واشنطن ترفع العقوبات عن طالبان: اتفاق محفوف بالتعقيدات والمخاطر

واشنطن ترفع العقوبات عن طالبان: اتفاق محفوف بالتعقيدات والمخاطر


30/08/2020

رغم الالتباسات العديدة والشكوك التي تحيط باتفاق السلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة، نهاية شباط (فبراير) الماضي، برعاية الدوحة، إلا أنّه يدخل مرحلة جديدة، بعد إعلان رفع العقوبات عن أعضاء الحركة، مؤخراً، بناء على بنود الاتفاقية، وذلك في مقابل الالتزام الكامل من جانب طالبان بعدم التعاون أو التحالف مع تنظيم القاعدة، المصنَّف على قوائم التنظيمات الإرهابية، وكذا عدم توفير ملاذات آمنة للعناصر الإرهابية، واستخدام الأراضي الأفغانية كساحة حرب، لمهاجمة المصالح الأمريكية وقواتها العسكرية.

اتفاق هشّ

منذ توقيع الاتفاقية، وثمة آراء عديدة لمراقبين سياسيين، فضلاً عن تقارير أممية، تشير إلى احتمالية فشلها في تحقيق السلام المطلوب، ووقف عمليات إطلاق النار، سواء ضدّ الحكومة الأفغانية أو القوات الأمريكية، وهو ما حصل بعد شهر من اتفاق الدوحة؛ إذ نفذت طالبان نحو 4500 هجوم مسلح، خلال 45 يوماً، ضدّ مواقع للحكومة الأفغانية. كما تجددت الاشتباكات، في فترات لاحقة.

 لدى تنظيم قاعدة الجهاد، المصنّف على قوائم الإرهاب، نوايا، طوال الوقت، لمواصلة الهجمات العسكرية المسلحة ضدّ القوات الأمريكية، وأهداف أخرى أجنبية، حسبما يشير التقرير الأمني

وتشير تقارير رسمية، صادرة عن الحكومة الأفغانية، إلى أنّ "الفترة الممتدة بين 14 و21 حزيران (يونيو) كانت الأكثر دموية، منذ 19 عاماً، وقد حصل 422 هجوماً ضدّ الجيش الأفغاني، في 32 ولاية، ما أدّى إلى سقوط 291 قتيلاً و550 جريحاً". ويلفت التقرير الحكومي إلى أنّ الهجمات المسلحة طاولت المدنيين؛ حيث قضى 711 مدنياً، ونحو 1374 جرحى.

رغم قرار وقف إطلاق النار، لمدة ثلاثة أيام، نهاية الشهر الماضي تموز (يوليو)، الذي تزامن مع أول أيام عيد الأضحى، لكنّ طالبان عمدت إلى خرق القرار، واستأنفت عملياتها الميدانية والعسكرية، في ثاني أيام العيد؛ إذ هاجم مسلحون سجناً، في جلال أباد، شرق أفغانستان، نجم عنه مقتل ثلاثة، على الأقل، بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية.

لا تحمل تلك الحوادث المتفاوتة والمتكررة، التي تتقاطع ومسار السلام بين طالبان وواشنطن مفاجآت جمة، وذلك بسبب تقارير عديدة رسمية، صادرة من جهات أمريكية، لا سيما البنتاغون، ومجلس الأمن الدولي، أقرّت جميعها باحتمالات تجدّد العنف، كما كشفت الصلات العضوية التي تجمع بين الحركة والتنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب، ومن بينها، القاعدة.

اقرأ أيضاً: طالبان وطهران.. ما سرّ المودة؟

وقد ذكر تقرير رسمي لوزارة الدفاع الأمريكية، الشهر الماضي، أنّه "رغم التقدم الذي حققه اتفاق السلام، مؤخراً، إلا أنّ تنظيم "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" ما تزال تقيم علاقات وطيدة وقوية مع طالبان في أفغانستان، بهدف الحماية والتدريب".

هل يمكن خفض العنف؟

كما أنّ لدى تنظيم قاعدة الجهاد، المصنف على قوائم الإرهاب، نوايا، طوال الوقت، لمواصلة الهجمات العسكرية المسلحة ضدّ القوات الأمريكية، وأهداف أخرى أجنبية، حسبما يشير التقرير الأمني، بيد أنّ تحالف مكافحة الإرهاب تمكّن من تقليص قوات التنظيم، ومحاصرة نشاطه، ومن ثم، لن يكون بمقدوره تنفيذ أيّة عمليات في أفغانستان، من دون دعم حركة طالبان.

وبحسب تقرير وزارة الدفاع الأمريكية، الذي سلّم نسخة منه للكونغرس الأمريكي؛ فإنّ تنظيم "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية يقدّم دعماً، بصورة دائمة، لطالبان، كما ينشط مع مسؤولين غير بارزين في الحركة، وذلك في سياق سعيه لتقويض سلطة الحكومة الأفغانية، كما أنّه يخطّط باستمرار لمهاجمة القوات الأمريكية، والأهداف الغربية، في المنطقة".

ويضاف إلى ذلك، ظهور وثيقة أفرجت عنها وكالات الاستخبارات الأمريكية، تبرز وجود صلات بين طالبان والنظام الإيراني؛ حيث قام الأخير بتقديم تمويل ودعم مالي للحركة، بهدف استهداف القوات الأمريكية، وقوات التحالف في أفغانستان. وتتصل المكافآت المالية التي حصل عليها أعضاء الحركة، بتنفيذ ستّ هجمات على الأقل، العام الماضي، من بينها، التفجير الذي حصل في قاعدة جوية أمريكية، حسبما أوضحت "سي إن إن" الأمريكية، وقد ترتب عليه، مقتل مدنيين اثنين، وإصابة أكثر من 70 آخرين، من بينهم أربعة موظفين أمريكيين.

تحالفات طهران والدوحة

كما حذّر تقرير لمجلس الأمن الدولي، في حزيران (يونيو) الماضي، من وجود روابط تاريخية بين طالبان والقاعدة، ليس من المتوقع أن تنتهي أو تنقطع، تعود إلى فترات من القتال المشترك، في مواقع ميدانية وعسكرية مختلفة، إضافة إلى الانتماء الفكري والعقائدي المشترك، وأواصر الصداقة والمصاهرة بين الطرفين، بحسب التقرير الأممي، مضيفاً: "القاعدة وشبكة حقاني، ربما، تشكّلان قوة قتالية جديدة، شرق أفغانستان".

 باريس طالبت من السلطات الأفغانية عدم إطلاق سراح سجناء من أعضاء طالبان، قبيل محادثات السلام؛ لأنّ من بينهم إرهابيين، موقوفين على ذمة قضايا إرهاب

تعدّ اتفاقية السلام مع طالبان أحد أهم الخطوات الإيجابية التي تدعم فرص الاستقرار في أفغانستان، وأحد أهم النجاحات للإدارة الأمريكية الحالية، بحسب الدكتور، هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، مقره القاهرة، حيث يمكن فهم ذلك في إطار أنّ هناك العديد من الدوافع، التي تجعل واشنطن متحمسة لإتمام تلك الخطوة، على اعتبار أنّ حركة طالبان، لم تشن هجوماً واحداً ضدّ القوات الأمريكية، أو قوات التحالف، على مدى الأشهر الثلاثة السابقة، وقد ساهم ذلك في انخفاض عدد القوات الأمريكية، إلى أقل من 8600 جندي، في أفغانستان، بعد أن كانوا 14 ألف جندي، كما تعتزم واشنطن خفض العدد أكثر من ذلك.

تعدّ اتفاقية السلام مع طالبان أحد أهم الخطوات الإيجابية التي تدعم فرص الاستقرار في أفغانستان

ويضيف لـ"حفريات": "يبدو الاتفاق محفوفاً بجملة من الملاحظات والتعقيدات، السياسية والإقليمية، كما يبرز رفض ومعارضة كثير من القيادات الأمريكية العسكرية للاتفاقية ومساراتها؛ وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، والأخير غير راض عن أداء الحركة المسلحة في أفغانستان، ويشكّ في مدى التزامها بتنفيذ بنود الاتفاقية، وكذلك الحال مع الجنرال جون كيلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية، والجنرال كينيث ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكلاهما يرى أنّ نجاح الاتفاق، بشكل كامل، مهدّد في أيّة لحظة، أو مع أول تطور وإجراء منفرد من طالبان".

بيد أنّ ثمّة أمراً آخر، يتمثل في معارضة بعض الدول لبنود الاتفاقية؛ مثل فرنسا، والتي تشكّك في قدرة الاتفاق على تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، بحسب سليمان، لا سيما أنّ باريس طالبت السلطات الأفغانية بعدم إطلاق سراح سجناء من أعضاء طالبان، قبيل محادثات السلام؛ لأنّ بينهم إرهابيين موقوفين على ذمّة قضايا إرهاب، تتصل بقتل جنود فرنسيين، وعاملين في المجال الإنساني والإغاثي، الأمر الذي يجعل السلطات الأفغانية في مأزق، نظراً لأنّ أيّ تلكؤ في تنفيذ الإفراج، سيعقبه تصعيد من طالبان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية