كيف نفهم الأيديولوجيات السياسية بعيداً عن حمولتها التاريخية والاجتماعية؟

كيف نفهم الأيديولوجيات السياسية بعيداً عن حمولتها التاريخية والاجتماعية؟


22/07/2019

يفيد كتاب "مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية" لمؤلفه أندرو هيود، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، 2012، المثقفين كما طلبة العلوم السياسية، فضلاً عن الباحثين، في فهم ودراسة الأيديولوجيات السياسية كما هي بعيداً عن حمولتها الإعلامية والتاريخية والاجتماعية التي صارت، وخاصة في الفضاء العربي، تعوق الفهم والتحليل.

إنّ الأفكار السياسية لا تنشأ من فراغ ولا تسقط من السماء إنما تكونها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية

إنّ الأفكار السياسية لا تنشأ من فراغ، ولا تسقط من السماء كالمطر، إنما تكونها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وببساطة ترتبط النظرية بالحياة السياسية. والناس لا يرون العالم كما هو، لكن كما يتوقعونه أن يكون، أو عبر حجاب من المعتقدات والافتراضات المتأصلة، وقد استخدم مفهوما الأيديولوجيا والأيديولوجي للإشارة إلى المتعصبين؛ ما جعل المفهوم ملتبساً، كما ارتبطت الأيديولوجيات السياسية بطبقات اجتماعية معينة؛ فالليبرالية ارتبطت بالطبقة الوسطى، والأيديولوجيا المحافظة ارتبطت بالأرستقراطية المالكة للأرض، والاشتراكية بالطبقة العاملة، لكن من المؤكد أنّه مفهوم يشمل جميع الأفكار والفلسفات السياسية باعتباره منظوراً لرؤية العالم.

كتاب "مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية" لمؤلفه أندرو هيود
ليس هناك تعريف مستقر أو متفق عليه لمصطلح الأيديولوجيا، ومن المعاني التي ارتبطت بالأيديولوجيا: نسق عقيدي سياسي، ومجموعة من الأفكار السياسية ذات التوجه الحركي، وأفكار الطبقة الحاكمة، ورؤية كونية لجماعة اجتماعية أو طبقة اجتماعية معينة، وأفكار سياسية تجسد أو تبين المصالح الاجتماعية أو الطبقية.

اقرأ أيضاً: لماذا تعاني الليبرالية من سوء السمعة في العالم العربي؟
وقد عرفها مارتن سيلجر (1976) بأنّها مجموعة من الأفكار يضع من خلالها الناس ويبررون غايات ووسائل النشاط الاجتماعي المنظم، بغض النظر عما إذا كان ذلك النشاط يهدف للحفاظ على نظام اجتماعي بعينه، أو تعديله، أو تغييره، وبهذا التعريف لا تعد الأيديولوجيا أمراً سيئاً أو جيداً، صادقة أو كاذبة، معتدلة أو متطرفة، لكن يمكن أن تكون جميع ما ذكر. ويعتبر المؤلف هذا التعريف جامعاً شاملاً ينطبق على جميع المذاهب.

اقرأ أيضاً: الجذور الليبرالية للأصلانية: تاريخ من كره الأجانب
وفي هذا الكتاب عرّف المؤلف الأيديولوجيا بأنّها مجموعة متماسكة من الأفكار تضع أساساً للنشاط السياسي المنظم، سواء قصد به الحفاظ على نظام القوة القائم، أو تعديله، أو الإطاحة به، ولذلك تتصف جميع الأيديولوجيات بأنّها تقدم توصيفاً للنظام القائم، ونموذجاً للمستقبل المرجوّ، وتفسر كيف يجب ويمكن إحداث التغيير السياسي.

لا يرى الناس العالم كما هو بل كما يتوقعونه أن يكون أو عبر حجاب من المعتقدات والافتراضات المتأصلة

وقد تبلورت خريطة الأيديولوجيات في القرن العشرين على النحو التالي: الليبرالية في وسط المشهد وعلى يمينها المحافظة، ثم القومية، ثم الفاشستية، وعلى يسار الليبرالية تأتي الاشتراكية ثم الشيوعية، ثم الفوضوية أو الأناركية. وهناك مجموعة من الأيديولوجيات الجديدة مثل؛ النسوية والإيكولوجية والأصولية الدينية والتعددية الثقافية.

اعتبر الليبراليون الأيديولوجيا بأنّها نسق عقيدي يدعو إلى احتكار الحقيقة، ولذلك يعدّونها قمعية وشمولية، ويصنفون فيها الشيوعية والفاشستية. وقد نظر المحافظون إليها (الأيديولوجيا) باعتبارها أحد تجليات غطرسة المذهب العقلاني؛ فهي أنساق محكمة وخطيرة لا يوثق بها، وغير قابلة للتحقق، ويصنفون فيها على هذا الأساس الاشتراكية والليبرالية.

اعتبر الليبراليون الأيديولوجيا بأنّها نسق عقيدي يدعو إلى احتكار الحقيقة

أما الاشتراكيون فيرونها تجسيداً لأفكار تخفي تناقضات المجتمع الطبقي، وتروج للوعي الزائف، لكنهم لاحقاً تبنّوا تعريفاً محايداً يعتبر الأيديولوجيا منظومة فكرية لأية طبقة اجتماعية، بما في ذلك الطبقة العاملة. ويفضل الفاشستيون تصوير أفكارهم كرؤية كونية وليس فلسفة نسقية، وتعامل الأصوليون الدينيون مع النصوص الدينية الرئيسية كأيديولوجيا على أساس أنّها تقدم برنامجاً شاملًا لإعادة البناء الاجتماعي كونها تعبر عن الكلمة التي أوحى بها الله تعالى.

اقرأ أيضاً: الليبرالية القلقة: الوفد والقومية والاستقلال

تمثل الليبرالية العمود الفقري للفلسفة السياسية للعصر الحديث، وهي مصدر الأيديولوجيات العلمانية على يمينها وعلى يسارها، وتلتزم الأيديولوجيا الليبرالية بمجموعة متميزة من القيم والمعتقدات؛ أهمها الفرد والحرية والعقل والعدالة والتسامح. ويفهم الليبراليون الديمقراطية بمصطلحات فردية كالرضى الذي تعكسه صناديق الانتخابات؛ حيث تساوي الديمقراطية بين جميع المواطنين، وبينما يعيق الديمقراطية إساءة استخدام السلطة، فإنّها ينبغي أن تمارس في إطار دستوري لمنع طغيان الأغلبية.

اقرأ أيضاً: لماذا رخّص الليبراليون بيع الماريغوانا للمواطنين في كندا؟

ويدعم المحافظون الحكم الديمقراطي الليبرالي لكن بشروط تتعلق بالحاجة لحماية الملكية والمؤسسات التقليدية من الإرادة غير المنضبطة للأغلبية، وقد ربط اليمين الجديد في الديمقراطية الانتخابية بين مشكلات الحكومة المهيمنة والركود الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: الإسلامية والليبرالية.. هل تمثلان نتاج الصراع على أسس النهضة؟

الاشتراكيون أيضاً يدعمون تقليدياً شكلاً من الديمقراطية الراديكالية، والتي تقوم على المشاركة الشعبية والرغبة في وضع الحياة الاقتصادية تحت الرقابة العامة، ويرفضون اعتبار الديمقراطية الليبرالية ببساطة ديمقراطية رأسمالية، ومع ذلك يشعر الديمقراطيون الاجتماعيون المحدثون بالالتزام بصورة راسخة بالديمقراطية الليبرالية.

ويؤيد الأناركيون الديمقراطية المباشرة، ويطالبون بالمشاركة الشعبية المستمرة  واللامركزية الراديكالية، ويعدون الديمقراطية الانتخابية أو التمثيلية مجرد واجهة تحاول إخفاء سيطرة النخبة وإرضاء الجماهير بما تتعرض له من قمع.

تتصف الأيديولوجيات بأنّها تقدم توصيفاً للنظام القائم ونموذجاً للمستقبل المرجوّ وتفسر كيفية إحداث التغيير السياسي

ويعتنق الفاشستيون أفكار الديمقراطية الشمولية ويرون أنّ الديمقراطية الأصيلة هي الديكتاتورية المطلقة؛ حيث يحتكر القائد الحكمة، وهو وحده قادر على التعبير عن المصالح الحقيقية للناس، ولذلك فإنّ المنافسة الحزبية والانتخابية تعد فاسدة ومتفسخة.

ويؤيد الإيكولوجيون ديمقراطية المشاركة أو الديمقراطية الراديكالية، وقد طور الراديكاليون نقداً خاصاً للديمقراطية الانتخابية يصورها كوسيلة فرض مصالح الجيل الحالي من البشر على الأجيال اللاحقة (الأجيال التي تتمتع بحق الاقتراع) والأنواع الأخرى والطبيعة.

وبدأت منذ منتصف أواخر القرن العشرين وازدهرت في نهايته أفكار عن نهاية الأيديولوجيا أو ما بعد الأيديولوجيا أو الأيديولوجيات الجديدة مثل: العقلانية والطريق الثالث وما بعد الحداثة والتعددية الثقافية؛ والمستمدة من مرحلة ما بعد الصناعة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية