ما هي عواقب العدوان التركي على سوريا؟

ما هي عواقب العدوان التركي على سوريا؟


كاتب ومترجم جزائري
29/10/2019

ترجمة: مدني قصري


في معهد الدراسات السياسية بجامعة "جرينوبل" (فرنسا)؛ يشغل جان ماركو منصب مدير العلاقات الدولية، ويدير أيضاً درجة الماجستير "التكامل والطفرات في البحر المتوسط والشرق الأوسط"، مجالات عمله الرئيسة في التدريس والبحث تتعلق بالحياة السياسية التركية (الدساتير والانتخابات والأحزاب السياسية)، والتحولات السياسية في جنوب أوروبا والاتحاد الأوروبي، وتطور التوازنات السياسية في الشرق الأوسط، الشرق (خاصة من منظور السياسة الخارجية التركية).
هنا مقابلة مع المحلل جان ماركو، المختص في شؤون البحر المتوسط والشرق الأوسط، بجامعة "جرينوبل"، حول التدخل العسكري التركي في سوريا على الضفة الشرقية للفرات وعواقبه.

أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" ضدّ الأكراد في سوريا؛ لماذا هذه العملية؟

من الدقّة بمكان القول: إنّ تركيا شنّت هذه العملية ضدّ حزب الاتحاد الديمقراطي (Partiya Yekîtiya Demokrat)، وإنّها تواجه على المستوى العسكري القوات الديمقراطية السورية، التي يتشكّل رأسُ الحربة فيها من الميليشياتُ الكردية YPG)) (وحدات حماية الشعب)، لكن يصحّ أيضاً أنّ تركيا تربط كلّ هذه المنظمات بحزب العمال الكردستاني(PKK)، معتبرةً أنّها تشكل "الفرع السوري" لهذا الحزب، وصحيح أيضاً أنّ العلاقات بين حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في سوريا، والحزب من أجل حياة حرة في كردستان (PJAK (Partiya Jinaya Azad Kurdê) في إيران، قائمة بالفعل؛ إذ تشكّل هذه المنظمات الحركة السياسية الكردية الحقيقية الوحيدة، العابرة للحدود الوطنية.

نبع السلام العملية العسكرية الثالثة التي يقوم بها الجيش التركي في شمال سوريا

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز ملامح الخطّة الأوروبية لمواجهة أردوغان بعد العدوان التركي؟

في الواقع، عملية "نبع السلام"؛ هي العملية العسكرية الثالثة التي يقوم بها الجيش التركي في شمال سوريا، في غضون ثلاثة أعوام، كانت الأولى في آب (أغسطس) 2016، أطلق عليها اسم "درع الفرات" (فيرات كالكاني أوبراسيونو)، والتي أُجريت على الضفة الغربية لنهر الفرات، انطلاقاً من جرابلوس، وهي التي طَردت داعش (الذي كانت بالفعل في حالة تراجع) من الحدود السورية التركية، لكنّها في ذلك الوقت كانت تهدف إلى منع الأكراد السوريين من السيطرة على هذه المنطقة، وربط جيب عفرين ببقية روجافا، على الضفة الشرقية من الفرات، وكان الهجوم التركي الثاني الذي تمّ إطلاقه، في كانون الثاني (يناير) 2018، والذي أطلق عليه اسم "غصن الزيتون"، موجهاً بشكل مباشر هذه المرة ضدّ الميليشيات الكردية السورية، وقد أجبرها هذا الهجوم على الانسحاب من جيب عفرين، في أعقاب هذه العملية، المعروفة الآن باسم "معركة عفرين"، والتي اكتملت في منتصف آذار (مارس) 2018؛ بدأ رجب طيب أردوغان بالإعلان عن إجراء عمليات أخرى في منطقة منبج (آخر أرض محتجزة من قبل الأكراد على الضفة الغربية من الفرات)، خاصة في قلب كردستان السورية، على الضفة الشرقية من الفرات، لكنّ هذه المشاريع تمّ تعطيلها وإيقافها بفعل وجود قوات أمريكية خاصة، إلى جانب وحدات حماية الشعب، في كلا المنطقتين، ومنذ ذلك الحين؛ ما فتئت تركيا تثير وتدّعي باستمرار مسألة وجود "ممرّ للإرهاب" على حدودها، خاصة على الضفة الشرقية من الفرات، وتهدّد باللجوء إلى تدخّل عسكري جديد لتحقيق غاياتها، في إشارة إلى عملية "نبع السلام"، بعد يوم من نشوبها، في اجتماع لحزب العدالة والتنمية، قال رجب طيب أردوغان: "هدف عمليتنا هو تجنب إنشاء دولة إرهابية في الجنوب"، هذا العناد يندرج في موقف كان دائماً موقف أنقرة من الأزمة السورية.

أطلق حزب العدالة والتنمية ثلاث محاولات لتسوية القضية الكردية: "الانفتاح الديمقراطي" 2009، و"عملية أوسلو" 2010، و"عملية السلام" بين 2012 و2015

منذ صيف عام 2012، عندما قام بشار الأسد، أثناء تخبّطه في ضيق شديد، بإخلاء شمال شرق سوريا، وترك الحقل مفتوحاً أمام الأكراد، أعربت تركيا عن قلقها، خوفاً من عودة الوضع الذي كان سائداً قبل عام 1999، عندما كان لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا قواعدهم الخلفية في سوريا، فإلى حدٍّ كبير، يمكن فهم الموقف التركي في الصراع السوري من زاوية هذا الهوس الدائم.
في عامَي 2014 و2015، عندما هاجم داعش روجافا، رفضت تركيا التدخل، تاركة الصراع بين المتنافسَين، معتقدة أنّهما منظمتان "إرهابيتان"، هذا السلوك الذي أثار غضب إدارة أوباما، ما لبث أن أبعد تركيا جانباً، لفترة من الزمن، عن الصراع السوري، في حين أصبح الأكراد الذراع المسلح للغربيين على الأرض، لمحاربة الدولة الإسلامية، لكن في عامَي 2016 و2017؛ وجد الأتراك أنفسهم أمام أكراد أقوى في سوريا، لأنّ هؤلاء أصبحوا يسيطرون على جميع أنحاء شمال شرق سوريا، مع جذبهم لتعاطف دولي كبير لمحاربتهم تنظيم داعش وهزيمته.

حزب العمال الكردستاني أنشأه عبد الله أوجلان عام 1978
منذ ذلك الحين، تفاعلت تركيا مع هذا الوضع من خلال عمليات عسكرية وضغوط دبلوماسية، لا هوادة فيها، على الولايات المتحدة، المتهمة بدعم "حركة إرهابية"، بدلاً من حلفائها الأتراك، من الواضح أنّ تركيا حققت أهدافها جزئياً؛ حيث استقرت على الضفة الغربية من الفرات، بطردها أكراد عفرين، وحصلت، في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، على أول انسحاب من وحدات حماية الشعب على الضفة الشرقية من الفرات، ومع عملية "نبع السلام" تجدر الإشارة إلى أنّه؛ إضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الاستراتيجية تقودها إلى الاستيلاء على مناطق مهمة في شمال سوريا، وهو ما سيمكنها من التأثير على التسوية النهائية للنزاع، خاصة من منع، أو عرقلة، الاعتراف المحتمل بحقوق الأكراد، في سوريا الجديدة.

الموقف الأمريكي يمثّل جزءاً من إرادة عامة بالانسحاب من الشرق الأوسط، وهي الإرادة السائدة منذ رئاسة أوباما

أخيراً؛ إضافة إلى هذه الأسباب الإستراتيجية، يجب ألا ننسى أنّ هذه العملية العسكرية التركية الثالثة في سوريا لها أسباب داخلية أيضاً، لم يتوقف رجب طيب أردوغان، منذ بداية الهجوم، عن التعبير عن رغبته في إرسال جزء من اللاجئين السوريين (نحو 2 مليون شخص)، من الموجودين حالياً في بلده، إلى المنطقة الجديدة، التي تم غزوها، هذه الحجة، بالطبع، لها بعدٌ تبريري واضح؛ ففي مقال نُشر في صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، يقول الرئيس التركي إنّه "بهذا الهجوم العسكري تحارب تركيا حيث فشل الآخرون"، مذكراً بأنّ بلاده استضافت3,6  ملايين لاجئ، وكلّفه ذلك 40 مليار دولار، موضحاً أنّ وجود الميليشيات الكردية على الضفة الشرقية من الفرات سيمنع عودة هؤلاء اللاجئين (بما في ذلك 300000 كردي)، يبقى أنّه بصرف النظر عن الحجة التبريرية، فإنّ كلمات الرئيس التركي تتطرق هنا إلى مسألة سياسة داخلية حساسة؛ ففي الأشهر الأخيرة، أصبح دمج اللاجئين السوريين في تركيا موضوعاً رئيساً ومتكرراً للجدل السياسي السائد، وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأنّ هذه الظاهرة تسبّبت في خسارة الحزب الحاكم للأصوات في الانتخابات البلدية الأخيرة، والتي سيطرت خلالها المعارضة على 6 من أكبر 10 مدن، ومنها إسطنبول، حيث تعرّض الرئيس التركي لإهانة حقيقية.

هل يمكنك العودة لفترة وجيزة إلى العلاقات بين تركيا وأكراد حزب العمال الكردستاني؟
حزب العمال الكردستاني، الذي أنشأه عبد الله أوجلان، عام 1978، عبارة عن حرب عصابات، منذ عام 1984، كانت تتوقف في بعض الأحيان بموجب وقف لإطلاق النار، بل وحتى عن طريق محاولات لتسوية سياسية.

اقرأ أيضاً: ترامب يكافئ تركيا على عدوانها..
حزب العمال الكردستاني، الذي تم تشكيله في الأصل على طراز الحركات الماركسية اللينينية للتحرر الوطني، في الأعوام بين 1960-1970، يطالب اليوم بالحكم الذاتي للأكراد في الولايات (المحافظات) التي يعيشون فيها، في إطار "كونفدرالية ديمقراطية"، مع الدعوة إلى إنشاء نوع من "الحكم البلدي التحرري"، وتجدر الإشارة إلى أنّه قبل تحالفه مع اليمين المتطرف، عام 2017، أطلق حزب العدالة والتنمية ثلاث محاولات لتسوية القضية الكردية: "الانفتاح الديمقراطي" عام 2009، "عملية أوسلو" عام 2010، و"عملية السلام" بين عامَي 2012 و2015، وشملت المحاولة الأخيرة: عبد الله أوجلان (زعيم حزب الشعب الكردستاني الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في جزيرة إيمرالي)، والحزب الكردي البرلماني (ما يزال حزباً شرعياً رغم القمع الشديد الذي يتعرض له أعضاؤها)، لكنّ المحاولة فشلت.

اقرأ أيضاً: العدوان التركي والمقاتلون الأجانب.. تعرف إلى أخطر مخيمات داعش بسوريا
ولمزيد من التوضيح؛ أعتقد أيضاً أنّه من المثير للاهتمام التحدث عن العلاقة بين الحكومة التركية وحزب الاتحاد الديمقراطي منذ بداية الأزمة السورية، في الواقع، قبل أن تصنّفه تركيا صراحةً بـ "الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني"، وتواجهه عسكرياً، كان لهذا التشكيل اتصالات مع الحكومة التركية لمناقشة العلاقات عبر الحدود، أو حتى اتفاق للتعايش السلمي؛ لذلك ففي عام 2013، عندما أطلقت حكومة حزب العدالة والتنمية "عملية السلام" مع الأكراد، جاء الزعيم المسلم السابق في حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي كانت الصحافة التركية تقابله بانتظام، عدة مرات إلى إسطنبول، لإجراء اتصالات غير رسمية مع القادة الأتراك، وفي ذلك الوقت؛ بدا بعضهم على استعداد للسماح بإنشاء منطقة كردية متمتعة بالحكم الذاتي في سوريا، مماثلة لتلك الموجودة في شمال العراق، والتي تربطها بتركيا علاقات جيدة إلى حدّ ما، منذ عشرات الأعوام.
مهّد الانسحاب الأمريكي من سوريا الطريق للتدخل العسكري التركي

كيف تفسّر إعلان الانسحاب العسكري الأمريكي وانقلاب موقف الرئيس ترامب، رغم المساعدة التي قدمها الأكراد في العمليات ضدّ داعش؟
للإجابة عن سؤالك بطريقة شاملة؛ أعتقد أنّه يجب، أوّلاً، التذكير بأنّ الموقف الأمريكي يمثّل جزءاً من إرادة عامة بالانسحاب من الشرق الأوسط، وهي الإرادة السائدة منذ رئاسة أوباما؛ فلأنّها لا تريد أن تشارك عسكرياً على الأرض مع رغبتها في أن تكتفي بالغارات الجوية، استخدمت الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب على الأرض، لكن من المؤكّد أنّ الرئيس أوباما لم يكن ليتخلى عن الأكراد، مثلما فعل دونالد ترامب، وعلى أيّ حال، لم يسبق أن شهدنا تنافر النغمات واختلال الإدارة والفوضى التي ميزت الموقف الأمريكي في الأسابيع القليلة الماضية.

اقرأ أيضاً: العدوان التركي على سوريا: النتائج المتوقعة وأبرز الخاسرين
هذا الالتباس يجب البحث عنه في التحول المخيف في النظام الأمريكي، وطريقة وضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويشهد هذا التطور تصرف الرئيس غريزياً، دون أن يستمع حقاً إلى مستشاريه، وهذا حتى يرضي المصالح السياسية أو الانتخابية الفورية المباشرة، أو حتى المصالح الشخصية البحتة، وقد شهدنا بالفعل السيناريو نفسه، في كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ حين أعلن دونالد ترامب، بالمثل، انسحاب القوات الأمريكية الخاصة من روجافا، لكن أخيراً، وبسبب مقاومة البنتاغون، صار نطاق هذا الانسحاب محدوداً، كلّ هذه الأحداث (أحداث 2018 ، مثل أحداث 2019) كانت جزءاً من سياق لم تتوقف فيه تركيا عن التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على رحيل قواتها، حتى تصبح قادرة على شنّ عملية عسكرية ضدّ الأكراد، وانتزاع الممتلكات الإقليمية الأخيرة منهم.

إضعاف المنتصِر على داعش على الأرض والمصير غير المؤكد للمخيمات التي يوجد فيها الجهاديون وأقاربهم أمرٌ أشغل الرأي العام

بعيداً عن معارضة هذه الضغوط التركية، من الواضح أنّ الولايات المتحدة قد انجرفت إلى دوامة فكّ الارتباط، يجب فقط أن نلاحظ أنّ واشنطن تفاوضت مع أنقرة على إنشاء مناطق أمنية خاضعة للسيطرة التركية الأمريكية المشتركة، في منبج (في حزيران /يونيو 2018)، ثم على الضفة الشرقية للفرات (في تموز /يوليو 2019)، لكنّ هذه الترتيبات لم تنجح، وقد أعلن ترامب، الذي يبحث عن دعم أمريكا العميقة للحدّ من التدهور المتسارع لموقفه السياسي الداخلي، انسحاباً جديداً حقيقياً هذه المرة، ما مهّد الطريق للتدخل العسكري التركي.
هذا الانقلاب الذي شهد قيام الرئيس الأمريكي بإرسال نائب رئيسه، مايك بينس، ووزير خارجيته مايك بومبو، إلى تركيا للتفاوض على تعليق عملية "نبع السلام"، أحدث فضيحة حقيقية في الولايات المتحدة، لقد تمّ استنكار القرار الرئاسي بالانسحاب والهجوم العدائي التركي، بشدة، حتى في الأوساط المحافظة للحزب الجمهوري، وهي التجربة التي عاشها بألم كبير معظم العسكريين الأمريكيين، الذين وصفوا الوضع بـ "الخيانة" أو "العار"؛ ففي روجافا عرض الجنود الأمريكيون، عند انسحابهم، دروعَ وحدات حماية الشعب على زيّهم العسكري كعلامة على تضامنهم معها.

اقرأ أيضاً: ما الذي يخبئه الاتفاق التركي- الأمريكي على وقف "نبع السلام"؟
بشكل أعم، بمناسبة هذا الإخفاق فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها القليلة في الشرق الأوسط، بعد نقل سفارتها إلى القدس، وليس من المؤكد أنّ تعليق العملية العسكرية التركية التي حصلت عليها في 17 تشرين الأول (أكتوبر)، سيعيد إليها التحكم في اللعبة، طالما أنّ روسيا، الضالعة قليلاً في هذه القضية حتى الآن، والمتواجدة رغم ذلك في الصراع السوري وفي المنطقة، تبدو جاهزة للاستفادة من الوضع وجني ثماره.

لماذا سمح بشار الأسد بتدخل تركيا عسكرياً في سوريا؟
صحيح أنّه، على عكس التدخلات السابقة، جاء احتجاج النظام السوري ضعيفاً، لكنّ الأمر بالنسبة إليه ليس الموافقة على احتلال تركيا لأراضيه، بل الأمر في الوقت الحالي بالنسبة إلى سوريا هو محاولة الاستفادة من الوضع الجديد، الذي أوجده التدخل العسكري التركي؛ فبإضعافه للأكراد، يقوّض هذا التدخل الفاعلَ الأخير للنزاع السوري الذي، في سياق التسوية النهائية للأزمة، يمكنه التفاوض من موقع قوة، مع وجود مساحة جاهزة وقوات مدربة، ومن الآن فصاعداً، حتى لو توقفت العملية التركية، فإنّ الأكراد سيكونون في وضع محفوف بالمخاطر، هذا يضع النظام السوري وحلفاءه في وضع يتيح لهم الاستفادة من هذا التدخل التركي، لطالما عبّرت إيران عن تردّدها، بل وحتى معارضتها، لتوغلات الجيش التركي في سوريا، لكنّ روسيا كانت أكثر مرونة في هذا الصدد، على الأقل في البداية؛ ففي عدة مناسبات، قبل وبعد اندلاع عملية "نبع السلام"، قالت موسكو إنّها "تفهم قلق" تركيا، واعترفت "بحقّها في حماية نفسها من الإرهاب"، يجب ألا ننسى؛ أنّه رغم مواقفهما المختلفة في الأزمة السورية، فقد وضع البلدان العديد من التقاربات في الأعوام الأخيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومع ذلك؛ فمن المحتمل أنّ روسيا لا تنوي السماح لتركيا بالاستقرار بشكل دائم في شمال سوريا، وإن تحققت تسوية نهائية، فإنّ مستقبل الأراضي التي سيطر عليها الجيش التركي في شمال سوريا، بسبب العمليات التي قام بها منذ، عام 2016، سوف يُطرح حتماً، كما هو الحال بالفعل في مشكلة وجودها في جيب إدلب، حيث تقوم، بحكم عملية أستانا، بوظيفة التوسط، وهو ما تعارضه بانتظام كلّ من موسكو ودمشق.

ترامب يبحث عن اتفاق كبير مع أردوغان

كما تجدر الإشارة إلى صمتٍ آخر، بصرف النظر عن صمت دمشق، وهو صمت الحكومة الإقليمية الكردية في شمال العراق، والتي أعادت، بعد نزاع مع أنقرة، بسبب إعلان استقلالها، عام2017، علاقاتها بشكل مذهل مع تركيا، ولا تنوي، على ما يبدو، المجازفة بتقويض هذا التقارب، رغم استمرار عملية بينس، شمال العراق، منذ الصيف، وهي عملية عسكرية تركية أخرى ضدّ حزب العمال الكردستاني، والتي يبدو أنّ الجميع قد نسيها.
هل يمكن أن تكون لعملية "نبع السلام" والانسحاب الأمريكي نتيجة السماح بعودة داعش؟
إنّ إضعاف المنتصِر على داعش على الأرض، والمصير غير المؤكد للمخيمات التي يوجد فيها السجناء الجهاديون وأقاربهم، أمرٌ أثار بالطبع انفعالَ وانشغال الرأي العام، ومن المؤكد أنّ الهجوم العسكري التركي على الضفة الشرقية لنهر الفرات يمكن أن يُزعزع اليقظةَ اللازمة في هذا المجال، ومع ذلك؛ فمن الواضح أنّ داعش لم ينتظر هذه الأحداث لإظهار أنّه نجا من هزائمه، بما في ذلك في العراق؛ ففي حركة لا تخلو من تبريرات غامضة، أعلنت الولايات المتحدة أنّ القوات الخاصة التي سحبتها من سوريا، ستذهب لمحاربة داعش في العراق، لكنّ هذا التلاعب بالأدوار لا يبشّر بالخير.


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
lesclesdumoyenorient.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية