كيف يعيش اللاجئون المسلمون إيمانهم في فرنسا ؟

كيف يعيش اللاجئون المسلمون إيمانهم في فرنسا ؟


كاتب ومترجم جزائري
07/10/2018

ترجمة: مدني قصري


بعدَ الفرار منَ القنابل السورية، أو القمع في أفغانستان، كان على المسلمين الذين يجدون ملجأً في فرنسا، أنْ يتعرّفوا على مبدأ العلمانية.

ثلاثةُ أفغانيين، وشابة سورية، يشهدون على هذه الطريقة الجديدة في عيشِ دينهم.

هربَ حميد، وجيهان، ومحمد، ونويد من سوريا وأفغانستان، لبَدء حياة جديدة في فرنسا، بعيداً عن الحروب والاضطهاد. فبعد العيش تحت ضغوط الشّريعة الإسلامية، كان على هؤلاء اللاجئين أنْ يستوعبوا إطاراً قانونياً جديداً: العلمانية. بالإضافة إلى الصدمة الثقافية التي واجهوها، اكتشفَ هؤلاء الشباب الثلاثة وهذه المرأة*، بلداً لا يُهيمن فيه الدين، ولا تقيّد ممارستُهم للدين حياتَهم اليومية. فهم مدعوّون للعيش في "جمهورية علمانية غير قابلة للتجزئة " تضمنُ المساواة أمام القانون لجميع المواطنين، دون تمييز في الأصل، أو العرق أو الدين، مع احترام جميع المعتقدات. كما أنهم مدعوّون لترك جمهورية أفغانستان الإسلامية، حيث تنص ديباجة الدستور على ما يلي: "نحن، شعب أفغانستان: نؤمن إيماناً راسخاً بالله العظيم، بالاعتماد على إرادته الإلهية، والالتزام بالدين المقدس للإسلام".  هنا لاحظ هؤلاء الشباب فرقاً كبيراً لا يخلو من دلالات وعواقب على حاضرهم ومستقبلهم.

لم يكن نويد ومحمد يعرفان المسيحية أو اليهودية

الديانات غير ديانة الإسلام مجهولة في أفغانستان

غادر حميد ومحمد ونويد أفغانستان في عام 2016. وبالرغم من انتمائهم إلى مجموعاتٍ عرقية مختلفة، محمد ونويد من طائفة الباشتون، فقد نشآ في بلد إسلامي. في الإسلام، تعني الشريعة الطريقةَ التي يتّبعها المسلمون. كانت حياتهم اليومية تسير على وتيرة الدين. وفي أيام الجمعة، على سبيل المثال، هناك عطلة في أفغانستان والعديد من البلدان الأخرى التي يحكمها هذا القانون. بعد المدرسة القرآنية، دخل حميد ومحمد الجامعة. وبالإضافة إلى دورات الاقتصاد والعلوم، تُعتبر دروس الدين إلزامية. وباستثناء الدين الإسلامي تظل المعتقدات الأخرى في أفغانستان مهملة.

اقرأ أيضاً: لاجئون أبطال يستدرجون الأمل ويعانقون بمواهبهم روح الإنسانية

بصرف النظر عن رمز الصليب، لم يكن نويد ومحمد يعرفان المسيحية أو اليهودية، اللتين اكتشفاهما عندما وصلا إلى فرنسا. يقول حميد، على شبكة الإنترنت: "في أفغانستان، هناك حديث قليل عن الأديان الأخرى. لقد علمتُ بوجود هذه الديانات من خلال أبحاثي وقراءاتي. قضيت وقتي في انتقاد هذا الافتقار إلى الانفتاح. عندما أذهب إلى المسجد، كنت أُزعج أساتذتي بسؤالهم عن سبب معرفتهم الكثير عن الإسلام والقليل جداً عن الديانات الأخرى. يحتاج علماء الإسلام إلى معرفة شيء آخر غير الإسلام. "

سمُّ وسائل الإعلام الأفغانية

تظاهرَ حميد لعدة أسابيع في الجامعة، لتشجيع انفتاح العقل والفكر، وهو الأمر الذي أجبره في النهاية على مغادرة البلاد. ففي رأيه، أنه إذا لم تكن الشريعة حلاً، فإن الخطر الحقيقي يأتي من الرجال: "الرجال الذين يريدون أنْ يصبحوا أئمة يذهبون لسنة أو سنتين إلى حدود باكستان، ويتعلمون القرآن فقط. وهكذا يصبحون أئمة، بينما هم لا يملكون أية معرفة، ولا أي تدريب ديني شرعي. هؤلاء أنفسهم هم الذين ينشرون أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت. ويوضّح حميد أنّ تعلّم اللغاتِ الأجنبيةَ، أو السفر، يجعل منك مسلماً سيّئاً. المشكلة في أوروبا مع الأئمة المعروفين بنشر الوعظ هي نفسها. على الرغم من العلمانية، ينبغي على الحكومة الفرنسية التحدث مع الممثّلين الدينيين، وإنشاء برنامج تدريبي حقيقي. "

الدين يُصبح شأناً شخصياً لا شأناً رسمياً للدولة

في عالم مختلف تماماً

أضحت فرنسا عالماً آخرَ مختلفاً، حيث الدين يُصبح شأناً شخصياً لا شأناً رسمياً للدولة. وعلى الرغم من انخفاض شهيتهم للدين، كان لدى هؤلاء الأفغان فكرة مسبقة عن أوروبا: "في بلد إسلامي، يعلموننا أنّ الإسلام لا مكان له في أوروبا. على الأقل، هذا ما تروّجه وسائل الإعلام لنصدّق. فهم يعرضون لنا صوراً لأشخاصٍ يرتدون ملابسَ مختلفة، بصورة مروّعة وصادمة وخادشة أحياناً. أدركتُ أنّ هذا هو الواقع بالفعل، ولكنْ أدركتُ أيضاً أنّ المسلمين لديهم مكانُهم ويمكنهم العيش بحرية، يقول حميد. نويد ومحمد تعلّما وجود مصطلح "العلمانية" عند وصولهم إلى فرنسا.

لم يكن نويد ومحمد يعرفان المسيحية أو اليهودية اللتين اكتشفاهما عندما وصلا إلى فرنسا

وصل نويد، وهو من البشتون، البالغ من العمر 15 عاماً، وحدَه، وواجه هذه الحقيقة العنيفة: "كانت الأيام الأولى صعبة للغاية. لاحظتُ وأدركتُ أنّ لا أحدَ يُمارسُ طقوسه الدينية علانية، وأنّ الناس يعملون أيام الجمعة. لذلك طلبت من الله أنْ يحميني، وقررتُ ألا أُخبر أحداً بأنني مسلم. كنت خائفاً من ردّ فعل الناس، لأنني لم أكن أعرفُ أيّ مكان يحتله الإسلام في فرنسا

من ناحيتها، صُدمت جيهان كثيراً، وهي امرأة سورية وصلت إلى فرنسا عام 2016، وتشوّش عقلها أمام حرية الممارسة الدينية: "دينك – في فرنسا - ليس مهمّاً، لا أحد يتدخل في معتقدك. سواء كنت ترتدين الحجاب، أم لا، سواء كنت تصومين رمضان أم لا، فهذا لا يهم أحداً. أنت حرّة في اختياراتك. في سوريا، كان كل الناس يُعلّقون على كل حركاتي، وكان هذا يرهقني كثيراً".

يمكن للزوج أنْ يطلب من زوجته ارتداء الحجاب، فيما هي لم تكن ترتديه في بلدها

أزواج مهزوزون

وفقاً للأب أنطوان باومارد، مدير خدمة اللاجئين اليسوعيين في فرنسا، يواجه الأزواج والزوجات أحياناً صعوبات إضافية: "يمكن أنْ يكون المنفى عاملاً مهماً في علاقتهم. تتغير ممارسة الدين كثيراً عند وصولهم إلى فرنسا. أحياناً يفقد أحدهم الإيمان، بينما يحتفظ الآخر به. ما يعني أنّ مخاوف جديدة تطفو.

يمكن للزوج أنْ يطلب من زوجته ارتداء الحجاب، فيما هي لم تكن ترتديه في بلدها.

اقرأ أيضاً: إكراهات الزواج والطلاق لدى الأقباط المصريين

مبدأ العلمانية، كما يقول حميد، يمكن أيضاً أن يُعطّل بعض الناس. فمن بين أصدقائه، قرّر بعض الآباء العودة إلى أفغانستان. فبِحكم إدراكهم للواقع الفرنسي، فضّلوا تربية أبنائهم في بلد إسلامي أكثر تماشياً مع عقليتهم وثقافتهم: "أعرف اثنين أو ثلاثة ممن غادروا فرنسا، لأنهم لم يستطيعوا عيشَ عقيدتهم الإسلامية كما يريدون. لقد كانوا واضحين كل الوضوح: لو كانوا عُزاباً، لكانوا مكثوا في فرنسا. ولكن، بما أنهم متزوجون، فإنهم يريدون العودة. على سبيل المثال، لا يريدون أن تختلط بناتهم مع الأولاد. فإن أعادوهنّ إلى فرنسا، سيفقدون السيطرة عليهن لا محالة. 

لا صلة لداعش بالدين

بالإضافة إلى ذلك، أصبح اللاجئون واعين للمشاكل التي قد يواجهونها كمسلمين في فرنسا وأوروبا بشكل عام. في هذا الشأن يوضح حميد، ومحمد، ونويد، أنّه يجب عليهم تبريرَ وضعهم باستمرار. الرجال الثلاثة بصرامة: الإرهابيون لا يمثلون الإسلام بأي حال من الأحوال.

اقرأ أيضاً: كيف يخطط الرئيس الفرنسي لتنظيم الإسلام في فرنسا؟

وفقاً لحميد، مرة أخرى، فإنّ كل شيء مرتبط بالتعليم: "يجب التوضيح بأنّ داعش والمسلمين ليس بينهم أي صلة على الإطلاق. عندما يقول الإرهابيون إنهم يقاتلون من أجل الإسلام، ينبغي ألا ندعهم يفعلون ذلك. فهم عندما يقتلون في أفغانستان، أو في فرنسا، أو في أي مكان آخر، فإنهم لا يميزون بين المسلمين والمسيحيين".

توظيف الدين لأغراض سياسية

بعد عدة أعوام في فرنسا، ما تزال تطارد جيهان مشاهد كثيرة من عمليات الإعدام، أو التعذيب في سوريا. ووفقاً لها، فالمسألة ليست مسألة دين، بل هي استخدام الدين وتوظيفه كأداة لأغراض سياسية ليس إلا. وتأسَفُ جيهان على هذا الخلط الذي يفاقم صدمة اللاجئين في فرنسا وأوروبا.

يعاني المسلمون القادمون من جنوب الصحراء، من صدمات بسبب مرورهم في ليبيا

المسلمون أوّل ضحايا الإسلاميين

كما عاش الأب أنطوان باومارد في أفغانستان لأعوام عديدة. وإدراكاً منه للوضع القائم هناك، فهو يتشبث بخطاب قاطع: "كان مسلمو هذا البلد في الحرب أوّل ضحايا الاضطهاد من قبل المسلمين الآخرين. كنت أعيش في كابول في زمن طالبان، ولديّ فكرة واضحة عما عاشه الأفغان في أوروبا. كما يعاني المسلمون القادمون من بلدان إفريقيا، جنوب الصحراء، من صدمات بسبب مرورهم في ليبيا. الغالبية العظمى لا تريد العيش في مكان عام تهيمن عليه الشريعة. "

دور الجمعيات

لدى وصولهما إلى فرنسا، تلقى محمد ونويد مساعدة من عدة جمعيات. بالإضافة إلى الإغاثة المادية. تقوم هذه الجمعيات بتنظيم اجتماعات مع اللاجئين الآخرين الذين حصلوا من خلالها على عنوان مسجد ترتاده الجالية الأفغانية. منذ ذلك الحين، ومحمد يذهب إلى المسجد بشكل شبه يومي: "في أفغانستان، يؤدى النداء إلى الصلاة إلى توقف كل الأنشطة. لا أشعر بفرق كبير هنا، إلا أنني لا أستطيع الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة، لأني أعمل. لكنني تمكنت من تأخير صلواتي. أنا أعيش بشكل أفضل، من دون قيود الشريعة، أشعر أكثر بالاستقلالية، وأحس بأنني أكثر حرية، حتى في إيماني. "

اقرأ أيضاً: تفاصيل المشروع السري للإخوان بفرنسا.. وما حقيقة الدعم القطري؟

كما اضطر محمد ونويد، إلى التخلي عن اللباس التقليدي. "عندما جئت إلى فرنسا، اعتدتُ ارتداء الملابس التقليدية. لكن بعد اعتقالي عدة مرات، قررتُ أن أرتديها فقط للذهاب إلى المسجد. صرت أفتقده قليلاً، لأنه بالنسبة لي جزء من هُويتي، وديني."

لم تكن جيهان تمارس طقوسها الدينية أبداً، حتى عندما كانت تعيش في سوريا. وهي تعتقد أنّ الدين يجب أنْ يكون شخصياً، وترى أنّ الشريعة كثيراً ما لا تتجسد إلا في الكثير من الحقائق الزائفة. لعدة دقائق، ظلت مُعلّمة اللغة الإنجليزية هذه تبحث عن كلمة تعتقد أنها أساس الحرية.


المصدر: (lemondedesreligions (Le Monde

*تم تغيير الأسماء

الصفحة الرئيسية