عدوى طائفية تتهدد الداخل المسيحي في مصر

مصر

عدوى طائفية تتهدد الداخل المسيحي في مصر


11/02/2018

باتت الطائفية صداعاً مزمناً يقطع حالة الهدوء في المجتمع المصري على فترات متقطعة، إلا أنّها أصبحت أكثر تسارعاً في الآونة الأخيرة، وكانت الكنائس هدفاً لـ "التشدد الذاتي والرسمي" في كثير من الأحيان، بدعوى عدم استيفاء أوراقها، أو حصولها على تراخيص تسمح بالبناء، أو القيام بتوسعات، وآخرها ما حدث في كفر "الواصلين" بمركز "اطفيح" بالجيزة.

لكن ما شهدته قرية بني محمد سلطان التابعة لمركز المنيا، مساء الأربعاء، 7 شباط (فبراير) 2018، يمثل سابقة هي الأولى من نوعها، فيما يتعلق بالمناوشات المسيحية/ المسيحية؛ حيث تجمهر العشرات من أتباع الطائفتين الإنجيلية والأرثوذكسية، بسبب نزاع حول ملكية قاعة مخصصة للعزاء بالقرية، ادعت كل كنيسة ملكيتها، لتجري اشتباكات محدودة بين الفريقين، قبل أن تتدخل الشرطة لاحتواء الموقف.

ما شهدته قرية بني محمد سلطان مؤخراً يمثل سابقة فيما يتعلق بالمناوشات المسيحية-المسيحية

من جانبه أكد القس بمجمع المنيا الإنجيلي، نبيل صموئيل، أن مجموعة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية بالقرية، قامت ليلاً بهدم المبنى المتنازع على ملكيته، وبوضع بلوكات حجرية بمكان الأنقاض، مؤكداً أن راعي الكنيسة الإنجيلية القس أسامة مكرم حاول التصدي لهم، فردوا بالتعدي عليه وعلى زوجته، وقد حرر محضراً يتهم فيه كاهن الكنيسة الأرثوذكسية بالتحريض على ممارسة العنف الطائفي.

بعدسة"حفريات": مجموعة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية بالقرية قامت ليلاً بهدم المبنى المتنازع على ملكيته

احتواء حالة الغضب

من جانبها حاولت الكنيسة الأرثوذكسية احتواء حالة الغضب، ففي بيان صادر عن كنيسة الأنبا "برسوم العريان" بقرية بني محمد سلطان جاء بعنوان (توضيح)، قالت مطرانية المنيا إنّ ما هُدم في القرية هو قاعة عزاء تابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وواصل البيان: "ولما كان إخوتنا البروتستانت قد رفعوا دعوى قضائية يدعون ملكيتهم لها منذ سنين، فقد ظل الأمر حتى صدر حكم قضائي بملكية الكنيسة القبطية لها.

ونفت الكنيسة الأرثوذكسية وجود كنيسة إنجيلية جرى هدمها من جانب الأرثوذكس، وبحسب نص البيان فإن "الحديث عن وجود كنيسة إنجيلية قديمة، واستيلاء الأرثوذكس عليها وهدمها هو أمر عار من الصحة"، وإنّ الكنيسة الأرثوذكسية "قررت إقامة قاعة جديدة مكان القديمة للعزاء يستخدمها الجميع".

تجمهر العشرات من أتباع الطائفتين الإنجيلية والأرثوذكسية بسبب نزاع حول ملكية قاعة مخصصة للعزاء بالقرية

بدورها ردّت الكنيسة الإنجيلية، بأن الحكم القضائي الصادر، أقر بإبقاء المكان كقاعة مناسبات لكل الطوائف، وأن ما قام به الأرثوذكس يفتقد لأي مبرر قانوني؛ لأنَّ القاعة التي جرى هدمها مُلك لكل الطوائف بحسب قرار القضاء.

وانتقد مراقبون قيام الكنيسة الأرثوذكسية، بهدم القاعة بهذه السرعة عقب حكم المحكمة، وقبل صدور ترخيص من الجهة الإدارية بالهدم، الذي جاء تحت جنح الظلام، وهو ما أعاد للأذهان حوادث مشابهة قام بها متطرفون، واستهدفت الكنائس على اختلاف مذاهبها.

حالة الاحتقان في الداخل المسيحي بين الطوائف المختلفة، بلغت مستويات جديدة من التصعيد

غياب التسامح وتزايد العنف

من جانبه صرح إسحاق إبراهيم الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لــ"حفريات"، أن المبنى "كان عبارة عن دار مناسبات تستخدمها جميع الطوائف المسيحية، واستخدمها الإنجيليون ككنيسة، نظراً لعدم وجود كنيسة لهم بالقرية، وفي العام 2002، قدمت الطائفة الإنجيلية طلباً بإعادة بناء المبنى كمقر لها، وهو ما رفضته الكنيسة الأرثوذكسية، فأغلقت الشرطة المكان، لحين حسم الموقف قضائياً، لكن الجهات الأمنية انحازت للطرف الأكثر عدداً، وسلمت المفتاح للأرثوذكس".

وأكد إبراهيم أن ما حدث هو انعكاس لحالة غياب التسامح، وتزايد مساحات العنف في المجتمع المصري، وأنه يرتبط بشكل مباشر بصعوبة بناء الكنائس، فلو أن الإنجيليين تمكنوا من بناء كنيسة لهم، لما آلت الأحداث لما آلت إليه.

أكد إسحاق إبراهيم الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن ما حدث انعكاس لغياب التسامح في المجتمع المصري

وتبلغ مساحة المبنى محل النزاع حوالي مائة متر مربع، وكان مخصصاً للعزاء، قبل أن تضع الطائفة الإنجيلية يدها عليه -بحسب مصادر أرثوذكسية- وهو ما أدى إلى نزاع قضائي، نتج عنه إغلاق المبنى لحين حسم القضية.

يمكن القول إنّ هذا الحادث يأتي تتويجاً لحالة احتقان متكرر بين الطائفتين، كانت محافظة المنيا مسرحاً لأغلب فصوله، ففي كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، رفضت الكنيسة الأرثوذكسية بقرية "اتليدم" بالمنيا الصلاة على جثمان رجل إنجيلي، وهو ما أثار حنقاً شديداً، واُتهمت كنيسة القرية بإدارة ظهرها للمعايير الإنسانية، فيما اعتبرته الأخيرة أمراً طقسياً لا يمكن تجاوز شروطه، وفي سياق متصل رفضت الكنيسة الأرثوذكسية بالمنيا، إتمام مراسم زواج لعروسين بحجة توزيعهما لأسطوانات مدمجة عليها عظات إنجيلية.

شن القس أنسيموس راعي كنيسة مارجرجس بميت غمر هجوماً حاداً على الطائفة الإنجيلية في فيديو مثير للجدل

وفي آذار (مارس) الماضي شن القس أنسيموس راعى كنيسة مارجرجس بميت غمر، هجوماً حاداً على الطائفة الإنجيلية، في فيديو مثير للجدل قال فيه: "مسيحنا غير مسيحهم، إيماننا غير إيمانهم"، واتهم الأنبا "صليب" أسقف ميت غمر الكنيسة الإنجيلية بتنظيم احتفال استهدف طلاب مدارس من رعايا الكنيسة الأرثوذكسية، وزعت فيه صناديق ألعاب لاستمالتهم.

ويبدو أنّ حالة الاحتقان في الداخل المسيحي بين الطوائف المختلفة، بلغت مستويات جديدة من التصعيد، لم يكن أحد يتوقعها، وأن التأثير العام لحالة التعصب في الشرق إن لم يتم تداركها في مهدها قد تتهدد بجرف الجميع نحو هاوية لا قرار لها.

الصفحة الرئيسية