هل ترفع المرجعية الدينية الشيعية الشرعية عن الحكومة العراقية؟

العراق

هل ترفع المرجعية الدينية الشيعية الشرعية عن الحكومة العراقية؟


23/09/2019

تعاني حكومة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، آلام مخاضها الوجودي في البقاء أو المغادرة، وسط تهديدات الكتل المكونة لها إطاحتها نهاية العام الجاري، وذلك على خلفية عدم تنفيذ البرنامج الحكومي الذي من أبرز معالمه مكافحة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، في وقتٍ يصرّ فيه رئيس الحكومة العراقية على "مبدأ التوازن السياسي" مع مختلف الأطراف، للخروج بالعملية السياسية إلى برّ الأمان.

الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يمنح الحكومة فرصة أخيرة للإصلاح وساسة ينتقدون مشاركته في الحكومة والمعارضة معاً

ويبدو أنّ زعيمَي تحالفَي "سائرون" و"الفتح"، مقتدى الصدر وهادي العامري، قد انفرط عقدهما، بعد تهديد الصدر بسحب يده من الحكومة في حال عدم الاستجابة للمطالب الشعبية، فيما يتجه زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، إلى توسيع جبهة معارضته للحكومة، عبر انضمام كوادر سياسية وقوى اجتماعية ومدنية إليها.
وتقف الحكومة العراقية موقف العاجز أمام ملف الفساد السياسي والإداري الذي تعاني منه الدولة، منذ التغيير الذي حصل عام 2003؛ إذ قدّم وزير الصحة الحالي، علاء الدين العلوان، استقالته، للمرة الثانية، لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، مؤكداً له عدم قدرته على مجابهة الفساد في وزارته.

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي

الإنذار الأخير للحكومة
يرى سياسيون عراقيون؛ أنّ التهديدات والإنذارات التي تتلقاها الحكومة العراقية من قبل الكتل الداعمة لها، هي بمثابة "ابتزاز سياسي" أو هروب من المسؤولية، مؤكدين أنّ تسمية عادل عبد المهدي رئيساً للحكومة جاءت بتوافق بين مختلف الأطراف.
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد وجّه، في 7 أيلول (سبتمبر) الحالي، إنذاراً أخيراً لرئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، محذراً من أنّ العراق يتّجه ليكون "دولة شغب"، نتيجة انفلات القرار العسكري بين الحكومة وفصائل الحشد الشعبي.

اقرأ أيضاً: العراق وهيمنة الميليشيات الإيرانية
وانتقد السياسي العراقي، حيدر الملا، مقتدى الصدر على ما أسماه "التنصّل من مسؤولياته تجاه الشعب العراقي؛ كونه يمثل حاضنة لحكومة عبد المهدي"، مبيناً أنّ "الصدر يقوم بتبادل الأدوار في كلّ أزمة سياسية، تارة يتبنى الحكومة وتارة أخرى يعارضها، وهو جزء منها".
ويضيف الملا لـ "حفريات": "جدية تهديدات التيار الصدري، يجب أن تكون عملية، عبر سحب الثقة من الحكومة الحالية، في حال سخط السيد مقتدى الصدر عليها"، متسائلاً: "لماذا يتفاوض فريق كتلة "سائرون" مع عبد المهدي على الدرجات والوظائف الخاصة في الحكومة".
الصدر يهدد الحكومة ويمنحها فرصة أخيرة للإصلاح .. ومطالبات بحفظ هيبة الدولة

الحكيم وحكومة الظلّ
وفي ظلّ تطورات المشهد السياسي؛ أعلن تيار "الحكمة"، المعارض لحكومة عادل عبد المهدي، اتخاذ كتلته النيابية دور "حكومة ظلّ"، لمراقبة أداء الحكومة الفعلية بكافة وزرائها.
ويوضح النائب عن كتلة الحكمة حسن خلاطي، لـ "حفريات": أنّ " المقصود بـ "حكومة الظلّ"، الرؤى المقابلة لرؤى كلّ وزارة، البرنامج الذي يطرح مقابل كلّ برنامج لكلّ وزارة في الحكومة، ومدى تنفيذ البرنامج، ورؤى جانب المعارضة في التنفيذ".

اقرأ أيضاً: كيف يواجه الإعلام تحديات "الفساد المقدس" في العراق؟
وأكّد خلاطي أنّ "حكومة الظلّ، لا تعني بالضرورة أن يكون هناك وزير مقابل وزير، أو رئيس وزراء مقابل رئيس وزراء، لكن سيكون هناك برنامج مقابل برنامج ولكلّ وزارة"، مبيناً أنّ "تيار "الحكمة" لديه برنامج خاص لكلّ وزارة، وسيقارنه بالبرامج الوزارية".

من جهته، أشاد الناشط السياسي، أحمد الموسوي، بـ "الجهود السياسية للمعارضة التي افتقدها النظام الديمقراطي العراقي، على مدار 16 عاماً"، مبيناً أنّ "جميع القوى السياسية المختلفة كانت تشارك في الحكومات السابقة؛ لذا لم يتحمّل أحد مسؤولية تردّي الأوضاع في البلاد".

اقرأ أيضاً: سجون الحشد بالعراق.. 50 ألف معتقل في غياهب الخطف والقتل

وأعرب لـ "حفريات" عن أمله أن تنحو المعارضة النيابية للحكومة، "منحى مهنياً صرفاً، لا أن يتضمّنها الاستهداف السياسي المعرقل لتنفيذ البرنامج الحكومي المتعلق بحياة المواطنين بشكل عام".

الحكيم يوسع جبهة معارضته للسلطة التنفيذية ويسعى لضم قوى اجتماعية وسياسية ومدنية لجبهته

المرجعية الدينية ونبرة التهديد
وفي السياق ذاته، ألمحت المرجعية الدينية الشيعية العليا، إلى رفع الغطاء والشرعية عن حكومة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، في حال فشلها بمكافحة ملف الفساد.

وتساءل أحمد الصافي، وكيل مرجعية السيد السيستاني، خلال خطبة صلاة الجمعة: "أين ذهبت أموال البلاد بأرقامها المرعبة؟ ولماذا تستمر معاناة الشعب؟ في كل يوم نسمع عن الفساد، وعن أرقامه الكبيرة والمهولة".

استقالة وزير الصحة تكشف عدم قدرة المسؤولين العراقيين على مقاومة الفساد وعبد المهدي يمنحه إجازة مفتوحة

وأضاف مستغرباً: "هل هناك أفق لحلّ مشكلاتنا وسقف زمني لذلك؟ أما آن الأوان للشعب أن يرتاح، وأن تُلبَّى أبسط حقوقه؟"، مؤكّداً أنّ "المواطن العراقي بات يفكر بمغادرة بلاده".

بدورهم، رأى صحفيون عراقيون؛ أنّ تهديدات المرجعية الشيعية الأخيرة، جاءت بفعل الضغط الاحتجاجي على الأداء الحكومي، وقال الصحفي حيدر الخفاجي لـ "حفريات" إنّ "الضغط الشعبي دفع المرجعية إلى توبيخ الطبقة السياسية، بطرح عدة تساؤلات عن تراكمية التحديات الخدمية والاقتصادية والحقوق المفقودة، مقارنة بحجم الموازنات والإنفاق الحكومي على الرواتب، والامتيازات للمسؤولين العراقيين التنفيذيين والتشريعيين، فضلاً عن استفحال ظاهرة الفساد المالي والإداري".

وحذّر الخفاجي من "انهيار المنظومة السياسية في حال عدم إيفاء السلطة التنفيذية بالتزاماتها تجاه الطبقات الاجتماعية العراقية، خصوصاً طبقة الشباب الخريجين؛ إذ باتوا بالآلاف، وهم عاطلون عن العمل، مما ينذر بخلق موجة احتجاج عارمة مجدداً".
وزير الصحة العراقي علاء الدين العلوان

وزير الصحة يحرج رئيسه
وللمرة الثانية؛ يقدم وزير الصحة والبيئة، علاء الدين العلوان، استقالته لرئيسه عادل عبد المهدي؛ احتجاجاً على الضغط السياسي الذي يتعرض له داخل وزارته، مما يعيق عمله في تطوير الواقع الصحي "المتردي" في البلاد.
وقال العلوان، في فحوى رسالته المكونة من (4 صفحات)، لرئيس الوزراء: "تحيط بعملي عقبات ومعوقات كثيرة، يضعها من يقحم التدخلات والضغوط السياسية في عمل الوزارة، ومن تتعارض مصالحه مع التغيير الذي أجريته فيها"، مشيراً إلى تعرّضه لـ "هجمات إعلامية؛ حيث لجأ من لا يريدون النهوض بالقطاع الصحي إلى التشهير في وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي".

اقرأ أيضاً: السلاح السائب بيد الأحزاب الدينية ومليشياتها في العراق
وتابع العلوان: "توصلت إلى قناعة راسخة بعدم إمكانية الاستمرار بالعمل في هذه الظروف، استقالتي بدأت فعلياً من يوم الخميس الماضي 12 أيلول (سبتمبر) 2019"، وكان العلوان قد قدّم استقالته من المنصب، في 19 شباط (فبراير) 2019، لكنّ رئيس الوزراء رفض الاستقالة حينها، وأقنعه عدد من رؤساء القوى السياسية بالعدول عنها أيضاً.
إلى جانب ذلك؛ قدّم الوزير العلوان تقريراً لرئيس الحكومة عن القطاع الصحي بالعراق، وقال: إنّ "تطويره يحتاج لاستثمار ملياري دولار على الأقل".
ممثل المرجعية الدينية يهاجم إخفاقات الحكومة في الإصلاح ويطالب بمكافحة الفساد

رسالة ودّية بإجازة مفتوحة
من جهته، ردّ رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، على استقالة وزير الصحة، علاء الدين العلوان، رافضاً قبولها، ومانحاً إياه إجازة مفتوحة.
وقال عبد المهدي في نصّ رسالتهِ للعلوان: "يؤسفني استلام كتاب استقالتكم، فأنت أحد الرموز البارزين لهذه الوزارة، وقد قمت خلال فترة قصيرة بعمل مؤسساتي وبنيوي كبير نفتخر به جميعاً، واستمرارك معنا أمر ضروري لإنجاز ما بدأته، ولاستكمال المنهاج الذي تعاهدنا على تحقيقه".

اقرأ أيضاً: هل يسعى الحشد الشعبي لتوريط العراق مع إسرائيل لإرضاء طهران؟
وأضاف: "نعم، أنا أعلم أنّ الصعوبات كبيرة، وأنّ المخلصين الذين نذروا أنفسهم لوطنهم ويتمسكون بمهنية قراراتهم واستقلالية سياسياتهم طالما يتعرضون لشتى أنواع الضغوطات؛ لأنّهم يتصدّون لأمور جدية وإصلاحية، يتضرر منها يقيناً من يصرّ على استمرار الفساد والدفاع عن مصالحه الخاصة".
وخاطب رئيس الوزراء وزير الصحة المستقيل بالقول: "عزيزي الدكتور؛ تعلم جيداً أنّني لن أقبل استقالتك بهذه السهولة، وأؤكد لك أنّني استلمت كمّاً هائلاً من الاتصالات التي تؤيد موقفي، الرافض لها، وتشجعني عليه، لكنّني -احتراماً لموقفك وتقديراً لظرفك- قررت منحك إجازة، لا للتفكير فقط، بل أيضاً كي تعود إلى عملك في ظروف تحميك من الإساءات والتجاوزات اللادستورية واللاقانونية واللاأخلاقية لتستمر بتقديم خدماتك لبلدنا الحبيب، العراق، سنبقى على اتصال، وتقبَّل مني كامل التقدير والاحترام".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية