وصمة عار في جبين الإنسانيّة

وصمة عار في جبين الإنسانيّة


31/07/2018

عبدالعزيز التويجري


في انتهاك جديد صارخ للقانون الدولي، قامت دولة الاحتلال والعنصرية والعدوان، من أجل القضاء على الوجود الفلسطيني واقتلاع جذوره من وطنه فلسطين، بإقرار قانون ينصّ على أن إسرائيل هي «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وأن «حق تقرير المصير فيها حصريٌّ للشعب اليهودي فقط»، وأن «اللغة العبرية هي اللغة الوحيدة للدولة»، ما يعني حرمان العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، الذين يقدَّرون بمليون وأربعمائة نسمة، من حقوقهم المشروعة، باعتبارهم أقلية عربية يشكلون نسبة 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتحدرون من فلسطينيي 1948.

وبهذا القرار العنصري، كما بقرارات إسرائيلية أخرى كثيرة، شرعنت إسرائيل العنصريةَ، وقنّنت الاحتلال والاستيطان ونظام الفصل العنصري، ما يلغي الوجود الفلسطيني من الأساس، الذي تعترف به القرارات الدولية ذات الصلة، منذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947، وقرار الحق في العودة للاجئين الفلسطينيين رقم 194 سنة 1949، وإلى اليوم. وبذلك يكون هذا القرار باطلاً بطلاناً كاملاً، وفاسداً من الوجوه كافة، القانونية والتاريخية والواقعية، لأنه يقوم على الأوهام والأساطير التي لا سند لها من التاريخ، ومنها أن فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، فضلاً عن أن هذا القرار ينصّ على أن «القدس الكاملة والموحدة (أي الشرقية والغربية) هي عاصمة إسرائيل»، في تَعَارُضٍ تام مع قرارات مجلس الأمن الدولي.

هذا التحدّي الصهيوني للشرعية الدولية، ولمبادئ الديموقراطية، ولحقائق التاريخ والجغرافيا، لا ينبغي أن يمر من دون معارضة شديدة وحشد للدعم داخل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يكون من شأنها الدفع بالمجتمع الدولي، على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني والنخب الفكرية والثقافية والعلمية والقيادات الدينية والسياسية، إلى التحرك في اتجاه إدانة عالمية لهذا القرار الذي لا ينزع حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة فحسب، بل ينتهك حقوق الإنسان جملة وتفصيلاً، ويخرق ميثاق الأمم المتحدة. فهذا القرار يتعارض كليةً مع المواثيق الدولية التي تؤكد احترام الكرامة الإنسانية، وتصون حقوق الأقليات، كما يعدّ هذا القرار متناقضاً مع المبادئ الديموقراطية التي لا تفرق بين المواطنين، وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات. لذلك، فهو يفضح دولة الاحتلال التي تسوّق نفسها في الساحة الدولية، بأنها واحة للديموقراطية والمساواة في المنطقة.

لقد جاء هذا القرار العنصري شهوراً قليلة بعد فتح السفارة الأميركية في القدس المحتلة، وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، ومتزامناً مع التوسع في الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، لفرض وقائع جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الوقت الذي تَزَايَدَ اقتحام المتطرفين اليهود للحرم القدسي الشريف، تحت حراسة شرطة الاحتلال، ما يؤكد وجود مخطط صهيوني بالغ الخطورة، يرمي إلى فرض الأمر الواقع على العالم أجمع، في ظل واقع العرب المتأزم وانفراط عقدهم، وانخفاض مستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينية عموماً، إلى درجة الإهمال الذي يكاد يكون مطلقاً، لولا بصيص أمل يبدو في التصريحات التي تصدر عن بعض الدول العربية النافذة التي ظلت وفيّة للقرارات والمواقف العربية الإسلامية ذات الصلة.

إعلان إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، ينطوي على إجحاف كبير بحق الشعب الفلسطيني وإنكار لوجوده. ولا يجوز في أي حال، أن يتجاهل المجتمع الدولي هذا القرار الذي هو، في حقيقة الأمر، في مثابة وصمة عار في جبين الإنسانية. لذلك، فإن هذا القرار العنصري المستفز للعالم كله، سيكون له ما بعده، وسيرتدُّ حتماً على إسرائيل التي تتجاهل القوانين الدولية، وتتحدى المجتمع الدولي في شكل سافر. وهو التحدّي الخطير بكل المقاييس، الذي يزجّ بالمنطقة في أتون التوترات، ويضرم نيران الفوضى الهدامة، ويهدد الأمن والسلم الدوليين على نحو مؤكد لا ريب فيه.

وبما أن نظام الفصل العنصري الصهيوني قد كشف حقيقته التي طالما حاول إنكارها، فإن مسؤولية المجتمع الدولي تجاه ذلك كبيرة لرفض هذا القانون المخالف للشرعية الدولية، فالفلسطينيون، سواء كانوا في الضفة الغربية وقطاع غزة، أم داخل إسرائيل، أم في الشتات في أي بقعة من العالم، هم أصحاب حق ثابت لا يجوز تجاهله، وهم في حاجة إلى من يقف إلى جانبهم ويدافع عنهم، ويساندهم قانونياً وسياسياً وديبلوماسياً أمام الغطرسة الإسرائيلية وجبروتها وتحدّيها المستمر للقوانين الدولية.


عن "الحياة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية