جدل في ألمانيا بعد تصريحات وزير الداخلية الجديد حول الإسلام

جدل في ألمانيا بعد تصريحات وزير الداخلية الجديد حول الإسلام


25/03/2018

أعرب الكاتب الصحافي، ميتشل فريدمان، عن اعتقاده بأنّ وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، الذي يتولى أيضاً حقيبة الشؤون الدينية والدستورية، لا يبدو أنّه ملمّ بالفصل بين اختصاصاته.

فلم يقل "الإسلام السياسي ليس جزءاً من ألمانيا"، ولا "الفكر الإسلامي لا ينتمي إلى ألمانيا"، كانت كلماته واضحة ومحددة؛ إذ قال: "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، لم تكن هذه زلّة لسان، فوزير الداخلية يعي جيداً ما يفعله.

هذا الاستبعاد للإسلام، لا يمكن الدفاع عنه، ولا حتى من المنظور التاريخي أو الاجتماعي السياسي

يعيش ملايين الألمان المسلمين في هذه البلاد، لكنّ الإسلام هو أمر واقع في جمهورية ألمانيا الفيدرالية لأسباب أخرى؛ بسبب عدة مبادئ، على سبيل المثال، وبوصفه وزيراً للداخلية تحديداً، والشؤون الدستورية أيضاً، كان لزاماً على زيهوفر معرفة المادة الرابعة من الدستور، التي تصف حرية المعتقد: كلّ شخص لديه الحرية في الاعتقاد بما شاء، كلّ دين ممكن، كلّ معتقد جائز، طالما كان غير متعارض مع الدستور الألماني. لكن أن يسمح سياسي لنفسه بإنكار وجود وانتماء دين عالمي للواقع الاجتماعي والديني في ألمانيا؛ فهذا يضع فهمه لمبادئ حرية المعتقد موضع تشكيك.

وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر

التاريخ الدموي للغرب المسيحي

هذا الاستبعاد للإسلام، لا يمكن الدفاع عنه، ولا حتى من المنظور التاريخي أو الاجتماعي السياسي، لا يستطيع أحد نفي هيمنة المسيحية على أوروبا طوال قرون عديدة، لكنّ هذا الغرب المسيحي، الذي يتحسر كثيرون عليه، لم يجرِ فيه الاقتراب من الدين بطريقة حديثة، على العكس من ذلك: عقدت هنا أيضاً تحالفات بين رجال الدين والسلطة في العالم، نشبت حروب، وانطلقت مهمات إنجيلية نهمة، تُرك الحبل على الغارب للخطاب المعادي لليهود منذ البداية، كان المصلح مارتن لوثر معادياً للسامية.

لذا، حينما يدور الحديث هنا عن التعايش اليهودي المسيحي لتهميش الإسلام، يتعين على المرء أن يتأمل جيداً ما يقال حقاً، خاصة أنّه بعد قرون طوال، تمخّض هذا التعايش أيضاً عن مجتمعات مغلقة (جيتو)، كان تهميشياً ودموياً وتدميرياً، أخرجت المحرقة النازية (هولوكوست) إلى النور بشكل جليّ الوحشية وكراهية اليهود، عكس الهولوكوست مدى التأصيل الثقافي والديني لليهود في أوروبا، وفي ألمانيا على وجه الخصوص.

"لا" للإسلام السياسي

الإسلام هو أحد الديانات التوحيدية الثلاث ذات الانتشار العالمي، وهو الدين الرسمي في كثير من الدول، وأغلبها ديكتاتورية؛ حيث هناك رباط وثيق بين السلطة الدينية والسياسية، مثلما حدث في أوروبا لوقت طويل، هذا الإسلام السياسي يقمع المسلمين أنفسهم في المقام الأول، كما فعلت المسيحية مع المسيحيين، ولديه أهداف شرسة ذات بعد إمبريالي-ديني، وهذا هو ما تجب مكافحته بكل قوة متاحة.

وصم الإسلام كدين ليس من صميم عمل وزير الداخلية الذي يتعين عليه إظهار الاحترام لكافة المعتقدات

أمّا وصم الإسلام كدين، فليس من صميم عمل وزير الداخلية، الذي يتعين عليه في الوقت نفسه، كمسؤول عن الشؤون الدينية، إظهار الاحترام لكافة المعتقدات.

يعدّ الإسلام كلمة "سيئة" في حزب (بديل لأجل ألمانيا) اليميني الشعبوي، وهي استعارة تتضمن الكراهية تجاه "الآخر"، يثير مسؤولو الحزب، وليسوا وحدهم، مخاوف المواطنين بتعميمات تصوّر الإسلام على أنّه أخطر الأخطار، يتحدثون عن "مجتمعات موازية" لا يحترم فيها المسلمون القوانين الألمانية، واحتقار المسلمين للمساواة بين الرجل والمرأة، وعدم تقبل المسلمين للمثليين جنسياً.

يعدّ الإسلام كلمة "سيئة" في حزب (بديل لأجل ألمانيا) اليميني الشعبوي، وهي استعارة تتضمن الكراهية تجاه "الآخر"

"بديل لأجل ألمانيا" يخلق أيضاً مجتمعات موازية

لا أحد يستطيع إنكار وجود كلّ ذلك، لكنّ كثيرين من مؤيدي "بديل لأجل ألمانيا"، يعيشون في مجتمعات موازية أيضاً، لا يحترمون المادة الأولى في الدستور؛ التي تنصّ على أنّ "كرامة الفرد غير قابلة للانتهاك"، عندما يشوّهون ويهينون ويوصمون شرائح اجتماعية كاملة، كراهيتهم للإسلام هي مشكلة جسيمة مثل كراهية اليهود.

نعم، هذا صحيح؛ إنّ الكراهية تجاه اليهود متفشية بين مسلمي أوروبا، لكنّ كراهية اليهود تسود بين النازيين كذلك، الممثلين حالياً في اليمين المتشدّد، وهذه لا تلغي تلك، فكراهية مجموعة ليست أفضل من كراهية الآخر، ما أحاول قوله بوصف هذه التيارات؛ هو استبعاد كون المتحدثين باسم "بديل لأجل ألمانيا"، يقوضون ويعادون الدستور الألماني مثل ضحايا هجومهم.

وبدلاً من التعامل بشكل مسؤول وطريقة مختلفة في الجدل العاطفي، ألقى زيهوفر مزيداً من الحطب إلى النار بشعبويته، وضع مسافة مع "بديل لأجل ألمانيا" أمر مهم مثله مثل وضع مسافة مع الإسلام السياسي. الابتعاد عن استخدام لهجة هذا الحزب يأتي ضمن مسؤوليات منصبه، لا يحظى أيّ مسؤول بالحق في تقرير ما إذا كان دين ينتمي أم لا لهذه البلاد.

التفريق الذي أجراه زيهوفر بين المسلمين والإسلام، لا يمكن تبريره من وجهة النظر العملية أو القانونية

حدود السياسة فيما يخصّ الدين

إذا استغِلّ دين؛ أي دين كان، كواجهة لارتكاب جرائم أو إقصاء الدستور، فإن الشرطة والقضاء هما المنوطان بتولي الأمر؛ لأنّه لا دين فوق القانون، لكنّ المسائل العقائدية لا تختص بالسياسة، هذا أحد موروثات التاريخ في أوروبا؛ حيث يحترم الفصل بين الدولة والدين منذ عصر التنوير.

يدرك هورست زيهوفر كل ذلك؛ لذلك عندما يتصرف كما لو كان لا يعرف، فمن الضروري انتقاده، وتوجيه هذا النقد لا يعني أنه لا يمكن للمرء في ألمانيا أن يكشف عن أفكاره، مثلما يقول الكثيرون، يمكن قول كل شيء في هذه البلاد! ويستغل هورست زيهوفر هذه الحرية بصورة متكررة، ينبغي تحمّل ذلك، ولكن يتعين على زيهوفر، وأنصاره أيضاً، تحمّل واقع أنّ هناك آراء أخرى.

تعود المعتقدات الدينية لمواطني هذه الدولة إلى شأنهم الخاص والدين لا يحدّد الانتماء إليها ودستورنا ليبرالي وديمقراطي

وفي جميع الأحوال؛ أعتقد أنّ ساسة الأحزاب الديمقراطية ينبغي أن تصدر عنهم إشارة مختلفة، الاحترام، لا سيما في توقيت يشهد جلوس شعبويين بمقاعد البرلمان، وحين يصبح الوصم ظاهرة يومية وتتردد الخطابات النارية كل يوم على الساحة العامة.

من جانبه؛ عدّ المحلل السياسي، وخبير الشؤون الألمانية، لؤي المدهون، أنّ وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، يفصل بين الإسلام والمسلمين الألمان، وهي وجهة نظر تبتعد كثيراً عن الواقع؛ فهذه الدولة حققت تقدماً كبيراً بشكل أبعد ممّا يعكسه هذا الجدل الزائف.

"الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا، لكنّ المسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد نعم ينتمون إلى ألمانيا"، هذه العبارة، فضلاً عن كونها ركيكة، فإنّها تبتعد عن السياسة الفعلية، لدرجة قد تؤدي إلى عدم منحها قدراً كبيراً من الاهتمام.

لكنّ الاستقطاب الشعبوي يسهم في دخول عدد ليس بالهين من الساسة وأصحاب الرأي للنقاشات الدائرة حول الإسلام بهذا الملف، الذي يكتسب زخماً سياسياً هائلاً.

وحقيقة الأمر؛ أنّنا أحرزنا تقدماً في ألمانيا، فيما يتعلق بالخطاب تجاه الإسلام، أكبر مما يعتقد، بغض النظر عن التصريح المجرد والشعبوي؛ فقبل 13 عاماً، عقد وزير الداخلية الألماني في ذلك الوقت، فولفجانج شويبله، أول مؤتمر ألماني حول الإسلام، ومنذ 10 أعوام أنشئت أول كليات الفقه الإسلامي في الجامعات الألمانية.

قلائل للغاية هم المسلمون في ألمانيا، الذين يعرّفون أنفسهم فقط بهوية دينية

المسلمون لا يتواجدون دون الإسلام

إنّ التفريق الذي أجراه زيهوفر بين المسلمين والإسلام، لا يمكن تبريره من وجهة النظر العملية أو القانونية، هذه عبارة منفصلة عن الواقع، وستظلّ كذلك، والأسباب واضحة:

أولاً: تعود المعتقدات الدينية لمواطني هذه الدولة إلى شأنهم الخاص، الدين لا يحدّد الانتماء إلى بلادنا، دستورنا ليبرالي وديمقراطي، حيادي الأيدولوجية؛ بل وينطلق من حماية الحرية الدينية كأيّ حقٍّ أساسي آخر.

ثانياً: عندما ينتمي المواطنون إلى دستورنا الوطني، فإنّهم يفعلون ذلك لدينهم أيضاً، بشكل تلقائي، لا يمكن الفصل في النهاية بين الألمان المعتنقين للإسلام ودينهم.

يعيد زيهوفر عن طريق هذا الجدل السطحي سياسة الهوية الخطرة والمليئة بالقوالب النمطية في الوقت ذاته

وثالثاً: مع السؤال الدائر حول انتماء الإسلام من عدمه إلى ألمانيا، يتحوّل المسلمون إلى كتلة مدمجة وغير مرئية، وتسقط عنهم الفردية.

إلّا أنّ المسلمين لا يتبعون القرآن حرفياً بصورة آلية، وقلائل للغاية هم المسلمون في ألمانيا، الذين يعرّفون أنفسهم فقط بهوية دينية، حتى لو حاولت بعض الاتحادات الإسلامية المحافظة تصدير هذا الانطباع بالمثل، فإنّ مسألة الهوية يمكن فهمها فقط في الإطار الإسلامي الجمعي.

سياسة الهوية عبر الاستبعاد

يعيد هورست زيهوفر عن طريق هذا الجدل السطحي، وعلى حساب الأقلية المسلمة، سياسة الهوية الخطرة والمليئة بالقوالب النمطية في الوقت ذاته.

تكمن الخطورة في هذه السياسة في تضمنها السخط ومشكلات الهوية المؤلمة بين الشباب الذي لا يعرف وطناً آخر خلاف ألمانيا، وهكذا يصعّب الوزير الجديد عملية تعريف الشباب ببلادنا، ولا يقدم أيّة مساعدة للاندماج.

والسياسة المذكورة نمطية لأنها تنكر تأثير الإسلام في ألمانيا وأوروبا، يعزى ذلك إلى تشكيل هوية يهودية مسيحية، افتقرت للاستدامة تاريخياً، لكن يعثر عليها بصورة متكررة بين ثنايا خطابات الشعبويين.

وبلا أدنى شكّ، فإنّ مرأى المسلمين في الحياة العامة أمر مقلق بالنسبة إلى قطاع من الشعب، لكن لا علاقة لذلك بـ "أسلمة الغرب"؛ بل بالحرية التي يكفلها دستورنا، والمساواة الحقة بين الإسلام والكنائس المسيحية؛ لذلك من المهم إجراء النقاش على الملأ حول العلاقة بين الدولة والدين.

لكنّ هذه النقاشات لا يجب أن تقودنا إلى العجز عن مزيد من تناول ملفات محددة، لا يمكن تأجيلها؛ لأنّها ستناقش فحسب على مستوى السياسة الرمزية، يتعين على وزير الداخلية الألماني الجديد التأمل بشكل أعمق في الحياة متعددة الأديان والثقافات في مجتمعنا المستقبل للهجرة.

يجب على الوزير الجديد أن يحمي المساجد في ألمانيا من هجمات الإرهابيين

عمل كثير في انتظار الوزير الجديد

على سبيل المثال، يجب أن يحمي، إلى حدّ بعيد، المساجد في ألمانيا من هجمات الإرهابيين، ويدعم الولايات بدرجة أكبر؛ كي تكون هناك فصول حول الدين الإسلامي في جميع أنحاء البلاد، هناك الكثير من العمل بانتظار الوزير الجديد.

علاوة على ذلك كلّه، سيكون عقد المؤتمر حول الإسلام، كمنصة وطنية للحوار، فكرة سديدة، وهنا، يمكن صوغ نماذج ملزمة لمجتمع حديث من المهاجرين، استناداً إلى المشاركة وتكافؤ الفرص بين جميع مواطني هذه البلاد.

مقالا رأي لكلٍّ من ميتشل فريدمان ولؤي المدهون، نشرا بموقع (دويتشه فيله) الألمانية

//0x87h




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية