مقتل البغدادي .. هل هو حقاً ضربة قاتلة لداعش؟

مقتل البغدادي .. هل هو حقاً ضربة قاتلة لداعش؟


05/11/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


بحلول نهاية شهر حزيران (يونيو) 2014، نُصّب أبو بكر البغداديّ خليفة لكافّة المسلمين، في إعلانٍ لم يصرّح بوجود "خليفة" جديد فحسب، بل حذّر المسلمين أيضاً من أنّهم "يجب أن يتعهّدوا بالولاء والدّعم". واستطاع البغداديّ، آخر زعيم لما يسمّى بـ "الدّولة الإسلاميّة"، صناعة اسمٍ لجماعته عبر حُكمٍ فتّاك قوامه الإرهاب توّج بالسّقوط المفاجئ لمدينة الموصل بين يديه خلال أقلّ من أسبوعين.

بعد أن فقد التنظيم حصونه أصبح عبارة عن سلسلة من الجماعات الإرهابيّة على نحو يسمح للأتباع بتنفيذ أيديولوجيّتهم بمفردهم

وكانت ادّعاءات البغدادي بشأن "سحق صنم الدّيمقراطيّة" وهزيمة "عملاء الصّليبيّين، والملحدين، وحرّاس اليهود" قد أُلحِقت بحملةٍ من الإبادة الجماعيّة والعبوديّة والاغتصاب والعنف الشّديد ضدّ المسلمين في المقام الأوّل. لكن عمليّة بناء إمبراطوريّة البغداديّ انهارت مع سقوط "الخلافة" في شهر آذار (مارس) من هذا العام. كذلك، أنهى أكثر إرهابيّ مطلوب في العالم حياته هارباً، وقرّر قتل نفسه عوضاً عن الاستسلام للعدالة. وكانت نهاية البغداديّ مخزية؛ فيقال إنّه بينما كانت القوّات الخاصّة الأمريكيّة تُحاصِره، فجّر نفسه في نفقٍ في سوريا، قاتلاً أيضاً ثلاثة من أطفاله.
لسوء الحظّ، لم يستطع دونالد ترامب مقاومة فرصة الإدلاء بسلسلة من التّصريحات المشكوك فيها والتّرويج لنفسه. وكان ادّعاؤه بأنّ البغداديّ "مات كالكلب" مزعجاً وغير ضروريّ وسيؤدّي إلى مشكلاتٍ غير مقصودة للولايات المتّحدة ستحتاج إلى شيءٍ من التّراجع، خاصّة في العالم الإسلاميّ حيث تعتبر أنياب الكلاب نجسة.

البغداديّ لم يكن مُقاتِلاً وإنّما مُنظِّراً أيديولوجيّاً
وفي المقام الأوّل، توضيح الحقائق، وليس تكديسها في "ضباب الحرب"، سيساعد في ذلك. ويُذكر أنّه عندما قُتِل أسامة بن لادن في عهد إدارة أوباما، في عام 2011، بعد أيّام من الحدث، قدّمت الإدارة روايةً تتعارض مع تأكيداتها السّابقة. وهناك سبب وجيه لتوقّع أن يضطّر البيت الأبيض لتصحيح بعض الأساطير الّتي تخدم مصالح ترامب الشّخصيّة في الأيّام المقبلة. وحقيقة أنّ البغداديّ قتل نفسه تعني أنّ سياسة قتل أعضاء الجماعات الإرهابيّة باعتبارها جزءاً من الحرب الأمريكيّة على الإرهاب مستمرّة دون نقاش ضروريّ - تأخّر كثيراً - حول أخلاقيّة الاغتيالات المُستهدِفة وشرعيّتها.

في فترة تولّي البغدادي أمور داعش كانت الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة التّابعة للتّنظيم تحت سيطرة ضبّاط الجيش العراقيّ السّابقين

ستحتاج الولايات المتّحدة إلى كلّ المساعدة الّتي يمكن أن تحصل عليها لهزيمة الإرهاب في الشّرق الأوسط. ومقتل البغداديّ يُعدّ ضربة لداعش لكنّها ليست بالضّربة القاتلة. فبعد أن فقدت الجماعة حصونها، أصبحت عبارة عن سلسلة فضفاضة ولامركزيّة من الجماعات الإرهابيّة، على نحو يسمح للأتباع بتنفيذ أيديولوجيّتهم العنيفة بمفردهم. والبغداديّ لم يكن مُقاتِلاً، وإنّما مُنظِّر أيديولوجيّ، وفي فترة تولّيه أمور داعش، كانت الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة التّابعة للتّنظيم تحت سيطرة مجموعة من ضبّاط الجيش العراقيّ السّابقين.

اقرأ أيضاً: الصور الأولى لشقيقة زعيم داعش "أبو بكر البغدادي" وزوجها
ستتطلّب هزيمة داعش من المجتمع السّني في بلاد الشّام الانتفاضة ضدّ التّنظيم والكيانات التّابعة له، كما حصل، في عام 2007، في العراق مع "الصّحوات" القبليّة الّتي انقلبت على الإرهاب. لقد أصبح هذا أكثر صعوبة مع فوضى المنطقة وعدم استقرارها. ومن الاحتجاجات في شوارع العراق ولبنان إلى حربي اليمن وليبيا، يبدو أنّ "الدّولة القوميّة" ونظامها السّياسيّ يشهدان تفكّكاً بطيئاً في أجزاءٍ كثيرة من الشّرق الأوسط.


الأمر المقلق هو أنّه عوضاً عن الحفاظ على تحالف عالميّ ضدّ تهديد داعش، فإنّ المكوّن الرّئيس لهذا التّحالف - الولايات المتّحدة - يُعاني الشّلل بسبب طبيعة قائِده المتقلّبة. ويمكن قياس مدى الامتداد الرّهيب للجماعة بحقيقة أنّ أكثر من 40 ألف مقاتل أجنبيّ سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى جماعاتٍ إرهابيّة. كذلك، صُدِّرت سوسيولوجيا العنف الّذي تبنّاه تنظيم داعش إلى الخارج - مع وقوع سلسلة من الهجمات المميتة في كافّة أنحاء العالم العام الماضي.
وكلّما كان الشّرق الأوسط متورّطاً في حلقة مفرغة من الأزمة، فإنّ العالم سيكون ملعوناً بلعنة الإرهاب. ويجب أن تكون هناك محاولة جدّيّة لتجاوز الانقسامات الدّينيّة والقوميّة والإثنيّة في المنطقة. والتّحديث الاقتصاديّ والسّياسيّ والمُسامحَة والسّلام كلّها أمورٌ من شأنها أن تُساعِد في التّخلّص من أشباح الجماعات الإرهابيّة. وهذا ما يحتاج أن يعمل العالم من أجل تحقيقه الآن.

 


مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/oct/28/the-guardian-view-on-baghdadis-death-not-enough-to-destroy-islamic-state



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية