واشنطن تتوجه غرباً: ما دلالات زيارة وزير الدفاع الأمريكي للجزائر؟

واشنطن تتوجه غرباً: ما دلالات زيارة وزير الدفاع الأمريكي للجزائر؟


14/10/2020

بزيارة وزير الدّفاع الأمريكيّ، مارك إسبر، إلى الجزائر، مطلع تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري، بعد زيارته إلى تونس، يتجدّد الحديث عن التواجد الأمريكي في المنطقة، والذي يراه مراقبون مناكفة للتواجد التركي؛ إذ تحاول الولايات المتحدة إثبات وجودها، بعد أن أصبح الشرق الأوسط، مكاناً تعبث فيه عدّة قوى عالميّة، وتحاول أمريكا أن تحجز مقعداً وسط كلّ هذا الزخم.

الجزائر..دولة جديدة ودور أكبر

تعدّ زيارة إسبر الأولى من نوعها منذ 15 عاماً، لمسؤول أمريكي يزور دول الشمال الأفريقي، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفرنسا، لكن يبدو أنّ التدخّل التركي والروسي في المنطقة، والذي طال أمده، منذ عام 2015، دفع الولايات المتحدة إلى تجديد العلاقات مع دول الشمال الأفريقي التي أصبحت ذات دور أكثر أهميّة، لا سيما بعد تغييرات شديدة الأهمية بعد عام 2011.

تعدّ زيارة إسبر الأولى من نوعها منذ 15 عاماً، لمسؤول أمريكي يزور دول الشمال الأفريقي

 وبحسب الباحث في العلوم السياسية، ومساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، الدكتور أبو الفضل الإسناوي؛ فإنّ الجزائر تحديداً، بعد انتفاضة 2019، أصبحت إحدى أهمّ دول الشمال الأفريقي؛ لما تلعبه من دور مهمّ في الملفّ الليبي، وملفّ الساحل وغرب أفريقيا، خاصّة مالي، لا سيما بعد أحداث الانقلاب الأخير على الرئيس إبراهيم كيتا.

في ليبيا؛ حيثُ التواجد الروسيّ والتركيّ والصينيّ، والتنافس الدوليّ يزداد في هذه المنطقة، لا بدّ من تواجد أمريكي في هذه الدول وإعادة تموضع للعلاقات مع الأطراف

ويوضح الإسناوي، في تصريحه لـ "حفريات" أنّ "العلاقات الأمريكية المغاربية بشكل عام، سواء تونس أو الجزائر أو المغرب، هي علاقات قديمة، وليست مستحدثة، لكن كانت تتمّ على مستويات ربما أقل، بينما كانت هناك وفود أمريكية من وزارة الدفاع، طوال الوقت، إلى تونس والجزائر، وكانت تتواجد في اتفاقيات إعادة تأمين الحدود، ودائماً كانت هناك مشاريع عسكرية تتمّ بين الطرف الأمريكي، وأيّة دولة من الدول الثلاثة، تقريباً عام 2011، كان هناك تقارب عسكري تونسي كبير، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة؛ لأنّها تتمّ من خلال مستوى قيادة عليا، ممثلة في وزير الدفاع الأمريكي، والدلالات التي تشير إليها هذه الزيارة، يمكن تلخيصها في تغيّر النظرة الأمريكية للعلاقات مع الدول المغاربية الثلاثة؛ إذ أصبحت تمثّل أهمية كبيرة لهم، خاصّة فيما يتعلّق بالتنافس الموجود في منطقة المغرب العربي بأكمله، تحديداً في ليبيا".

اقرأ أيضاً: ليبيا: التنافس على تهريب الوقود يشعل القتال بين الزنتان والزاوية

 يستكمل الإسناوي: "وفي ليبيا؛ حيثُ التواجد الروسيّ والتركيّ والصينيّ، وكلّ التنافس الدوليّ يزداد في هذه المنطقة، بالتالي؛ لا بدّ من تواجد أمريكي في هذه الدول".

وفي تقدير الإسناوي فإنّ "التقارب المتواجد حالياً هو إعادة تموضع للعلاقات، حيث بدأت العلاقات بجدّية عام 2011، وهذه المرّة يسعى لبناء علاقات على مستوى عسكريّ عالٍ، هو ربما يستفيد فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية، التي تتعرض لها هذه الدول، نتيجة الحدود المفتوحة، وفي تصوّري فإنّها أيضاً سوق مهمّة جداً للسلاح الأمريكي، بالتالي؛ فالتقارب الذي سيحدث بين هذه الدول وأمريكا سيشكّل انطلاقة، أو إعادة تموضع للولايات المتحدة لتلعب دوراً في المنطقة، على اعتبار أنّ التقارب الأمريكي التونسي يشكّل نقطة انطلاق نحو ليبيا، بالتالي إعادة تنافس".

اقرأ أيضاً: أردوغان يخطط للالتفاف على قرارات مؤتمر برلين المتعلقة بليبيا... ماذا فعل؟
وفيما يتعلّق بالجزائر؛ فالدولة، بعد ثورة 2019، لها تكوين مختلف، فالجزائر الآن أصبحت دولة جديدة، بالتالي؛ أصبحت دولة مؤثرة، فيما يتعلق بحسم الملف الليبي، وفيما يتعلق بإعادة ترتيب دول الساحل والصحراء، خاصة مالي، بالتالي أصبحت لها اليد الطولى؛ حيث تلعب الآن دوراً كبيراً، وعليه يرى الإسناوي أنّ التقارب الأمريكي الجزائري في الوقت الراهن هو تقارب محسوب، وبدقّة، على اعتبار أنّ الدولة الجزائرية تلعب دوراً مهمّاً فيما يتعلّق بالمنطقة المغاربية بوجه عام".

إعادة التموضع الأمريكي

كان أهمّ ما ميّز حكم ترامب أنّه انقلب على سياسات سلفه، الذي استثمر بشدّة في المنطقة، فكان على ترامب الانسحاب منها، لانشغاله بصراعات أخرى، لكن بزيارة إسبر، رأى بعض المحللين، أنّ هذا الانسحاب انتهى، وها هي أمريكا تدخل المنطقة مجدّداً من الجهة الغربية، بينما يصفها الإسناوي بإعادة التموضع، وينفي عنها صفة الاستحواذ؛ حيث إنّه كلّما ازداد التنافس الدوليّ، في منطقة القرن الأفريقي، تحاول القوى الدولية الكبرى أن تجد لها حليفاً من أهمّ الدول الموجودة؛ إذ أصبحت جيبوتي على الحدود، مثلاً، في دول القرن الأفريقي كلّها مرتعاً لكلّ الدول المتنافسة (أوروبا والولايات المتحدة).

 

بيان استقبل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون صباح اليوم السيد مارك طوماس إِسْبِرْ Mark Thomas ESPER وزير الدفاع في...

Posted by ‎رئاسة الجمهورية الجزائرية‎ on Thursday, October 1, 2020

 أمّا الآن؛ فالتنافس ينطلق من خلال التقارب مع دول الشمال الثلاث، وهو لا يشكّل أيّ نوع من إعادة لعب الأدوار، لكنّه لمجرّد التدخّل وإثبات الوجود، أو كي تصبح الولايات المتحدة منافساً قوياً للدول الموجودة في الوقت الراهن؛ حيث نأت الولايات المتحدة بنفسها عن التدخل طوال الفترة السابقة، ومنذ 2011، في المنطقة المغاربية، ربما مدّت يدها بمساعدات بلغت مليار دولار، في أعقاب الثورة التونسية، ثمّ تباعدت مرة تانية، والجزائر منذ عامين دولة مضطربة، والآن تهدأ نسبياً، بالتالي لا بُدّ للولايات المتحدة أن تمُدّ يَدها للجزائر.

وعليه فإنّ الظروف الحالية، وتغيّراتها في المغرب العربي بوجه عام، فيما يتعلّق بإعادة تأطير الدور الجزائري، وتأثيره على دول الجوار، خاصّة ليبيا ومالي، أصبحت الولايات المتحدة تلعب دوراً، فيما يتعلّق بالتنافس الدّولي الموجود.

د. محمد عبد الكريم لـ "حفريات": يأتي اهتمام الولايات المتحدة بالجزائر، عسكرياً، وبدرجة أقلّ بتونس، في ضوء القلق المتنامي من التطورات في ليبيا وإقليم الساحل المضطرب

وعلى صعيد آخر؛ فإنّ التواجد الأمريكي في الشمال الأفريقي إنّما يأتي لصالح الدولة الفرنسية، والتي سئمت التدخّل التركيّ المفرط. ويرى الإسناوي؛ أنّ فرنسا علاقاتها بالمغرب العربي، هي علاقات قديمة، اقتصادية وثقافية؛ حيث التمدّد البشريّ بين فرنسا وهذه الدول الثلاث، بالتالي لا تنافس في العلاقات، على العكس؛ فالتواجد الأمريكي والدّور الذي تقوم به الولايات المتحدة، في الوقت الراهن، مفيد لفرنسا، لأنّ وجود أمريكا يشكّل ضغطاً كبيراً على التواجد التركي في المنطقة، على اعتبار أنّ تخوفات فرنسا كلّها من التواجد التركي، وليس الأمريكي، حيث تحاول تركيا مناكفة فرنسا اقتصادياً، بالتالي؛ فإنّ أكثر ما يهمّ فرنسا، هو تحجيم الدّور التركي، سواء في منطقة شرق المتوسط، أو في ليبيا والمغرب العربي ككل.

 إذاً فالوجود الأمريكي في هذه المنطقة، باعتباره وجوداً (عسكرياً)،  فيما يتعلّق بمكافحة الإرهاب أو تهدئة الإرهاب؛ فهو دور مساعد وداعم للدور الفرنسي في مواجهة التواجد التركي بشكل عام.

هل تستسلم فرنسا أمام التدخّل التركي؟

يبدو أنّ فرنسا فقدت بريقها في المنطقة المغاربية، خاصّة بعد تدخّلها في منطقة الساحل الأفريقي. وبحسب الباحث في السياسة الأفريقية، الدكتور محمد عبد الكريم؛ فإنّ الفشل الذي حققته فرنسا في ملفّ الإرهاب، قد أدّى بشكل أو بآخر إلى تراجع شعبيتها أفريقياً، بالإضافة أيضاً إلى انشغالها بالملفّ الليبي، الذي تربك المشهد بتدخّلاتها السافرة فيه.

يتابع عبد الكريم، في تصريح لـ "حفريات": "يأتي اهتمام الولايات المتحدة بالجزائر، عسكرياً، وبدرجة أقلّ بتونس، في ضوء القلق المتنامي من التطورات في ليبيا وإقليم الساحل المضطرب، إلى الجنوب من الجزائر، وعجز فرنسا، حليفة واشنطن المهمّة في الإقليم، عن حسم المسألة، أو وضع تسوية مناسبة، إضافة إلى تآكل صورة فرنسا وتعالي الأصوات الشعبية الرافضة للوجود العسكري الفرنسي في إقليم الساحل، ووصفه بالوجود الاستعماري بشكل لافت ومتصاعد في الآونة الأخيرة، كما تقلق الولايات المتحدة من تهديدات الجماعات الإسلامية المسلحة، في شمال أفريقيا،  وعلى الجانب نفسه تحسب الجزائر، حالياً،  مسألة القيام بدور عسكري أكثر فعالية، خارج حدودها، ربما في تجاوز سيكون الأول من نوعه للسياسة الجزائرية التقليدية، ومبدأ عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، إضافة إلى ذلك؛ فإنّ وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، يطالب بدعم أكبر لتوسيع العلاقات العسكرية الأمريكية مع الجزائر، وتعزيز الحضور العسكري الأمريكي في تونس؛ التي تستضيف مركز عمليات أمريكياً ربما يمكن تطويره لاحقاً".

اقرأ أيضاً: هل يُنهي التدخل الأمريكي المباشر في ليبيا الأزمة؟

 عبد الكريم يرى أيضاً بأنه "ربما تنظر واشنطن إلى الجزائر، على أنّها شريك موثوق فيه في الأزمة الليبية (بحكم الوجود الاستخباراتي بالغ التعقيد للجزائر في الأزمة الليبية، ومع كافة أطرافها تقريباً، لا سيما في الغرب)، في ظلّ اتّهامات الأمم المتحدة بدول خارجية (الجزائر ليست من بينها)، بما فيها دول تدعم رسمياً وقف إطلاق النار الذي ترعاه الأمم المتحدة نفسها، بانتهاك حظر تصدير السلاح للجانبين الليبيّين، وتقديم الأسلحة والمقاتلين لهما، كما تأتي أهمية المقاربة الأمريكية للجزائر في ضوء توتّر العلاقات بين حليفتَي الناتو، تركيا وفرنسا، اللتين تدهورت علاقتهما على خلفية السياسات المتعارضة في ليبيا، ونزاع تركيا مع اليونان على موارد الطاقة.

 ومن الواضح أنّ الجزائر ستكون عاملاً حاسماً في هذا التّوتر التركي- الفرنسي ومخرجاته في أكثر من ملفّ.

الصفحة الرئيسية