خسائر قضية فلسطين بين القومية والإسلاموية

خسائر قضية فلسطين بين القومية والإسلاموية


25/02/2019

سالم حميد

لا أحد يريد من الفلسطينيين أن يقفوا بمفردهم أمام التعنت الإسرائيلي، وخاصة أن ماراثون عملية السلام يخضع لخروقات إسرائيلية متكررة وحملات بناء مستوطنات وإخلال باتفاقات، واستقواء إسرائيلي واضح بمزاج دونالد ترامب وميول البيت الأبيض في عهده نحو إعادة صياغة ملف السلام في الشرق الأوسط، وفق ما يعرف بصفقة القرن. ورغم أن الصفقة التي تكرر الحديث عنها لا تزال غامضة، ومع ذلك هناك مخاوف من أن يكرر الفلسطينيون نهج إضاعة الفرص، نتيجة لانقسامهم الذي استفحل وبلغ مرحلة خطيرة بين غزة ورام الله، وكذلك بفعل التعويل المتكرر لدى الفلسطينيين على المخزون العاطفي العروبي للقضية، بحسب عناوين تسويقها خلال العقود الماضية.

خسرت قضية فلسطين الكثير من فرص الاعتماد على منظور وطني فلسطيني بعيدا عن تعويم الصراع وتعليقه على شماعة القومية والإسلاموية، لكن الملاحظ أن الفلسطينيين كما يظهر من تعبيراتهم وكتاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مازالوا يوجهون الشتائم والنقد إلى العرب أكثر من تناولهم لتفاصيل الصراع مع إسرائيل التي تحتل أرضهم. وعندما بدأت الولايات المتحدة تجفف نصيبها الكبير من تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “أونروا”، تحولت قضية فلسطين لدى بعض الناشطين الفلسطينيين إلى قضية مالية لا أكثر، وإلى مبرر لتوجيه الشتائم والتعريض بالدول العربية، وخاصة الخليجية، التي يجب عليها أن تدفع النقود وأن تتلقى الشتائم في الآن ذاته، وبينما تفرغ البعض لشتم العرب تم تجاهل تحركات إسرائيل الدبلوماسية في المشهد الدولي.

قضية فلسطين وقعت منذ بداية تبلورها كقضية وطنية عادلة بين تطرفين ونظرتين. الأولى قومية عروبية شعاراتية والثانية إسلاموية انتهازية متنطعة. القاسم المشترك بين هاتين النظرتين هو التنافس على السعي لتحفيز العاطفة العرقية والدينية باستثمار قضية فلسطين على حساب حلها بشكل جذري، والاكتفاء بجعل المحفز القومي العرقي والأممي العقائدي يقضي على الفرص والحلول الواقعية للحل.

ظلت وجهة النظر القومية والإسلاموية تعمل على إنتاج آليات تفكير تجاه فلسطين، أدت إلى تحويل موضوع فلسطين إلى شعارات وأناشيد ومادة للاستهلاك. وارتقى الكثيرون على أكتاف الجماهير بفعل استثمار ضياع فلسطين، وتماهى الفلسطينيون أنفسهم مع الحالة العاطفية السائدة التي حولت فلسطين إلى أناشيد واحتفالات ومناسبات لجمع تبرعات تذهب إلى المجهول، وساهم الجميع في تأجيل النظر إلى الصراع من زاوية حجم الأخطاء التي يتم ارتكابها من قبل النخبة الفلسطينية، وآخرها الانقسام بين سلطة في رام الله وأخرى في غزة.

أسباب عديدة تخص الملف الفلسطيني، تستدعي البحث عن زوايا جديدة للنظر إلى القضية، وفي مقدمة تلك الأسباب التساؤل بخصوص ركود القضية في وضع عالق سياسيا وعسكريا وحتى ثقافيا. فما الذي جنته فلسطين وشعبها من تحويل القضية إلى شعارات استغلتها أنظمة قومية ومجموعات إسلامية لأغراض لا شأن لها بالتوصل إلى حل نهائي وحاسم للصراع؟

حتى من المنظور الوطني الفلسطيني، لم تتم مراجعة جدوى استمرار قيام الصراع مع إسرائيل على أسس قومية عربية. بينما تراجعت حقيقة كان يجب أن تظل مطروحة في الوعي الفلسطيني، وهي حقيقة أن الصراع يجب أن يعطي أولوية للفلسطينيين.

بالطبع هذه مسألة حساسة، ولا يزال من الصعب على العقل العربي فتح ملف الاستثمار الشعاراتي للقضية الفلسطينية من قبل أطياف القوميين العرب باختلاف مرجعياتهم، وفي المقدمة جمال عبدالناصر وامتداده القومي على مستوى الفكر السياسي العربي. فما حصل كان أشبه بتحنيط لقضية فلسطين داخل منظومة الشعارات التي كان الشارع بحاجة إليها من باب التهييج العاطفي. وكانت الزعامات أيضا بحاجة لاستثمار قضية فلسطين وحصد ما يمكن حصده من وراء توظيفها أمام الحشود.

الحال لا يختلف كثيرا لدى البعثيين وغيرهم من القوميين. ويبدو وجه الشبه كبيرا بين القوميين والإسلاميين في هذا الجانب من الاستثمار السهل للقضايا التي يتم إلحاقها بعناوين العروبة أو الدين، وهي عناوين لديها قابلية لإثارة الشجن والانفعال لدى الجمهور، لكنها في النهاية لا تنتج أي حل واقعي على مستوى الحياة العملية الملموسة، بدليل أن الفلسطينيين لم يحصلوا على شيء من وراء خطابات عبدالناصر وغيره من الزعامات القومية.

الإسلاميون كانوا أكثر استثمارا للموضوع الفلسطيني، فهم بحاجة دائمة لقضية مركزية ذات جذر عقائدي لأغراض متعددة. أولها جمع التبرعات التي لا تصل في النهاية إلى يد الفلسطينيين، وإذا وصل منها شيء فإنه يذهب إلى مجموعات إسلامية رديفة لتلك التي جمعت التبرعات.

ولا يختلف الإسلام السياسي عن الحركات القومية العربية في مسألة التعاطي مع قضية فلسطين، إذا ما نظرنا إلى منطلقات التفكير لدى الطرفين، والتي ترتكز على تأجيج العاطفة والحماس. وكل ذلك تم على حساب المنظور الوطني الفلسطيني المحلي، الذي جرى تغييبه عن مراجعة الذات وبحث إمكانيات جعل القضية تمتلك محفزاتها الذاتية وقوة دفعها الفلسطينية الخاصة، بعيدا عن السماح للآخرين باستثمارها وتحويلها إلى أداة لاستغفال الجماهير واعتصار حماسها والاستمتاع بالتصفيق للخطابات الجوفاء التي تتسلق على قضية فلسطين لأغراض صناعة الزعيم الملهم، أو جمع الأموال واستقطاب الأتباع وزيادة أعداد المنتسبين لهذه الحركة أو تلك.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية