اليوم العالمي للمرأة وتكريس العنف ضدّها

اليوم العالمي للمرأة وتكريس العنف ضدّها


07/03/2018

نحن النساء لا ننشد عالماً يعترف بمساواتنا بالرجال، لكنّنا ننشد عالماً يعترف بإنسانية المرأة وحريتها واستقلالها، وتكون داخل منظومة حقوق الإنسان لا خارجها ولا على هامشها.

بعد أن كانت المرأة قائدة المجتمعات منذ أن تشكل الاجتماع البشري، وكانت آلهة الحب والجمال والمطر والخصب؛ أي آلهة الحياة في الأساطير القديمة، إلى أن ظهرت الملكية الخاصة التي ملّكت الرجل وحده، وجعلت من المرأة إحدى ممتلكاته، فصار النظام الاجتماعي نظاماً أبوياً يُخضع المرأة لأنظمته الخاصة، فتختلف وضعية المرأة في المجتمع حسب طبيعته ووعي أفراده وتطورهم الفكري. وقد أثبتت بعض الدراسات أنّ النظرة الدونية للمرأة في المجتمعات المتخلفة ومنها مجتمعنا العربي والمجتمع الإسلامي، تعتمد على الفرق البيولوجي بين الذكر والأنثى من خلال قوة جسد الرجل، وعدم قدرة المرأة على القتال، نظراً لكثرة الحروب والغزوات في تاريخنا المجيد، ممّا جعلها تلزم نفسها في البيت، وتُعنى بالأطفال ومستلزمات الرجال المقاتلين، إلى أن صار هذا الالتزام جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها التي يجب أن تكون حرة ومستقلة بذاتها وغير تابعة للرجل.

الظلم العالق بذاكرة المرأة منذ الطفولة، والمستمر لاحقا يتحوّل لغليان نفسي وغلوّ في الهروب لإثبات الذات المهدورة

ومع التطور الفكري والصناعي والتكنولوجي الذي طرأ على العالم؛ والذي لم ينل العالم العربي والإسلامي إلّا القليل منه، كثرت الحركات النسوية التي تطالب بتحرر المرأة من التبعية والاستعباد، لكن دون تأثير يُذكر، فقد بقي الموروث الاجتماعي والتفسير الديني المبني على قيم ثقافية ومفاهيم العائلة والعشيرة، باعتبارها الشكل الأول للنظام الاجتماعي، يخفّض من مستوى المرأة، ويحط من شأنها، لكنّنا نرى اليوم أنّ المرأة تقوم بحمل السلاح إلى جانب الرجل، وتنتمي إلى جماعات متطرفة ومنظمات إرهابية، كما يفعل الرجال، فهل هذا الفعل هو جزء من حركات التحرر النسوية التي تطالب بالمساواة بين المرأة والرجل؟ أم هو ردّ فعل على أوضاع متردية تعيشها المرأة في المجتمع، ممّا أدّى إلى انخراطها في تلك المتاهة، لتثبت للعالم جدارتها بالمساواة عن طريق العنف وحمل السلاح؟

من العبث أن يعالج الإنسان (رجلاً وامرأة)، العنف بالعنف، وأن ينظر وتنظر إلى العالم بنظرة أحادية الجانب؛ أي إنّ المرأة معنّفة ومضطهدة، فتهرب من العنف الممارس عليها إلى ممارسته على الآخرين والأخريات، وبأشدّ حالاته وأبشعها، في القتل والتنكيل ونكاح الجهاد، وهذه النظرة بعيدة كلّ البعد عن حركات التحرر والانعتاق، إنّما هي حالة مرضية أقرب أن تكون إلى ما أطلق عليها جورج طرابيشي العصاب، ومن أعراض العصاب: التثبّت في الطفولة، أو تثبيت العالم في لحظة زمنية، وحبسه في إطارها، وعدم الاعتراف بالواقع القائم خارج الذات، وهذه الحالة هي حالة تعيشها المرأة المهمشة والمضطهدة والمستعبَدة؛ اجتماعياً وسياسياً ودينياً، كما يعيشها الرجل تماماً، فالظلم العالق في ذاكرة المرأة منذ الطفولة، والمستمر في المراحل العمرية اللاحقة، يتحوّل إلى غليان نفسي، وغلوٍّ في الهروب لإثبات الذات المهدورة، إما عن طريق التحاق النساء بالأحزاب السياسية، أو عن طريق الانتماء إلى جماعات متشددة أو متطرفة أو إرهابية، وهذا ما لاحظناه في أغلب المجتمعات، ومنها المجتمعات المتقدمة، مثل؛ فرنسا وهولندا وألمانيا، ناهيكم عن الشيشان والصومال والسعودية، التي تعاني في الأصل تزمتاً دينياً، وتتبع الأصولية السلفية في قوانينها السارية على المواطنين والمواطنات، فتفشت ظاهرة التحاق الفتيات والنساء بمنظمات داعش والمنظمات الجهادية الإسلامية الأخرى، التي باتت خطراً لا على المرأة فحسب؛ بل على العالم بأسره. فهل يمكننا القول: إنّ المرأة الجهادية ستحتفل بيوم المرأة العالمي الذي أقرّته الأمم المتحدة تكريماً للمرأة على دورها في عملية السلام، وهي التي تحمل السلاح الآن في وجه كلّ من يطالب، وتطالب، بالسلام؟

باتت المرأة الجهادية وأفكارها العنفية والسلطوية أكثر خطراً على قضية تحرر المرأة من التمييز القائم بالفعل ضدّها

باتت المرأة الجهادية وأفكارها العنفية والسلطوية في الوقت الراهن، أكثر خطراً على قضية تحرر المرأة من التمييز القائم بالفعل ضدّ المرأة؛ فقد اتجهت النساء الجهاديات إلى المنظمات الجهادية بحثاً عن السلطة المفقودة لديهن، والانتماء إلى هوية انعزالية بتعبير "أمارتيا صن"، الهوية الوهمية التي تُنشئ العنف والتطرف والتسلط. هنا تغترب النساء عن ذواتهن؛ فيرفضن العالم من حولهن، ويرفضن حتى أسماءهنّ، فيطلقن على أنفسهن أسماء تمثل الغاية المنشودة، (أم الحارث، أم المقداد)، "أم المقداد" الملقبة أيضاً بـ "أميرة النساء" وهي المسؤولة عن تجنيد الفتيات والنساء بمحافظة الأنبار العراقية، وتبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً، وقد ألقي عليها القبض من قِبل السلطات العراقية، في كانون الثاني (ديسمبر) عام 2014، حسب ويكيبيديا الموسوعة الحرة. كما تشكّلت بعض الكتائب النسائية لمنظمة داعش الإرهابية بمحافظة الرقة في سوريا، وأشهرها كتيبة الخنساء التي ترأسها "أم مهاجر" وتحمل الجنسية التونسية، وتشتهر الكتيبة باللثام الأسود على وجوه المجاهدات، وحمل الأسلحة الفتاكة. هؤلاء النساء والفتيات هنّ ضحية تعاليم دينية خاطئة؛ إذ إنّ معظم المنتميات للمنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، هنّ نساء مسلمات، منقّبات، متزمتات منذ نعومة أظافرهنّ، وضحية تقاليد اجتماعية بالية تتفق مع المحرمات الدينية.

يبقى السؤال ملحّاً: هل من عودة لهؤلاء النساء إلى مجتمعاتهن والعيش فيها بسلام، أم إنّ المجتمعات سترفضهنّ رفضاً قاطعاً ويصبحن مقتولات مرتين؟ هل ستعمل الحكومات على وضع قوانين تنصف المرأة كي تحدّ من ظاهرة تجنيد النساء في المنظمات المتطرفة؟

إلى ذلك الحين؛ ليوم المرأة الرحمة، ولكلّ النساء في العالم المحبة والسلام.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية