مماثلاً.
وقد لاقى هذا القرار ترحيباً من المجتمع المدني الذي دعا للعمل على تغيير العقليات والأفكار السائدة في المجتمع بالتوازي مع ذلك.

اقرأ أيضاً: حجاب المرأة بين سلطة التدين ووصاية العلمانية
ويقصد بالتمييز العنصري وفق هذا القانون الذي يحمل رقم 11/2018 "كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو النسب أو غيره من أشكال التمييز العنصري".
وكانت عدة مؤسسات من المجتمع المدني، طالبت منذ "الربيع العربي" بإقرار قانون يجّرم العنصرية في تونس.

اقرأ أيضاً: نضال المرأة لانتزاع حقوقها ليس وليد القرن الـ19
كما صادق مجلس النواب التونسي، في 27 تموز (يوليو) 2018، على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، وذلك بإجماع جميع الأعضاء دون تحفظ؛ حيث جاءت تلك المصادقة إثر الدراسة التي نشرتها اللجنة الوطنية للمرأة العاملة، التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، بمناسبة يوم المرأة العالمي، في الثامن من آذار (مارس) 2015، التي أوضحت، بما لا يدع مجالاً للشكّ، تصاعد موجة العنف الموجه ضدّ المرأة في كلّ المجالات، عقب انتفاضة 14 كانون الثاني (يناير) 2011، الأمر الذي حوّل قضية العنف ضدّ المرأة إلى قضية مجتمعية، تتحمّل الدولة مسؤولياتها؛ عبر الوقاية من العنف داخل المؤسسات، وأهم ما جاء به القانون؛ كان اتخاذ التدابير اللازمة لمتابعة حالات ضحايا العنف، والتكفل بدعمهنّ نفسياً، وإرشادهنّ إلى التدابير القانونية الواجب اتخاذها كما استجاب السلطة التشريعية للاحتجاجات الشعبية، في أواخر العام 2017، إثر قرار صادر عن المحكمة الابتدائية بمدينة "الكاف"،  بتزويج قاصر من مغتصبها، وصادق المجلس على تنقيح الفصل (227) مكرّر؛ الذي يقضي بإيقاف التتبعات ضدّ المغتصب، بمجرد زواجه من الضحية.

اقرأ أيضاً: المرأة في المِخيَال السلفي... قطعة لحم على خشبة الجزّار!
وفي 13 آب (أغسطس)2017، الذي تحتفل فيه المرأة التونسية بيومها الوطني؛ أثار خطاب الرئيس، الباجي قايد السبسي، جدلاً كبيراً، حين دعا إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، انطلاقاً من مبدأ المساواة التي أقرها الدستور، والتي يجب أن تشمل كلّ جوانب الحياة، وفي 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، تمت المصادقة من رئيس الجمهورية على هذا التوجه القاضي بمساواة المرأة في الميراث مع الرجل، بما يتماشى مع حقوق النساء، التي تصبّ في مصلحة الوطن بشكل عام، الأمر الذي لاقى رفضاً من جهات محافظة في تونس في مقدمتها حزب النهضة.

المملكة العربية السعودية... خطوات على الطريق

شهد العام 2018 تتويج نضال النساء السعوديات المستمر بالنجاح، فيما يخصّ قيادتهن للسيارات، وعدم أخذ إذن ولي الأمر في التعامل مع المؤسسات الحكومية، في خطوة غير مسبوقة، أذاعها في بيان رسمي بعد عقد مؤتمر صحفي في واشنطن، الأمير خالد بن سلمان، سفير المملكة في أمريكا، بالسماح للنساء في السعودية بقيادة السيارات، واستخراج رخصة القيادة لكلّ من تجاوزت 18 عاماً من العمر، وجاء هذا القرار في إطار خطة عمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على بعض الإصلاحات التي تخصّ المرأة السعودية، والتي شملت أيضاً السماح للسيدات بحضور الفاعليات الرياضية، وتنشيط الجانب الفني والثقافي، ومشاركة المرأة فيه.

اقرأ أيضاً: المرأة السعودية سعيدة.. والسبب السينما

يعد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة خطوة أولى

ويعد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة خطوة أولى، في إطار 20 بنداً من المكتسبات التي حصلت عليها نساء السعودية للعام الحالي، أهمها: منع الإجبار على الزواج من قبل ولي أمرها، واشتراط أن يسمع المأذون موافقة الزوجة قبل إقرار العقد، وحصول الزوجة على نسخة من عقد الزواج خاصة بها، كما تمّ فتح المجال لعمل النساء في 5 مجالات داخل وزارة العدل، وتمّ إصدار 244 رخصة مزاولة مهنة المحاماة لنساء سعوديات، كما حصلت المرأة السعودية على حقّ الولاية على طفلها فترة الحضانة، مما يسهل عليها مراجعة الأحوال المدنية والجوازات والسفارات وإدارات التعليم وغيرها من الجهات.

توّج نضال النساء السعوديات بالسماح لهن بقيادة السيارات وعدم أخذ إذن ولي الأمر بالتعاملات الحكومية

كما أقرت المملكة بأولوية النفقة للمرأة المطلقة؛ حيث تأتي في البند الأول لديون الرجل، كما تمّ فتح مجال العمل البحثي (اجتماعي، شرعي، قانوني) أمام النساء، إضافة إلى إمكانية العمل كمساعدة إدارة أو مطورة برامج أولى، أيضاً تمّ السماح للمرأة بدخول الدوائر القضائية دون حاجتها إلى ولي، كما تستطيع المرأة السعودية الآن إثبات حضانتها لأطفالها دون رفع دعوى قضائية، ما لم تكن هناك خصومة بينها وبين والد أطفالها، إضافة إلى أحقية المرأة السعودية بالحصول على استحقاق أسرتها المتغيّب ربّها، أو المفقود، في معاش التضامن الاجتماعي بإقرار اثنين من الأقرب، دون الحاجة إلى موافقة المحكمة.

المملكة المغربية.. تعزيز حقوق المرأة

رغم نجاة المملكة المغربية من تيار "الربيع العربي"، العام 2011، إلّا أنّها انجزت سلسلة من الإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسسية، قلّما يوجد نظير لها في البلدان العربية.

توسيع دائرة تجريم التحرش الجنسي في المغرب

شهد المغرب توسّعاً في إجراءات قانونية تعزز حقوق المرأة، أهمها؛ دخول القانون (79.19)، المتعلق بإحداث "هيئة المناصفة ومكافحة كلّ أشكال التمييز"، حيّز التطبيق، بعد نشره في الجريدة الرسمية، في 12 تشرين الأول (أكتوبر)، الذي ينصّ على حماية فعّالة من العنف والتمييز ضدّ النساء، كما تمّ التصديق على قانون مكافحة العنف ضدّ النساء، وتوسيع دائرة تجريم التحرش الجنسي في المغرب، الذي دخل حيّز التنفيذ في أيلول (سبتمبر)، وينصّ على: "يعاقب بالسجن من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من 200 درهم إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى العقوبتين، كلّ من أمعن في مضايقة الغير في الأماكن العامة، أو سواها من الأماكن، بأقوال أو إشارات، أو أفعال لها دلالات جنسية، أو عن طريق وسائل مكتوبة أو إلكترونية، أو هاتفية، سواء تسجيلات صوتية أو صور ذات طبيعة جنسية، أو لأغراض جنسية".

اقرأ أيضاً: هل تؤمن أنّ المرأة أقل كفاءة من الرجل ولا تصلح للقيادة؟!
وينصّ بند آخر من القانون على "عقوبة حبسية من ثلاث إلى خمسة أعوام، وغرامة خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم، إذا كان التحرش مرتكباً من أحد الأصول، أو المحارم، أو إذا كانت للمتحرش ولاية أو سلطة على الضحية، أو إذا كان مكلّفاً برعايتها، أو كافلاً لها، وإذا كانت الضحية قاصراً"، الأمر الذي ترتّب عليه وقف فنان تشكيلي ستيني، في مدينة فاس المغربية، بعد أن وجّهت له سيدة تهمة التحرش بها في الشارع العام، ليكون أوّل مغربي خضع لهذا القانون الجديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية