الإخوان وتركيا: المتاجرة بالشعارات باسم فلسطين

الإخوان وتركيا: المتاجرة بالشعارات باسم فلسطين


07/01/2020

منذ وعي الدول العربية بوجودها الحديث، شكلت مسألة احتلال فلسطين العامل الأول في علاقاتها المختلفة فيما بينها، وبين العالم، وأصبحت القضية التي يمر عليها اليوم أكثر من 70 عاماً، دون أي تقدم حقيقي باتجاه تحصيل الشعب الفلسطيني حقوقه في مواجهة الاحتلال، معياراً للأفراد والمثقفين والجماعات والدول العربية، من خلال تعبير كلٍ عن موقفه أو إجراءاته تجاهها.
وبالمقابل، أصبحت "إدارة الأزمة"، وتوظيفها في صالح قوى سياسية وجماعات، حالةً مفضلة لكسب قلوب الشعوب والقيام بتوجيهها، بغض النظر عما يجري على أرض الواقع من انتهاكات لا زالت مستمرة، وآخرها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة "إسرائيل"، وهو ما جوبه كذلك بكومةٍ جديدة من الشعارات، لها أبطالها، ومنهم تركيا وجماعة الإخوان في مصر تحديداً، التي غابت مؤخراً عن التمثيل الشعبي المصري الرافض لقرار ترامب.
الإخوان: الواقع والمصلحة
"إن صيغة الخطابات الدبلوماسية أمر بروتوكولي"، بهذه العبارة، برر المتحدث الأسبق باسم رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي، ياسر علي، الصيغة الحميمة إن صح التعبير، للرسالة التي رد فيها مرسي على برقية تهنئة شمعون بيريز له بتولّي رئاسة جمهورية مصر، وهي الرسالة التي حملت في مقدمتها عبارة "صديقي العظيم"، الموجهة إلى بيريز.

أسلوب حكم الإخوان في مصر، المعتمد على فتاوى "الواقع والمصلحة"، لا يبشر بخير تجاه فلسطين

ويشكل تبرير علي، زاوية نظر للسياسة المصرية تجاه فلسطين خلال فترة حكم مرسي، والتي لم تبتعد عن عقلية "الواقعية وإدارة الأزمة" التي انتهجها رؤساء سابقون، ولم يتجاوز ممثل جماعة الإخوان المسلمين في سدة الحكم محمد مرسي نهجهم.
وانطلاقاً من التناقض الشهير في فتاوى الشيخ عبد الرحمن البر، مفتي جماعة الإخوان خلال عهد مرسي، الذي أفتى بـ "أن كل من يسعى لإسقاط النظام خارج عن طاعة الحاكم"، ثم أفتى بخروج الناس في مظاهرات معارضة بمجرد سقوط نظام مرسي، كما يذكر الباحث "عقل صلاح" في كتابه الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2016 بعنوان "حركة حماس وممارساتها السياسية والديموقراطية من 1992 إلى 2012"، وهو ما يبينُ عدم الوضوح في السياسة الداخلية المصرية بحسب أسلوب حكم جماعة الإخوان في مصر، المعتمد على فتاوى "الواقع والمصلحة"، التي لا يمكن أن تبشر بخير تجاه السياسة الخارجية بشأن فلسطين أو غيرها. وهو ما أكد عليه الشيخ يوسف القرضاوي أيضاً، بدعوة العرب والمسلمين للجهاد في مصر بمجرد سقوط حكم مرسي "متناسياً فلسطين وأهلها وقضيتها"، كما يذكر المصدر ذاته.
جماعة الإخوان، تلقي بكل بساطة المسؤولية عن كاهلها بخصوص عدم وضوح برامجها التنموية والسياسية، وتستعيض عن أسلوبها المتصلب الذي تسبب بفوضى عارمة إبان حكمها في مصر، بترديد شعارات الدعم "للمقاومة الإسلامية في فلسطين"، وتستأثر بالتعبير عن هذا الخطاب متسلحة بالدين، وهو ما يعبر عنه صلاح من بوابة حركات حماس في كتابه المذكور آنفاً.

أما حركة حماس، التي تولت السلطة منذ نجاحها بالانتخابات التشريعية في فلسطين عام 2006، فلم تتجاوز سقف اتفاقات أوسلو التي كانت تعيب على الزعيم الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، عقدها. إنما تجلت سياستها بالتسويق لخطابها الديني والسياسي الخاص، من خلال احتكار المقاومة في غزة والتحكم بالفصائل الفلسطينية الأخرى هناك، وربط مواجهة "إسرائيل" أو عدم مواجهتها بمصالحها، وبما يظهر غزة منطقة قادرة على أن تتخذ شكل "الدولة"، وتقودها حماس. وهو ما ظهر جلياً بعد تعديل حماس لوثيقتها العام الحالي، وقبولها ببنود اتفاقات عام 1967 وتوصيفها الصراع مع "إسرائيل" أنّه "سياسي لا ديني"، وفق الوثيقة.

ولم توفر جماعة الإخوان جهداً في تجنيد الناس أو كسب تأييدهم من خلال دعمها بالشعارات قطاع غزة وحركة حماس فقط، متناسيةً أنّ فلسطين لا تحدد بجزءٍ واحد، أو فصيلٍ واحد، وهي التي دفع شعبها بكل أطيافه الغالي والرخيص، دفاعاً عن أرضها.

 



تركيا والتناقض الأيديولوجي
الاستفادة مما سبق ذكره من تناقض، لا تعود على حركة الإخوان المسلمين وحدهم، والتوجه إلى مشاعر الجماهير العربية من منظورٍ "ديني نضالي" ضد إسرائيل، وخصوصاً بوجود حركةٍ "نضالية" لا تنكر جذورها الإخوانية كحركة حماس، جعل من فلسطين دوماً، قضيةً قابلة للاستغلال، ولعل اسم تركيا لمع بشدة في سماء غزة تحديداً، لا كل فلسطين، منذ قيام حركة حماس بالانقسام، والابتعاد مسافةً كبيرة جداً عما تسميه "القضية الأساسية"، وباحتكارها "للتصعيد أو عدم التصعيد" مع إسرائيل، متخذة مدينة غزة الفلسطينية قاعدة لها؛ حيث بدأت تركيا ممثلة بأردوغان وحزبه الإسلامي "العدالة والتنمية" تطفو على السطح.
ويبدو أنّ الموقف التركي الذي اعتمد أصلاً على تقوية وجوده من خلال حركة حماس، لا يعدو كونه مجرد موقفٍ سياسي تحكمه المصالح هو الآخر. ويذكر تقرير نشره معهد "ليفانت" للدراسات على موقعه بتاريخ 13 آذار (مارس) 2016، أن "العلاقة التركية الإسرائيلية محكومة أحياناً بالمواقف السياسية من مستجدات المنطقة فتارة تكون العلاقات في أوجها وهنا يكون تجاهل مقصود من أنقرة لما يجري في فلسطين، وعندما تتوتر العلاقات تتخذ تركيا مواقف ضد تل أبيب".

أبقت تركيا على علاقاتها المتنوعة مع إسرائيل واستفادت فقط من إظهار نفسها كقوةٍ في المنطقة

إلا أنّ التقرير يعود ويؤكد أنّ العلاقات لا تصل أبداً إلى حد القطيعة، ويسوق مثالاً بـ  "تسليم تركيا مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي للموساد الإسرائيلي، في خرق واضح للقوانين الدولية". وكانت أنقرة أول دولة توقع اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل". ويرى التقرير أنّ شواهدَ عديدة تشير إلى كونِ "القضية الفلسطينية كانت وسيلة ضغط تستخدمها أنقرة في علاقاتها مع إسرائيل" التي تحاول رسم أيديولوجية "عثمانية جديدة" في المنطقة.
وبشكل عام، فإنّ حادثة الاعتداء على السفينة التركية المتجهة إلى غزة وطاقمها عام 2010، انتهى في ذلك الحين باعتذار إسرائيلي هاتفي لأردوغان، كان كفيلاً بإنهاء الحادثة التي تسببت بمقتل مواطنين أتراك في حينه، وإعادة العلاقات إلى مجاريها بعد استفادة أردوغان الذي خرج إلى العالم العربي بطلاً يحمل جملةً من الشعارات، وهو ما ينتهجه اليوم بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة "القدس عاصمة لدولة الاحتلال"، إلا أنّ العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، لن تنقطع.
ويصف برنامج "بالورقة والقلم" الذي تبثه قناة " التلفزيون العاشر" المصرية في حلقة مسجلة على موقع يوتيوب بتاريخ 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017، الخطاب التركي الذي يمثله أردوغان تجاه فلسطين بـ "الظاهرة الصوتية" من بلدٍ له علاقات راسخة مع إسرائيل "اعترفت أنقرة بإسرائيل منذ عام 1949" بحسب البرنامج، الذي يعقد أيضاً، مقارنة مفادها: "هنالك جنود أتراك في دولةٍ عربية كقطر، لا تحتاج إلى حماية، فلماذا لا يرسل أردوغان المفتون بالشعارات مثلهم إلى غزة أو فلسطين".


وحافظت حركة الإخوان في عهد مرسي على اتفاقية "كامب ديفيد"، ولم تتحدث حيالها، كما أبقت تركيا على علاقاتها المتنوعة مع إسرائيل واستفادت فقط من إظهار نفسها كقوةٍ في المنطقة على حساب قضية شعبية ووطنية فلسطينية و"مقدسية"؛ حيث قامت كل من الجماعة الإخوان وتركيا - تتمتعان بعلاقاتٍ وطيدة – باستغلال السياسات المتصلبة لحركة حماس، وتعزيز فصلها غزة عن باقي فلسطين باسم المقاومة؛ حيث لم تقدما سوى ما يخدم سياساتهما ومصالحهما الخاصة، أما بشأن فلسطين في الأفق البعيد، فيبدو أنها في العمق، تبقى دوماً خارج الحسابات.
ولعل الصراعات التي خاضتها جماعة الإخوان داخل البلاد العربية، وتوضحت معالمها منذ أحداث "الربيع العربي"، تشير بوضوح إلى وقوف الجماعة ضد أي مشروعٍ متنوعٍ فكرياً وتنموياً، خصوصاً بعد مشاركتها بحكم مصر، التي انتهت نهايةً "دامية" عام 2013، أما تركيا، فتقدم شعاراتٍ دينية عاطفية تجاه القدس وغزة، لكنها تحقق مكاسب اقتصادية وتحاول لعب دورٍ إقليمي على أرض الواقع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية