وصمة العار تلاحق عائلات المتخابرين مع إسرائيل طوال حياتهم

وصمة العار تلاحق عائلات المتخابرين مع إسرائيل طوال حياتهم


28/04/2021

"عائلة العميل" صفة تلازم ذوي المتخابرين مع "إسرائيل" حتى آخر يوم في حياتهم، فمقتل المتخابر أو اعتقاله ليس نهاية الحكاية، إذ إنّها بداية حكاية معاناة ومأساة لعائلته؛ حيث إنّ الآثار الجانبية لا تتوقف، وتلاحقهم في كافة تفاصيل حياتهم دون توقف، وربما تمتدّ إلى كافة الأجيال، وذلك نتيجة سوء تطبيق العادات، والتقاليد التي تحاسب الآخرين على جُرِم غيرهم.

هناك بعض حالات الإعدام للعملاء في غزة تكون خارجة عن الإطار القانوني؛ مثل إعدام المتخابر فور الإمساك به دون التحقيق معه

ويعاني ذوو المتخابرين معاناة كبيرة؛ فهم منبوذون بالمجتمع، ويبتعد الجميع عنهم، ولا يكون لهم أصدقاء على الإطلاق، ولا أحد يقبل مصاهرتهم، وفي البعض الأحيان لا يحصلون على فرص عمل عند معرفة الحقيقة.

"العميل" هو لقب يُطلق على الشخص الذي يتعاون مع "إسرائيل"، ويدلي بمعلومات عن رجال المقاومة أو يتسبّب باغتيال أحدهم؛ حيث إنّه منذ اندلاع انتفاضة الحجارة عام (1987) حتى يومنا هذا جندت "إسرائيل" المئات من العملاء بطرق مختلفة، حيث إنّ عقوبة المتخابر من شخص إلى آخر، بحسب التهمة الموجهة إليه، فمنهم من يحكم عليهم بالإعدام، وآخرون يعاقبون بالسجن.

سميح، اسم مستعار (34 عاماً) لم يتمكن من إكمال نصف دينه "الزواج"، وأن تكون له أسرة متماسكة، والسبب لم يكن مادياً؛ لأنّه لا يمتلك المال الكافي أو منزلاً؛ بل لأنّ والده قتِل على خلفية التخابر مع الجيش الإسرائيلي قبل ما يزيد عن ثلاثين عاماً.

وصمة عار

يقول سميح في حديثه لـ "حفريات" : "والدي أذنب، وتمّت محاسبته على هذا الذنب فور اكتشافه خلال انتفاضة الحجارة عام (1989)، وهذه نهاية كلّ من يخطئ، لكن لا يُعقل أن تلاحقنا وصمة العار طوال حياتنا، وأن ندفع ثمن جُرم لم نفعله، فمنذ مقتل والدي انقلبت حياتنا رأساً على عقب، وأصبح الجميع يتجنبني، أنا وأشقائي ووالدتي، وينظرون إلينا نظرة استحقار، وكأنّنا نحن المذنبون".

يضيف:" الآثار السلبية لم تكن على مستوى المنطقة التي نسكن بها فحسب، بل امتدت إلى كافة تفاصيل حياتنا، فحين عرف زملائي بالجامعة أنّ والدي قُتل على خلفية التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي ابتعدوا عني، وحين أقترب منهم كانوا يعتذرون مني، إضافة إلى مناداتي باسم "ابن العميل"، وهذا اللقب مسيء جداً، ويدل عن مدى احتقار المجتمع لنا".

اقرأ أيضاً: تصدّى لإسرائيل ورفض الإخوان.. وفاة الشيخ حافظ سلامة

يتابع: "غالبية الشباب في قطاع غزة عندما يريدون الزواج تواجههم عقبة مالية نتيجة الظروف الاقتصادية التي يمر بها سكان القطاع، لكن العقبة التي واجهتني مختلفة تماماً، فعندما أتقدم لخطبة فتاة ويعرفون اسم والدي يكون الرد "فيش نصيب"، وذات مرة قال لي والد إحدى الفتيات: "لا تشرفني مصاهرة عائلة عميل"، لذلك قررت العزوف عن الزواج وعدم التفكير به على الإطلاق".

عادات وتقاليد خاطئة

 وبتساءل: "إلى متى سيحاسبنا المجتمع على أخطاء غيرنا؟ ولماذا لا نغير من أنفسنا، ونخرج من عباءة العادات والتقاليد الخاطئة التي هدمت النسيج الاجتماعي؟ وإلى متى سوف نستخدم لقب "أبناء العميل"؟

وطالب الشاب الثلاثيني كافة المؤسسات، المجتمعية والإرشادية والحقوقية، والمختصين بعلم الاجتماع، بضرورة التدخل لتوعية المجتمع، وتنظيم ورشات عمل ولقاءات لتغيير النظرة المجتمعية تجاه عائلات المتخابرين وإنصافهم.

لم تختلف معاناة الشاب "ع.ه" (30 عاماً)، عن سابقه كثيراً؛ فهو يلقي السلام على سكان الحي ولا يردّ عليه أحد، والجيران يمنعون أبناءهم من مخالطته، هو وعائلته، ولا أحد يزورهم بالبيت، فهذا الشاب لم يرتكب جريمة، أو يفعل أمراً معيباً، لكنه ابن شخص أُدين وقُتِل من قِبل حكومة حماس على خلفية التخابر مع "إسرائيل"، عام 2008، خلال الحرب الأولى على قطاع غزة.

ظروف غامضة

يقول الشاب، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، في حديثه لـ "حفريات": "خلال الحرب الأولى على قطاع غزة، عام 2008، اختفى والدي فجأة، وبعد عدة أيام تفاجأنا بأنّه قُتِل على خلفية التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، ووضع في ثلاجات الموتى بإحدى المستشفيات، وأخبرونا بأنّه لن يشارك بمراسم دفنه سوى أربعة أشخاص، ولن نقيم له بيت عزاء، وعندما أردنا معرفة التفاصيل رفضوا ذكر شيء".

أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى د. درداح الشاعر لـ "حفريات": المجتمع الفلسطيني بطبيعته المحافظة لا يقبل أن يكون شخص من عائلة فلسطينية متخابراً مع الاحتلال

يضيف: "رغم مقتل والدي، إلا أنّ الوصمة والعزل الاجتماعي لم تنطوِ، إضافة إلى الثرثرات والأحاديث الجانبية، حتى من أقرب الناس إلينا، وأصدقاؤنا الذين قضينا طفولتنا معهم؛ لذلك قررنا ترك الحيّ الذي نسكنه، والانتقال إلى مكان جديد للهروب من الواقع المؤلم الذي نعيشه بسبب ما فعله والدي، وبدء حياة جديدة، والتخلص من النظرة المجتمعية الغريبة".

يواصل حديثه: "رغم الانتقال من الحيّ الذي نسكن فيه، إلا أنّ وصمة العار أبت أن تفارقنا على الإطلاق، فعندما تقدمت شقيقتي لإحدى المؤسسات العاملة في قطاع غزة للحصول على وظيفة في مجال دراستها قوبل طلبها بالرفض دون إبداء أية أسباب، وهذا الأمر تكرر معها كثيراً، لذلك لم يبقَ أمامنا سوى خيار واحد، وهو الهجرة للتخلص من هذا الكابوس".

نظرة عدوانية

وفي سياق إلقاء الضوء على هذه المشكلة، يقول أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى، د. درداح الشاعر، لـ "حفريات": "المجتمع الفلسطيني بطبيعته المحافظة لا يقبل أن يكون شخص من عائلة فلسطينية متخابراً مع الاحتلال الإسرائيلي، وبعد نيل جزائه، سواء بالإعدام أو السجن، تبقى النظرة العدوانية تلاحق أفراد أسرته طوال حياتهم، الأمر الذي يؤثر على نفسيتهم، ويجعلهم يشعرون بأنهم شركاء بالذنب الذي اقترفه والدهم".

درداح الشاعر

"وصمة العار، تبقى ملازمة لذوي العملاء، وأفراد المجتمع يعاملونهم بطريقة غير لائقة، ولا يرغبون بالاقتراب منهم في كثير من الأمور، خاصة المتعلقة بالزواج، "حيث إنّ هناك عائلات ترفض أن يكون لها نسب مع عائلات العملاء، خشية السمعة السيئة، رغم علمهم بأنّ هؤلاء لا علاقة ليس لهم بما فعله غيرهم".

وبسؤاله عن كيفية تغيير النظرة المجتمعية نحو ذوي العملاء، أجاب الشاعر: "يمكن إنصاف أبناء العملاء من خلال توعية كافة شرائح المجتمع بأنّهم ضحايا ما فعله أباؤهم، ويجب التقرب منهم والتخفيف عنهم، إضافة إلى نشر ثقافة التقبل، وأنّ الذنب يتحمّله صاحبه فقط، وليس جميع أفراد عائلته".

تجاوز القانون

من جهته، يبيّن  الناشط الحقوقي بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، محمد أبو هاشم؛ أنّ تنفيذ حكم الإعدام في قطاع غزة يعدّ تجاوزاً للقانون الأساسي الفلسطيني، الذي نصّ على عدم تنفيذ تلك العقوبة، وأنّه منذ عام 2002 لم ينفَّذ أيّ حكم بالإعدام، بينما هناك حالات كثيرة في غزة".

وأبلغ "حفريات" بأنّ هناك بعض حالات الإعدام للعملاء في غزة تكون خارجة عن الإطار القانوني؛ مثل إعدام المتخابر فور الإمساك به دون التحقيق معه، أو عرضه على جهة قانونية، لاتخاذ المقتضى القانوني بحقّه، وهذا النوع من الإعدامات تنفذه فصائل المقاومة.

اقرأ أيضاً: بالصور.. المقدسيون يتحدون الإجراءات الإسرائيلية.. والأردن: القدس خط أحمر

والحالة الثانية لإعدام العملاء خارج الإطار القانوني، وفق محمد أبو هاشم، تكون من خلال  تشكيل محاكمة عسكرية سريعة، ولا يُسمح للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم، ويُعدمون بعد عدة أيام من الإمساك بهم، وكانت آخر تلك الحالات عام (2017)، عندما أعدمت حكومة حماس ثلاثة أشخاص اتهموا بمقتل الأسير المحرر مازن الفقهاء.

"نشر أسماء المتخابرين يلحق الأذى بذويهم، مما يجعلهم غير مقبولين مجتمعياً، لذلك يفضَّل إجراء محاكمة من تثبت عليه تهمة التخابر بسرّية تامة بعيداً عن أنظار الناس، وعدم نشر أسمائهم"، يقول أبو هاشم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية