لماذا يميل الأندونيسيون لتطبيق الشريعة الإسلامية؟

لماذا يميل الأندونيسيون لتطبيق الشريعة الإسلامية؟


11/11/2017

أشارت دراسة أجريت مؤخراً  على مستوى أندونيسيا، أنّ نسبة معتبرةً من السكان  تؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية ضمنَ الأمّة الجنوب شرق آسيوية ذات الأغلبية المسلمة.

الدراسة الاستقصائية التي أجراها "معهد دراسات جنوب شرق آسيا - معهد يوسف إسحاق" ومكانه سنغافورة، وجدت أنّ 82% من نسبة 1,620 شخصًا استطلعت آراؤهم، اعتبروا ارتداء الحجاب أو غطاء الرأس الإسلامي علامة ظاهرية مهمّة على التدين الإسلامي عند النساء.
وتأتي نتائج الدراسة وسط مخاوف متزايدة بشأن دور الدين والنشاط السياسي الإسلامي اليميني في إندونيسيا التي تُعدّ موطن أكبر  عدد من السكان المسلمين في العالم بعددٍ يبلغ أكثر من 200 مليون نسمة.
وفي هذا الشأن، صرّح أستاذ السياسات المقارنة والدين في الشرق الأوسط  بجامعة بوسطن جيريمي مينيشك لـ"دويتشه فيله": "إنّ الأندونيسيين  جزءٌ من الصحوة الإسلامية العالمية، وهي اتجاه ينحو إلى زيادة التدين وصبغ المجتمع بالهوية الإسلامية".
وأضاف مينيشك: "إن الصحوة الإسلامية تعود جزئياً إلى الإحباط الشعبي من جراء الفراغ الأخلاقي لليبرالية العلمانية والرأسمالية. وفي بحثهم عن روابط ذات معنى على نحو أكبر، فإنّ العديد من الأندونيسيين يتطلعون إلى الإسلام".

الضغط من أجل التوافق مع التعاليم الإسلامية

زكاري أبوزه، خبير أمني مختص في جنوب شرق آسيا وأستاذٌ في كلية الحرب الوطنية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، يتفق أنّ ثمة تزايد واضح في التدين وعروض التقوى في المجتمع الأندونيسي.
ويشرح أنّ النمو الحاصل في التدين هو جزء من "عملية ممتدة لعدة عقود بدأت في ثمانينيات القرن الماضي عندما أخذ الدكتاتور الأندونيسي حينذاك "سوهارتو" يفقد الشرعية، فقام بالتلاعب بدور الإسلام والمؤسسات الإسلامية في محاولة لتعزيز شعبيته المتدنية".
ويضيف أبوزه: "السياسيون الآن، يطلبون رضا الإسلامويين ولا يعترضون على "صبغ كل شيء بصبغة الشريعة" الزاحفة من خلال السياسة العامة".

مينيشك: إن الصحوة الإسلامية تعود جزئياً إلى الإحباط الشعبي من جراء الفراغ الأخلاقي لليبرالية العلمانية والرأسمالية

ولفتَ أبوزه النظر إلى قيام قانون ضد التجديف و إلى أنّ الجماعات الإسلاموية  "تقوم بتطبيق ما تراه من الشريعة بنفسها، وبغض النظر  عن سلطة الدولة كما تقوم بانتهاك حقوق حرية التعبير وتعمل على ترهيب وإسكات المعارضين في السنوات الأخيرة". أيضًا، صارت المؤسسات العلمانية من قبيل الجيش أو الشرطة أقل علمنة اليوم مما كانت عليه من قبل.
ويؤكد أبوزه أن جزءاّ من أسباب هذه الأسلمة المتزايدة للمجتمع والمؤسسات العامة يمكن أن يعزى إلى "وجود تدفّق من المال والموظفين من بعض أطراف بالمملكة العربية السعودية إلى المؤسسات التعليمية الإسلامية في جنوب شرق آسيا".
بدورها، تحدثت عالمة الاجتماع الثقافي والمتخصصةِ في المجتمعات الإسلامية بجامعة كولورادو بولدر راشي رينالدو، عن أهميةِ توخي الحذر إزاء بعض النتائج التي توصلت إليها الدراسة الاستقصائية الأخيرة. وهي تعتقد أنّه من الصعب في الواقع القول إن كان ثمة بالفعل زيادة في التدين بأندونيسيا.
وأوضحت رينالدو: "إن البيانات المتعلقة بالقيم والممارسات الدينية في أندونيسيا تعتبر حديثةً نسبياً، ولذلك لا نمتلك أساساً جيداً بما يكفي للمقارنة، كما يعتمد الأمر كثيرًا على كيفية تعريفنا للتدين، فإذا عرّفناه على أنه الإيمان بالإله، فإن الإندونيسيين ربما كانوا متدينين فعلًا منذ زمن طويل".
ورأت الخبيرة، التي أجرت أعمالاً ميدانية في أندونيسيا منذ عام 2002، أنّ ما تغير في أندونيسيا خلال العقود القليلة الماضية هو أفكار بشأن ما يعنيه أن تكون متديناً وكيف تكون مسلماً، وتفسر رأيها هذا بالقول:
"من المؤكد أنّ هناك ضغطًا أكثر في السنوات الأخيرة للتوافق مع الممارسات الدينية التي تعتبر إسلامية، من قبيل ارتداء الحجاب، أو أداء الصلوات الخمس في الأوقات الموصى بها، أو حضور الفصول الدراسية القرآنية، إنّ المسلمين الأندونيسيين الآن، أكثر احتمالًا لأن يقوموا بهذه الأمور مما كان عليه الحال فى الماضي، ويبقى السؤال مفتوحاً إن كان كل هذا يمثل تديناً؟".

سؤال الحجاب
وتشير دراسة "معهد دراسات جنوب شرق آسيا - معهد يوسف إسحاق" أنّ ما يقرب من 80 % من النساء المسلمات الأندونيسيات اللواتي شملتهن الدراسة يرتدين الحجاب، ومن المثير للاهتمام كشفُ الدراسة أن ارتداء الحجاب الإسلامي  أصبح أكثر شيوعاً بين النساء من ذوات التعليم والدخل العاليين.
وكما أوردت الدراسة: "لا يبدو أنّ ارتداء الحجاب أصبح علامة ظاهرية مقبولة عن التدين الإسلامي للنساء في إندونيسيا فحسب، فقد يكون مرتبطًا أيضا بالمركز الاجتماعي للمرأة المسلمة".
لكن رينالدو قالت إنّها حذرةٌ أيضاً فيما يتعلق بنسبة الـ 78.2 % من المسلمات اللواتي استطلعت آراؤهن وورد أنهن يرتدين الحجاب حيث قالت: "يبدو هذا الرقم كبيراً جداً في رأيي، سواء على أساس تجربتي الخاصة، أو على أساس البيانات الأخيرة".
وفي معرض حديثها، أشارت رينالدو  إلى دراسة استقصائية أجريت في جاكارتا الاندونيسية عام 2014 باسم "الانتقال إلى سن البلوغ"، إذ وجدت الدراسةُ حينها أنّ 37% من النساء المسلمات يرتدين الحجاب. وهو ما جعلها تضيف أنّها غير متأكدةٍ من التباين الموجود بين الدراستين إلا أنّها غير مقتنعة بأنّ حوالي 80% من المسلمات الأندونيسيات يرتدين الحجاب.
أما بخصوص أسباب ارتداء المسلمات الأندونيسيات الحجاب، فقالت رينالدو إنّها مختلفة: "فمن بينها الموضة، والحشمة، والضغط الاجتماعي، والاختيار الفردي. ومن المؤكد أنّ أندونيسيا اجتازت الكثير من التغيير فيما يتعلق بملابس النساء، على الرغم من أنني أجادل بأنّ التغييرات الكبرى قد حدثت فى أوائل الألفية الحالية".
وأصبح رائجاً عن المرأة المسلمة في العقود القليلة الماضية تبنيها نوعاً من اللباس المحتشم، غالباً ما يشتمل على الحجاب، وهو ما تؤكده رونالدو: "هناك بالتأكيد ضغط اجتماعي، بما في ذلك  ضغط من نساء أخريات لارتداء الحجاب، وفي بعض مناطق البلاد هناك لوائح تشترط ذلك".
لكن خبراء يشيرون إلى أنه من المهم أيضًا أن ندرك أن اللباس الإسلامي أصبح بشكل كبير متماشيًا مع الموضة على مدى العقد المنصرم.

أبوزه: الأحزاب الإسلاموية استفادت من الفساد المتفشي للأحزاب العلمانية، وفشل المؤسسات السياسية في مكافحته

وفي هذا السياق، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المصممة "ديان بيلانغي قولها: "في نيويورك، عندما عرضت مصممات أندونيسيات واعدات تصاميم أنيقة للأحجبة والعباءات في أسبوع الموضة بدا أنهن يقلن "لسنا مضطهدات ونريد أن نُظهر للعالم أننا ما زلنا نستطيع أن نكون جميلات وأنيقات عند ارتداء الحجاب".
رينالدو، عادت وعلقت على هذا الرأي بقولها: "في بعض الحالات، يتمثَّل الفارق الرئيس بين اللباس الإسلامي واللباس الغربي في تعطية المرأة لشعرها، وعدم تعريتها لذراعيها أو ساقيها - ولكن ما خلا ذلك يظل الشئ نفسه"، وهكذا، غالباً ما نرى في الموضات الإسلامية أنماط الملابس نفسها الموجودة في أجزاء أخرى من العالم، ولكن بعد أن جُعلت أكثر حشمة".

معبد هندوسي في بالي

تأييد الشريعة

تُعتبر أندونيسيا إلى حد بعيد دولة يمارس معظم شعبها شكلًا معتدلًا من الإسلام، وبينما يشكل المسلمون حوالي 85 % من سكان البلاد، هناك أقليات هندوسية وبوذية ومسيحية وطوائف أخرى، ومن ثم فإن المجتمع الإندونيسي متنوع ويتكون من عدد من المجموعات العرقية ذات الثقافات واللغات وأنماط الحياة المختلفة.
ولكن في السنوات الأخيرة، هناك مخاوف بشأن التعصب المتزايد الذي يتساوق مع النفوذ التدريجي الذي تكتسبه محاولة المسلمين الراديكاليين تحويل إندونيسيا إلى دولة إسلامية صارمة.
ففي الدراسة، قال عدد كبير من المسلمين الذين استطلعت آراؤهم إنهم يعتقدون أنه ستكون هناك فوائد مختلفة إذا تم تطبيق الشريعة في بلادهم، ووفقًا لهم، فإن أهم فائدة ستكون حماية القيم الأخلاقية في المجتمع.
وبهذا الشأن لاحظت رينالدو أن: "أسئلة الدراسة الاستقصائية حول الدين والأخلاق مُراوغة للغاية لأنها تميل إلى استخلاص ما يعتقد الناس أنه من المفترض عليهم قوله".
وأكدت أن الدراسة ربما وجدت قدرًا كبيرًا من التأييد "39%" لفرض الشريعة، لكن من الصعب معرفة ما يعنيه الناس بالشريعة، كما أن هناك تفسيرات مختلفة جدًا، بما في ذلك داخل إندونيسيا نفسها، كما لاحظت الخبيرة.

هناك مخاوف في السنوات الأخيرة من تزايد التعصب المتزامن مع محاولة المسلمين الراديكاليين تحويل أندونيسيا إلى دولة إسلامية صارمة

وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين الأندونيسيين لا يصوتون بأغلبية ساحقة للأحزاب السياسية الإسلامية في الانتخابات، مما يشير إلى أن الشريعة ليست بالضرورة الشاغل الرئيس. وقد أشار واضعو الدراسة إلى أن الشريعة تبدو وكأنها وسيلة لحماية القيم الأخلاقية.
وفي المجتمعات التي تشهد تغيرات اجتماعية سريعة، غالبًا ما يكون هناك قلق بشأن الحفاظ على التقاليد والعادات، وذلك فإنه ليس من المستغرب جدًا أن نرى هذا في إندونيسيا التي يقل عمر الديموقراطية فيها عن 20 عاًما كما أوضحت رينالدو.
وهو ما يوافق عليه أبوزه بقوله: "هناك شعور بأن الشريعة مرتبطة بالأخلاق"، لكن الأحزاب الإسلاموية استفادت أيضًا من الفساد المتفشي للأحزاب العلمانية، وضعف المؤسسات السياسية التي لا تستطيع وقف الفساد. "بطبيعة الحال، بمجرد وصولها إلى مواقع السلطة، لا تكون الأحزاب الإسلاموية كما أثبتت التجربة في مأمن من الفساد، ومع ذلك، لا يزال الجمهور يميل إلى النظر إليها على أنها أنظف يدًا".
وفي حين لم تحقق الأحزاب الإسلاموية الأندونيسية إلا نجاحًا محدودًا على الصعيد الوطني، فإنها تحكم على الصعيد المحلي، وتطبق تدريجيًا أجندتها الاجتماعية. ومنذ عام 1998، دخل أكثر من 440 قانونًا محليًا حيز التنفيذ، وجرى فرض محدداتٍ لها  من الشريعة، من قبيل إجبار النساء على ارتداء الحجاب أو تقييد مبيعات الكحول.
وتختم رينالدو الموضوع بقولها: "لقد أصبح الإسلام في إندونيسيا أكثر تسييسًا بالتاكيد، وباتت الشخصيات السياسية أكثر احتمالًا للتحالف مع منظمات إسلامية محافظة، بل ومتطرفة، تدعم إجراءات من قبيل تطبيق الشريعة".

سرينيفاس مازومدارو - دويتشه فيله

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية