هل يهدد التعليم الديني الإسلامي علمانية أوروبا في عقر دارها؟

هل يهدد التعليم الديني الإسلامي علمانية أوروبا في عقر دارها؟


17/07/2018

النقاش الدائر حول إصلاح التعليم الإسلامي في الغرب يُطرح حاليا ضمن الإطار الأوسع لدور التعليم الديني في المجتمعات المعاصرة؛ والقيم التي ينبغي له تأكيدها والأساليب التي يجب عليه اعتمادها، والإسهام الذي يمكن أن يقدمه ضمن هدف التعايش السلمي. وتجدر الإشارة إلى أن التعليم الديني الحالي له شكلان رئيسيان:

الأول هو التعليم الديني الذاتي الذي يسعى إلى تعميق الإيمان والمعارف الدينية ذات الصلة بشكل عام.

والثاني هو التعليم الديني الموضوعي الذي يدعي أنه مُحايد وموضوعي، ويتأسس على اطلاع الطلبة على الأديان الرئيسية في العالم والظواهر الدينية المثيرة للاهتمام، ومساعدتهم على فهم دور الأديان في التاريخ البشري. كما أن له طابعا تحليليا في السعي إلى اكتشاف الدين من حيث أبعاده الضمنية والروحية، فيتعلم الأطفال كيفية تحليل جوانب من حالة الإنسان وتفسيرها بالتوازي مع تعلم كيفية تقدير جمال الطبيعة، ومن خلال هذه العملية يُفسر الدين.

ويرى الباحث معز خلفاوي، في بحثه الذي حمل عنوان “التعليم الديني الإسلامي والعيش في أوروبا”، أن الملاحظ للمبادئ الأساسية التي تتأسس عليها النظرية التربوية المعاصرة، يتبين أن للتعليم الديني ثلاثة أهداف. يتمثل الهدف الأول في أن التعليم الديني هو البحث عن الحقيقة، ويتطلب ذلك أن يتعلم الأطفال نقد المحتوى الديني، وأن يعبروا عن شكوكهم حِيَالَ ذلك، وهو ما يبدو صعبا جدا بل مُحالا تحققه في التعليم الديني الذاتي. ويستند الهدف الثاني على المقارنة. وهذه الطريقة من شأنها أن تساعد الأطفال على إيجاد نقاط مختلفة وأخرى متماثلة بين مختلف الأديان والعقائد، على سبيل المثال المقارنة بين الشيعة والسنة، وهي طريقة موضوعية في حد ذاتها. ثالثُ الأهداف هو أن التعليم الديني يُساعد الطلبة على معرفة دينهم والتفكير فيه، فهو يعلمهم أن يكونوا مؤمنين في دينهم، وفي الوقت نفسه يعلمهم أيضا أن يحترموا اعتقاد الآخرين.

ويشير الباحث في بحثه الصادر عن مؤسسة المسبار في دبي  مارس 2018 إلى أن التحدي في هذا الصدد هو كيفية إيجاد توازن يمكّن الفرد من أن يظل مسلما، وأن يكون في الآن نفسه جزءا في إطار اجتماعي قيمه وأسسه لا توجد بالضرورة في الإسلام. بشكل أدق فالمسألة هي مجرد ما يعبر عنه السؤال الباحث عن “كيف يساعد التعليم الديني الإسلامي المجتمعات الأوروبية على تحقيق أهدافها التعليمية؟”، الإجابة هي أنه ينبغي للتعليم الديني الإسلامي المساعدة في الحد من الاغتراب الذي يشعر به العديد من الطلبة المسلمين، ومساعدتهم على الارتباط بشكل أكثر إنتاجية مع السياق الأوروبي الذي فيه يعيشون.

ومن البديهي أن التعليم الديني الإسلامي له جذوره في تلك العقيدة التقليدية للإيمان، والتي ظهرت في سياق المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في ما قبل العصر الحديث. وتطبيق هذه المبادئ في أوروبا الحديثة دون أي تغيير أو تكييف مع السياق المعاصر ستكون له عواقب عكسية على كل المجتمعات الأوروبية وكذلك المجتمعات المسلمة. وعلى الرغم من ذلك فإن الإصلاح ليس عملية بسيطة، وثمة عدة تحديات ينبغي أن تُؤخذ في الاعتبار. وثمة موقف محافظ جدا يُفسر الدين بطريقة حرفية ويرفض الإصلاح، وهذا الموقف يدعو، من جملة ما يدعو إليه، إلى مواصلة التعليم الديني بطريقة تقليدية. وثمة أيضا الموقف العلماني الليبرالي، وهو يؤكد أن المسلمين يمكن أن يكونوا فاعلين دون تعليم ديني، ويقترح أن يحل محل التعليم الديني تدريس الأخلاق أو الرياضة. فأتباع هذا الموقف الأخير يطالبون بتبني القيم الغربية بديلا عن القيم الإسلامية. وثمة في الإطار نفسه مجموعة ثالثة تعبر عن موقف ثالث آخر يجعلها تحتل موقعا بين الاثنين السابقين. ويؤكد المدافعون عن هذا الموقف الثالث أهمية التعليم الديني في سياق تأهيل المسلمين وإدماجهم.

لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل التعليم الديني الإسلامي عن النقاش المحتدم حول دور التعليم في المجتمعات المعاصرة، وعلى هذا النحو فإنه من المتوقع أن يعزز التعليم الإسلامي قيم الديمقراطية واحترام الآخر والاعتراف به جزء لا يمكن دحضه من نسيج المجتمع، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام التعددية. والواضح أن التعليم الديني لا يمكن أن يتحمل كل هذه المهام، وألا يكون مسؤولا عن تثقيف الشباب وتيسير اندماجهم. ويحتاج التعليم إلى اتخاذ أشكال عملية، سواء أكانت رحلات أو أعمالا جماعية أو فنونا أو رياضات، وستساعد هذه الأنشطة الشباب المسلم في الشعور بأنفسهم مسؤولين عن الجهة أو الدولة التي فيها يعيشون. كما ستساعد على فهم كيفية اشتغال القيم الغربية وتفاعلها ضمن المحيط كالتعددية والمواطنة على سبيل المثال، ويصبحون بذلك قادرين على تطبيق هذه القيم وغيرها في حياتهم اليومية.

ويذكر الباحث الخلفاوي في كتابه بأن العلاقة بين الإسلام والعلمانية نوقشت بشكل شامل في الأوساط الأكاديمية الغربية؛ وتناول النقاش قضية ما إذا كان من الممكن التوفيق بين القيم الإسلامية والقيم العلمانية للمجتمعات الأوروبية، ويتبع هذا النقاش نقاش آخر حول كيفية تصرف المسلمين في سياقات علمانية. وقد أظهرت الأبحاث أن ثمة في صفوف المسلمين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة خوفا سائدا من العلمانية، ويرجع هذا الخوف في جزء منه إلى الافتقار إلى المعلومات الكافية حول حد العلمانية، فبالنسبة إلى العديد من المسلمين غالبا ما تُفهم العلمانية بوصفها مرادفا لكلمة “لائكية”.

علاوة على ذلك فقد أدت تجارب العلمانية في المجتمعات الإسلامية مثل تركيا أو مصر أو تونس، إلى تصادم عنيف بين المؤسسات الدينية والعلمانية، وبناء على ذلك فإن هذا التصور عن زواج فاشل بين الإسلام والعلمانية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، يسلط الضوء على النقاشات الحالية في أوروبا، والتي تهيمن عليها ثلاث قوى رئيسية بثلاثة مواقف. بالنسبة إلى الموقف الأول تستأثر به الجماعات المحافظة المتطرفة، والتي سبق أن أشير إليها سلفا بالسلفيين، فهم يرفضون العلمانية والعديد من الأخلاق والقيم التي تتأسس عليها، لأنها حسب تقديرهم معاديةٌ للإسلام. أما الموقف الثاني فتمثله الحركات العلمانية الرافضة للدين تماما، ويرى ممثلوها أن على المسلمين تبني القيم الغربية المعاصرة وأن يدرأوا الأخلاق الإسلامية التقليدية؛ كي تساعدهم هذه العملية على الاندماج في نسيج المجتمعات الأوروبية. أما ثالث المواقف فيحاول إيجاد أرضية وسطية بين الموقفين الأولين، وله جذوره في مفاهيم التعددية والتعايش السلمي وحقوق الإنسان، معتبرا أنه يمكن للمسلمين أن يكونوا دينيين وأن يتكيفوا بالرغم من ذلك مع الديمقراطية والعلمانية.

وبغض النظر عن الفوارق القائمة بين مختلف حدود العلمانية وعلاقتها بالدين، فإن ثمة إجماعا بين غالبية المسلمين الأوروبيين على أن المجتمعات الأوروبية علمانية بالأساس، وأن النظام العلماني، أي حياد الدولة تجاه الدين، هو الضامن الرئيس للكثير من الحقوق في هذه المجتمعات. وعلاوة على ذلك، فإن غالبية الذين يشاركون في النقاش عن العلمانية، يرون في التعليم وسيلة لتحقيق فهم أفضل لعلاقة الدين بالمؤسسات العلمانية. وهم يعتقدون أن التعليم الديني الإسلامي يجب أن يكون ضد الدوغمائية، وأن يُسهم في تحقيق الهدف العام للتعليم في مجتمع تعددي.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية