الأضحى في غزة: لا مشترين للمواشي ولا شحذ للسكاكين

فلسطين

الأضحى في غزة: لا مشترين للمواشي ولا شحذ للسكاكين


19/08/2018

على خلاف المعتاد في هذه الأيام، مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، فإنّ الهدوء يخيم معظم الوقت تقريباً، على مزارع المواشي والأبقار في قطاع غزة، لعدم الإقبال على شراء الأضاحي، بسبب الحركة الشرائية شبه المعدومة، في ظل ارتفاع الأسعار، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وقد أصابت الأزمة أيضاً مهنة "شحذ السكاكين".

انقطاع التيار الكهربائي 20 ساعة يومياً من أسباب العزوف عن شراء الأضاحي لخشية المواطنين من فساد اللحوم

عزوف المواطنين في قطاع غزة عن شراء الأضاحي، سببه الرئيسي تشديد الحصار الإسرائيلي، وإغلاق المعابر، التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة، وأزمة الرواتب لموظفي السلطة الفلسطينية، والضائقة المالية التي طالت موظفي الأونروا، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.

أبو أحمد إسعيد، موظف حكومي اعتاد شراء الأضحية كل عام وذبحها في منزله؛ ولكن هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة، فهو لم يتمكن من شراء الأضحية، نتيجة خصم خمسين بالمائة من راتبه وتراكم الديون عليه.

أسوأ الأعوام

يقول إسعيد لـ "حفريات": "كان أطفالي ينتظرون عيد الأضحى لمشاهدة ذبح الأضحية في المنزل ويفرحون فرحاً شديداً بذلك؛ ولكني لن أستطيع إسعادهم، لعدم مقدرتي على شراء الأضحية، فهذا العام من أسوأ الأعوام التي مرت علينا، فالأسعار مرتفعة والراتب الذي أتقاضاه بالكاد يكفي لسد الاحتياجات اليومية".

اقرأ أيضاً: بعد تقليص خدمات الأونروا: صحة الفلسطينيين وتعليمهم في خطر

ويشاطره في الرأي ذاته، المواطن خليل بدر الذي قال لـ "حفريات": "ننتظر عيد الأضحى المبارك لشراء الأضاحي، وتأدية سنّة الذبح وتوزيع اللحوم على الفقراء؛ ولكن هذا العام الإمكانيات المادية لم تمكنّي من شراء الأضحية نقداً، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، فأردت شراءها بالتقسيط، ودفع الأقساط على عدة أشهر". وعندما فوجئ بدر بارتفاع أسعار المواشي لهذا العام عن الأعوام السابقة، تراجع عن شراء الأضحية بالتقسيط، لأنه سيسدد الأقساط على مدار عامين.

ارتفاع أسعار المواشي لهذا العام عن الأعوام السابقة

داخل المزرعة

داخل المزرعة، التي اعتاد على زيارتها كل عام لشراء عجل، كان الحاج أبو أحمد صبيح يقف متفرجاً بحسرة، لعدم مقدرته على شراء أضحية هذا العام، بعد إغلاق متجره الخاص ببيع الملابس، بفعل تراكم الديون عليه، وعدم مقدرته على تسديدها.

اقرأ أيضاً: قانون مخصصات الشهداء: سطو إسرائيلي مسلح على حقوق الشعب الفلسطيني

يوضح صبيح لـ "حفريات": "في الأعوام السابقة كنت أشتري العجل وأضحي به بمفردي دون مشاركة أحد، وتوزيعه على الفقراء والمساكين؛ إلا أنّني هذا العام لم أتمكن من شراء حصة واحدة، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية، لذلك أتيت على هذه المزرعة، لألقي نظرة على المواشي لعدم مقدرتي على الأضحية مثل كل عام".

انقطاع التيار الكهربائي

ينتظر أصحاب مزارع المواشي في قطاع غزة عيد الأضحى المبارك بفارغ الصبر؛ حيث يعد الموسم الأكثر ربحاً بالنسبة لهم، لأنّ البيع يكون به كثيراً؛ إلا أنّ هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة، فهم يتخوفون من أن يتهدد موسمهم، خصوصاً وأنّ "الإقبال على الأضاحي شحيح بدرجة كبيرة".

لذا، فإنّ المواطن أبو أحمد سالم، الذي اعتاد على شراء أضحية كاملة لتوزيعها على الفقراء والأقارب، اكتفى هذا العام بشراء حصة واحدة من العجل، خشية فساد اللحوم المتبقية من الأضحية، نتيجة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.

صاحب إحدى مزارع العجول والأبقار، أبو محمد عبد العال، يقول لـ "حفريات"، وهو يلقي نظرة على مزرعته التي تكاد خالية من الزبائن: "نعاني هذا العام من ركود حاد في بيع الأضاحي، فالبيع ضعيف جداً، وأغلب المواطنين يأتون إلى المزرعة لإلقاء النظرات، ومن ثم يغادرون، رغم توفر جميع أنواع اللحوم داخل المزرعة".

ويؤكد أنّ أسعار الأضاحي اختلفت هذا العام عن الأعوام السابقة، "نظراً لانخفاض كمية العجول والأبقار، فارتفع سعر الكيلو الواحد (3 شواكل) ما يعادل (0.8 دولار أمريكي)، فأصبح المواطنون محدودو الدخل غير قادرين على شراء الأضاحي بهذه الأسعار".

فساد اللحوم

ويشير عبد العال، إلى أنّ انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من (20 ساعة) يومياً، يعد سبباً من أسباب العزوف عن شراء الأضاحي، لأنّ المواطنين يخشون من فساد اللحوم المتبقية من اللحوم، لافتاً إلى أنّ البيع هذا العام لم يتعد (10بالمائة)، مقارنة بالأعوام السابقة، وأنه بالكاد استطاع بيع (30 رأساً) من العجول والأغنام، فيما كان معدل بيعه المعتاد في الموسم يصل إلى (160 رأساً).

اقرأ أيضاً: مهن موسمية تنعش جيوب الغزيين العاطلين عن العمل

ويواجه محمد مصلح، صاحب مزرعة لبيع المواشي في شمال قطاع غزة، كغيره من التجار خسائر مادية كبيرة، بفعل العزوف عن شراء الخراف والعجول، نتيجة ارتفاع الأسعار، الأمر الذي أدى إلى تراجع كميات الاستيراد من الخارج.

يقول لـ "حفريات": "في الأعوام السابقة كنت أقبل ببيع الأضاحي بالتقسيط؛ ولكن هذا العام لم أقبل تقسيط أضحية واحدة، وذلك لعدم وجود ضمانات، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم مقدرة المواطنين على دفع الأقساط الشهرية".

هناك مهن تنشط بهذا الموسم وتعد مصدر دخل لأصحابها، مثل "شحذ السكانين"

الأزمة أصابت "شحذ السكاكين" أيضاً

الأوضاع الاقتصادية لم تؤثر على المواطنين وأصحاب المزارع في موسم عيد الأضحى فحسب، بل هناك مهن تنشط في هذا الموسم، وأصحابها يعتمدون اعتماداً كبيراً على عيد الأضحى، وتعد مصدر دخل لأصحابها، مثل مهنة ذبح العجول، وهي أيضاً مهن طالها التراجع، كما أخبر "حفريات" عوض عمر الذي يعمل في مهنة ذبح الأضاحي في منازل المواطنين منذ ما يقارب عشر سنوات، مؤكداً أنّ عمله هذا العام تراجع بشكل كبير عن الأعوام السابقة: "أنتظر موسم عيد الأضحى المبارك بفارغ الصبر لذبح الأضاحي داخل بيوت المضحين، فهو الموسم الأكثر ربحاً، حيث أذبح ما يقارب (60 رأساً)، من العجول والأغنام طيلة أيام العيد".

عدم توفر السيولة النقدية لدى مواطني قطاع غزة لم تمكنهم من شراء الأضاحي بالمعدلات المعتادة سنوياً

أما هذا العام فيختلف اختلافاً كلياً عن الأعوام السابقة التي عايشها عمر، فعلى الرغم من اقتراب عيد الأضحى، إلا أنه لم يحجز لديه سوى خمسة أشخاص لذبح الأضاحي داخل البيوت، مشيراً إلى أنه في مثل هذه الأيام يكون العدد اكتمل، ولا يستقبل أي حجز.

لم يكن حال الحرفي محمد أبو جامع (55 عاماً) صاحب ورشة لشحذ السكاكين أفضل من سابقه، فهو مهدد بضياع موسم الأضاحي الذي يعد موسماً رئيسياً لمهنته، فمهنة "شحذ السكاكين وتصنيعها" من المهن التي تنشط قبيل عيد الأضحى المبارك.

يقول أبو جامع لـ "حفريات": "منذ بداية شهر ذي الحجة من كل عام يقبل المواطنون على الورشة والورش المجاورة لنا، لشحذ وتصنيع السكاكين استعداداً لذبح الأضاحي أول أيام عيد الأضحى المبارك؛ إلا أنّ التراجع في الإقبال على الأضاحي، ألقى بظلال سلبية على مهنتنا"، مؤكداً أنّ إقبال الزبائن على ورشتهم هذا العيد لم يتجاوز(15) بالمائة مقارنة بالأعياد السابقة.

انخفاض المبيعات سيؤدي إلى عدم تغطية النفقات

أسباب غلاء الأسعار

وعن أسباب غلاء أسعار الأضاحي لهذا العام، يوضح مدير دائرة التسويق في وزارة الزراعة المهندس تحسين السقا لـ"حفريات" أنه "انتشر في الفترة الأخيرة مرض الحمى القلاعية في رومانيا، حيث إنّ أصحاب المزارع يستوردون المواشي من رومانيا والبرتغال عبر إسرائيل، والاحتلال أوقف الاستيراد من رومانيا، وأصبح الاستيراد من البرتغال التي تعرف بارتفاع أسعارها، لذلك ارتفعت الأسعار عن كل عام".

ارتفاع الأسعار أثّر بشكل كبير على كمية الاستيراد من الخارج لخوف المزارعين من عدم بيعها

ويضيف "ارتفاع الأسعار أثّر بشكل كبير على كمية الاستيراد من الخارج، فأصحاب المزارع يخشون من استيراد كمية كبيرة، خوفاً من عدم بيعها بسبب ارتفاع الأسعار، فمذ بداية العام لم يتم استيراد سوى (17000) رأس من المواشي، (عجول، أبقار، أغنام، خراف)، وهو عدد قليل نسبياً مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت تشهد استيراد ما يزيد عن (30000) رأس".

الإفلاس يتهدد التجار

وفي نظر الخبير الاقتصادي ومدير الغرفة التجارية في قطاع غزة الدكتور ماهر الطباع، فإنّ الأزمات المتكررة التي عصفت بقطاع غزة، كما قال لـ "حفريات" أدت إلى "ركود حاد في سوق المواشي بغزة، فعدم توفر السيولة النقدية لدى المواطنين، لم تمكنهم هذا العام من شراء الأضاحي بالمعدلات المعتادة سنوياً"

ويتوقع الطباع أنّ يوثر سوء الأوضاع الاقتصادية "بشكل سلبي على أصحاب المزارع ومستوردي المواشي، خاصة قبيل عيد الأضحى المبارك". كما أنّ "انخفاض مبيعاتهم سيؤدي إلى عدم تغطية النفقات التجارية والمصاريف التشغيلية، ويكبدهم خسائر مادية كبيرة، قد تقود إلى إفلاس أصحاب المزارع والتجار".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية