قتل خاشقجي.. الاستثمار الدولي والعربي بالحادثة

قتل خاشقجي.. الاستثمار الدولي والعربي بالحادثة


22/10/2018

مات جمال خاشقجي، وهذا ليس مجرد خبر بحد ذاته، إنه عنوان عريض لخبر لمّا يكتمل حتى يكمل المتربصون والأعداء والشامتون والباحثون عن الحقيقة نزقهم العنيد تجاه المملكة العربية السعودية، وحتى تكمل دوائر الشك كل ما يمكنها أن تفكر فيه.

الرواية السعودية حول حدث القتل وملابساته ومجرياته وتفاصيله، ليست الرواية الوحيدة التي يتعامل معها العالم والرأي العام العالمي، بل هناك ثلاث روايات متعددة من خلال ثلاث عقليات تفاعلت وتعاملت مع حدث قتل خاشقجي، كل عقلية عملت على بلورة فكرتها باتجاه تستطيع منه استثمار وتوظيف الحادث بما يخدم مصالحها.

الكاتب الصحفي أوسكار ريكت: دونالد ترامب دكتاتور برتقالي اللون يطاردني في أحلامي

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعقليته المقلقة وباهظة التكاليف جداً - التي قال عنه الكاتب الصحفي أوسكار ريكت إنه دكتاتور برتقالي اللون يطاردني في أحلامي - تعامل مع الحدث على طريقته التقليدية والتي تعامل بها كثيراً حتى قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، إنها العقلية التحايلية فهو، كما يقول عن نفسه، "أنا أعرف كيف أتحايل على النظام القائم، حتى أبطل آثاره السلبية"، فعرف من أين تؤكل الكتف في قضية خاشقجي، وعمل على تكثيف آثارها السلبية وتطويقها وإعادة توجيهها بشكل أكثر قوة وصرامة، كما عمل على إشعال فتيلها وسكب الزيت على لهبها وإطلاق العنان لأيٍ كان لكي يدلي بدلوه فيها كي تكبر أكثر وتصبح وجبة دسمة يمكن استثمارها واستثمار تداعياتها بما تنطوي عليه عقلية "التاجر الشاطر".

اقرأ أيضاً: سيناريوهات ما بعد رواية السعودية حول وفاة خاشقجي

إنها عقلية التاجر الذي يشتري ويبيع في الحدث وعواقبه وتداعياتها، فاعتراف ترامب برواية السعودية ومحاولة الالتفاف على هذا الاعتراف بقوله إنّ الحادث له عواقب وخيمة، يعني استثمارات ومكتسبات وخيمة؛ فالقضية بالنسبة له ليست قضية موت ولا شخص ولا شجار..، إنما هي فرصة لصناعة أزمة بعواقب وخيمة، ثم توقع فائدة كبيرة من جراء هذه العواقب الوخيمة.

العقلية الثانية التي تعاملت مع قضية خاشقجي هي عقلية المستثمر، وقد يبدو أفضل من يمثلها "تركيا" التي حدثت كل القصة على أراضيها، وإن كانت داخل محيط صغير تعود السيادة فيه لغيرها. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإن كان يبدو عليه مهتماً بالتفاصيل والحقائق، لكنه معنيّ أيضاً باستثمار هذا الحدث، لاسيما وأنه لمّا يزل يحاول الخروج من أزمتين أو علاقتين ملتبستين مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع المملكة العربية السعودية.

اقرأ أيضاً: حادثة خاشقجي... بحثاً عن الحقيقة لا عن السَّبق!

العقلية الثالثة هي تلك العقلية المصابة بداء الثأرية أو العدائية أو ما يمكن أن يسمى "ظلم ذوي القربى" من الدول العربية التي شحنت كل طاقتها السلبية تجاه المملكة العربية السعودية بهدف الثأر لعلاقات حرجة معها أو خلافات أو أزمات ناشئة عن وجهات نظر ومواقف متباينة، ولأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة فإنه أقطع للرحم وأعمق أثراً؛ إذ نرى العالم كله يتكالب على دولة عربية ليست الأولى التي يُقتل لها مواطن بأيدي مواطنين، وفي أروقتها.

لا أحد ينكر مستوى الجريمة في مقتل جمال خاشقجي، ولا أحد يجرؤ أن يعتبر الحادثة طبيعية وعادية، ويمكن تجاوزها بسهولة دون موقف حازم من صاحبة الشأن الرئيسي بالقضية وهي المملكة العربية السعودية، لكن أيضاً لا أحد يمكنه أن ينظر ببراءة لمستوى هذا التصعيد العنيف، ولا أن يقف في زاوية محايدة تجاه محاولات عربية تحديداً نحو شيطنة دولة عربية أخرى، لاسيما وفي بعض أو أغلب الدول العربية ما فيها من مستويات عالية للجريمة والقتل خارج القانون والأحداث التي لو تمت برمجة رد الفعل تجاهها بالطريقة التي تمت برمجة ردود الفعل تجاه ملف قتل جمال خاشقجي لتسببت في انهيار دول وأنظمة، لكن يبقى تحت الأكمة ما تحتها.

ليست السعودية وحدها المتهمة، بل كل من يحاول أن يبدو منطقياً في التعامل والتفكير بالقضية وارتداداتها هو مدان ومتهم

الجميع يعلم الخصوم والأعداء والتجار والمستثمرين الجشعين بالحوادث، بأن المملكة العربية السعودية مستهدفة وهي على قائمة محاولات خلق فتنة داخلية فيها على غرار ما حدث في بعض الدول العربية، كجزء من مخطط شمولي لاستهداف الدولة القُطرية العربية وإعادة إنتاج خريطة شرق أوسطية جديدة، ومع ذلك فنحن نمعن في الذهاب إلى آخر الشوط في تهيئة الظروف الموضوعية وغير الموضوعية لهذا الاستهداف، الذي بدأ في العراق ولم ينته في سوريا ولا في اليمن ولا حتى في تونس التي تصنف على أنها أوفر الدول العربية حظا من تبعات ما سمي بالربيع العربي.

ليست المملكة العربية السعودية وحدها المتهمة، بل كل من يحاول أن يبدو منطقياً في التعامل والتفكير بالقضية وارتداداتها هو مدان ومتهم، ولا غالب ولا منتصر في هذه التصعيدات الخطيرة إلا من لديه مخطط قوي لاستثمار عيوب الآخرين.. وعلى ما يبدو أننا نحن العرب مليئون بالعيوب، وبعضنا يتفنن في خلق هذه العيوب وإنتاجها عبر آلة عمياء لا ترى فيما تنتج من جريمة بحق أنفسنا ومستقبلنا ومصيرنا.

من الحرية أن ننتقد وندعو للتحقيق في مقتل جمال خاشقجي، وكشف الملابسات والحقائق حولها، لكن ثمة من لا يريدون حقيقة ذلك، بل إنهم لا يريدون إلا حقيقة واحدة، وهي كيف يمكن إحراج موقف المملكة العربية السعودية للتجارة أو للاستثمار أو للثأر منها.

الصفحة الرئيسية