قال باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، أول من أمس، إنّه يريد بقاء تركيا، حليف بلاده في "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، في برنامج طائرات إف-35 المقاتلة، ولكنه أضاف أنّ هناك حاجة لأنْ تشتري أنقرة نظام باتريوت للدفاع الصاروخي، كما نقلت عنه وكالة "رويترز" للأنباء.
وسُئل شاناهان، خلال جلسة للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي، عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تريد تركيا في برنامج إف-35 فقال "بالتأكيد نريدها، ونريد أن تشتري تركيا نظام باتريوت".
اقرأ أيضاً: هل هناك رفض أمريكي وتقييد روسي لطموحات أنقرة في المنطقة الآمنة؟
وتعارض واشنطن خطط تركيا لشراء نظام إس-400 الروسي للدفاع الجوي؛ بسبب مخاوف من أن يقوض أمن طائرات إف-35 التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن". وتبدو تركيا مقبلة على مجموعة من السيناريوهات المحتملة في علاقتها مع الولايات المتحدة على خلفية إصرار أنقرة على شراء نظام إس-400، ولعل أبرز تلك السيناريوهات ما يلي:
السيناريو الأول: فرض عقوبات أمريكية على تركيا
فمنذ شهور، حذر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية تركيا من أنّ حصولها على طائرات إف-35 الأمريكية معرّض للخطر ما لم تتخلَّ عن خطة لشراء منظومة إس-400 للدفاع الصاروخي من روسيا. وقال مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية وشؤون أوروبا وآسيا، ويس ميتشل، خلال إفادة أمام مجلس الشيوخ في حزيران (يونيو) الماضي، إنّ أنقرة إذا اشترت المنظومة الروسية فستخضع لعقوبات بموجب مشروع قانون وقعه الرئيس دونالد ترامب في العام 2017.
أنقرة إذا اشترت المنظومة الروسية إس-400 فستخضع لعقوبات بموجب مشروع قانون وقعه ترامب العام 2017
ويسعى قانون العقوبات الشامل، والمعروف باسم "قانون مكافحة أعداء أمريكا"، إلى معاقبة الشركات التي تتعامل مع صناعة الدفاع الروسية، كما نقل "راديو سوا".
وأوضح ميتشل، خلال جلسة للجنة فرعية تابعة للجنة العلاقات الخارجية، خصصت آنذاك لبحث العلاقات الأمريكية مع أوروبا "نحن واضحون بشأن ذلك تماماً: حيازة منظومة إس-400 سيؤثر حتماً في فرص التعاون العسكري الصناعي التركي مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مقاتلات إف-35 ".
وفيما توجد في الكونغرس جهود حثيثة لإصدار تشريع يمنع بيع الطائرات إلى تركيا بسبب خططها لشراء المنظومة الروسية، قال ميتشل إنّ الإدارة الأمريكية تعتقد أن لديها سلطة قانونية لمنع بيع مقاتلات أف-35 إلى تركيا من دون إقرار الكونغرس للتشريع إذا لزم الأمر.
السيناريو الثاني: تجميد أمريكي لتسليم طائرات إف-35 لتركيا
وفي أقوى إشارة من واشنطن حتى الآن على أنه لا يمكن لأنقرة امتلاك تلك الطائرة المتطورة ونظام إس-400 في آن واحد، أبلغ مسؤولون وكالة "رويترز" للأنباء هذا الأسبوع بأنّ الولايات المتحدة قد تجمّد قريباً الاستعدادات لتسليم طائرات إف-35 لتركيا.
السيناريو الثالث: انسحاب تركيا من "الناتو"
يرى الصحفي المقيم في واشنطن، إلهان تانير، في مداخلة نشرها "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" أنّ الولايات المتحدة هدّدت، وهي الطرف الأهم في حلف "الناتو"، تركيا بـ "عواقب وخيمة" في حال نفّذت عملية شراء منظومة إس-400. وأشار تانير إلى أنه يمكن توقّع أن يفرض الكونغرس إجراءات قاسية على تركيا، بما في ذلك حظر إرسال مقاتلات إف-35 الخفية الجديدة إليها. وسيتم أيضاً اللجوء إلى قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات. وأضاف "صحيحٌ أنه منذ إنشاء حلف الناتو، لم تنسحب أي دولة من عضويته، لكن ثمة دوماً مرة أولى لكل شيء". واستطرد تانير بالقول: "يُعتقد أنّ منظومة إس-400 ستكلّف تركيا 2.5 مليار دولار، بيد أنّ أكلافها الحقيقية ستكون أعلى بكثير على الأرجح، بما في ذلك انسحاب تركيا من الناتو".
تانير: المنظومة ستكلّف تركيا 2.5 مليار دولار، بيد أنّ أكلافها الحقيقية ستكون أعلى بما في ذلك انسحاب تركيا من الناتو
أما الباحث الزائر في كارنيغي، مارك بيريني، فيقول في مداخلة نشرها أيضاً "كارنيغي للشرق الأوسط"، إنّه مع وجود منظومة إس-400 في قلب الدفاع الجوي التركي، سيمسي كامل مخزون الناتو من طائرات إف-16 وإف-35 في دائرة الخطر؛ لأن روسيا ستتمكن على الأرجح من "قراءة" أداء هذه الطائرات عبر نظام روسي. وهذا أمر يرفضه كلٌّ من الولايات المتحدة والناتو؛ لأنه ما من طريقة لـ "عزل" الطائرات العسكرية التركية عن رادارات منظومة إس-400.
اقرأ أيضاً: علاقات أنقرة بإسرائيل.. هل هي نموذج لتناقضات القيادة التركية؟
وأردف بيريني قائلاً: (لننسَ إعلان تركيا أنّها تملك "حرية الاختيار" في ما يتعلق بالمشتريات العسكرية، أو ادّعاءها -الذي تنفيه موسكو- بأنّ روسيا ستكشف لها عن تقنيتها الصاروخية. ما يهم سياسياً هو أنّه إذا ما زوّدت موسكو أنقرة بأنظمة رادار من الجيل الأكثر تطوراً، ونشرت عناصر روسية في القوات الجوية وشبكة الدفاع الجوي في تركيا، فسيفقد الناتو بالكامل ثقته في قدرة تركيا على أن تكون طرفاً يُعتدّ به في حال اندلاع أزمة عسكرية. وسيشكّل هذا الأمر إنجازاً كبيراً لروسيا، بيد أنّه سيُحدث تغييرات عميقة في سياسة الدفاع الجوي لحلف الناتو).
السيناريو الرابع: استفادة تركيا من "الانقسام عبر الأطلسي"
وثمة باحثون يميلون إلى أنّ تركيا قد تستفيد من الانقسام عبر الأطلسي بشأن هذا الأمر، يمثّل هذا الرأي مدير برنامج الأبحاث التركية في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، سونر كاغابتاي، والذي نشر رأيه المعهد على موقعه الإلكتروني، وقال فيه: "لا أعتقد أنّ الدول الأعضاء في حلف الناتو ستشكّل بالضرورة جبهة موحّدة في موقفها حيال شراء تركيا منظومة إس-400. فبعض الدول الأعضاء في الناتو هي حليفة لروسيا، مثل هنغاريا؛ وفي إيطاليا مثلاً، تقود البلاد حكومة شعبوية ميّالة إلى روسيا. يُضاف إلى ذلك أنّ الأسرة الأوروبية الأوسع داخل حلف الناتو غير مصطفّة تماماً إلى جانب الولايات المتحدة راهناً بسبب التفاعل بين سياسات واشنطن من جهة والديناميكيات العابرة للأطلسي من جهة أخرى". وتوقّع كاغابتاي ألا يساند جميع الأعضاء الأوروبيين في حلف الناتو واشنطن في معارضة قرار تركيا بشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية.
اقرأ أيضا: هل أدركت أنقرة فعلاً خطأ رهاناتها على الإخوان؟
ورجّح كاغابتاي أن يكون الوضع مختلفاً تماماً عن الجبهة الموحّدة التي شكّلها الناتو في العام 2013، عندما أعربت تركيا عن رغبتها في شراء نظام دفاع صاروخي صيني الصنع. واستدرك بالقول "مع ذلك، قد يُحدث شراء أنقرة لمنظومة إس-400 مضاعفات كارثية على العلاقات الثنائية الأمريكية-التركية؛ إذ بات من المؤكد تقريباً أنّ واشنطن ستفرض عقوبات على أنقرة في حال نفّذت تركيا قرارها".