وادي غزة: من مستوطنة للقوارض والأفاعي إلى محمية طبيعية

وادي غزة: من مستوطنة للقوارض والأفاعي إلى محمية طبيعية


06/10/2021

يعدّ وادي غزة أحد المعالم الطبيعية الرئيسية في قطاع غزة، وينبع من تلال النقب والمرتفعات الجنوبية لمدينة الخليل، ويبلغ طوله حوالي 105 كيلو متراً من منبعه، ويمتدّ من خط الهدنة شرق غزة إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويبلغ أقصى ارتفاع للوادي، ثلاثين متراً فوق سطح البحر، كما يبلغ طول مساره عبر قطاع غزة سبعة كيلو متراً، وفق وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا".

وأكد مستشار وكيل وزارة الحكم المحلي في غزة، زهدي الغريز، في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي، أنّ وادي غزة لن يكون مجرى لمياه الصرف الصحي مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: ماذا لو أجريت الانتخابات المحلية في قطاع غزة الآن؟

وأكد الغريز، في تصريحات لإذاعة "صوت الأقصى"؛ أنّ "وادي غزة سيعود محمية طبيعية"، مضيفاً: "نأمل أن يحصل ألـ " UNDP" على المنحة، التي تقدّر بـ 5 و6 مليون دولار لاستكمال مشروع تحويل وادي غزة من الجسر الواقع على صلاح الدين إلى البحر غرباً إلى محمية طبيعية في غضون عامين".

وحول تمكن محطة معالجة مياه الصرف الصحي لغزة والوسطى من العمل للمرة الأولى، قال: "مشروع معالجة مياه الصرف الصحي فكرته قديمة، لكنّ مماطلات الاحتلال لم تسمح ببدء العمل إلا عند قدوم وزير الخارجية الألماني قبل عدة أعوام والذي ضغط على الاحتلال من أجل البدء بتنفيذ المشروع".

مشروع معالجة مياه الصرف الصحي فكرته قديمة، لكنّ مماطلات الاحتلال لم تسمح ببدء العمل

وتابع الغريز قوله: "المحطة بدأت العمل في آذار (مارس) 2021، كمرحلة تجريبية، وعندما بدأت المحطة تؤتي أكلها وتعطي نتائج بدأنا بإدخال مياه الصرف الصحي من غزة والمناطق الوسطى، والتي لا تقل عن 60 ألف متراً مكعباً يومياً".

كارثة إنسانية كبيرة

ومع تزايد السنوات، جف الوادي، وأقرت سلطة جودة البيئة الفلسطينية بأنّ المنطقة محمية طبيعية عام 2007، عبر مشاريع ممولة، غير أنّها توقفت إثر الانقسام الفلسطيني، وتحوّل الوادي لمكبّ لمياه الصرف الصحي والقمامة نتيجة السلوك الخاطئ للناس، وعدم الاهتمام من قبل السلطات المعنية؛ ليصبح مستنقعاً بيئياً.

ولم يعد هناك الكثير من المواطنين الذين يسكنون ضفاف الوادي بسبب الإهمال البلدي، إضافة إلى ذلك تخشى العائلات الفلسطينية التي تسكن ضفاف الوادي باستمرار من قيام إسرائيل بفتح السدود التي أقامتها على حدود قطاع غزة، الأمر الذي يسبب كارثة إنسانية كبيرة.

أصبح وادي غزة جافاً في معظم أيام العام، ما جعل السكان في المناطق المحيطة يستخدمون مجراه كمكب للنفايات الصلبة، وركام المنازل المدمرة، حتى بات مرتعاً للحشرات والقوارض

وفي تشرين الأول (يناير) 2010، أقدمت السلطات الإسرائيلية على فتح سد وادي غزة دون إنذار سابق، ما أدّى إلى إغراق عشرات المنازل وتشريد نحو 100 عائلة فلسطينية، وأعلن الدفاع المدني حينها، في تصريحات لـ "وكالة معاً الإخبارية"، إنقاذ 7 أشخاص.

وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت، عام 1994، تحويل "وادي غزة" إلى محمية طبيعية لكنّه اليوم تحوّل إلى مكبّ للنفايات، ومصرف لـ 16 ألف متراً مكعباً من المياه العادمة غير المعالجة يومياً، واستوطنته أنواع مختلفة من الحشرات والقوارض والأفاعي.

وبحسب معطيات سلطة جودة البيئة الفلسطينية؛ ففي أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة) 51 محمية طبيعية، منها محمية وحيدة في قطاع غزة "وادي غزة".

محمية طبيعية

بدوره، يقول مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، المهندس منذر شبلاق، في حديثه لـ "حفريات": "مشروع تحويل وادي غزة إلى محمية طبيعية تمّ من خلال إنشاء محطة معالجة مركزية للمياه العادمة في منطقة مخيم البريج وسط قطاع غزة، والتي تمت بتمويل من بنك الائتمان الألماني للتنمية "KfW"، وبتنفيذ واشراف من مصلحة مياه بلديات الساحل، حيث بدأت المحطة بضخّ المياه المعالجة إلى مجرى الوادي حالياً".

مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، المهندس منذر شبلاق: الاستمرار في ضخّ المياه المعالجة والنظيفة في مجرى الوادي، من شأنه أن يحوّل مكرهة صحية إلى محمية طبيعية

ولفت إلى أنّ "الاستمرار في ضخّ المياه المعالجة والنظيفة في مجرى الوادي، من شأنه أن يحوّل مكرهة صحية إلى محمية طبيعية، حيث تعدّ هذه المياه بديلاً عن مياه الأمطار والصرف الصحي"، موضحاً أنّ "هناك مشروعاً مكملاً لمحطة المعالجة، وذلك من خلال قيام مؤسسات دولية وأهلية، بمساندة الحملات الشعبية، لتنظيف مجرى الوادي من أرضيته الملوثة بالنفايات الصلبة والسائلة، منذ ما يزيد عن 10 أعوام، وذلك كي تظهر المياه في المجرى بشكل نظيف، دون أن تتضمّن أيّة نفايات".

تنشيط الحركة السياحية

شبلاق أكد "اعتماد وادي غزة على مياه الأمطار منذ فترة طويلة، والتي تأتي من فلسطين التاريخية، من مناطق الخليل وبئر السبع، وهو ما دفع الاحتلال لإقامة عدد من السدود لحجب تلك المياه وفتحها في أوقات محددة خلال فصل الشتاء، فأصبح الوادي جافاً في معظم أيام العام، الأمر الذي منح السكان في المناطق المحيطة فرصة لاستخدام مجراه كمكب للنفايات الصلبة، وركام المنازل المدمرة، حتى بات مرتعاً لتكاثر الحشرات والقوارض، وانبعاث الروائح الكريهة، وبات مكرهة صحية، في ظلّ منع الاحتلال الإسرائيلي إيصال امدادات المياه الطبيعية إليه".

اقرأ أيضاً: بعد انتهاك حقوق الأحياء: إسرائيل تعاقب جثامين الشهداء الفلسطينيين

وأوضح أنّ "المشروع الحالي سيسهم في إنهاء فترة طويلة من التلوث الحاصل بمياه وادي غزة، وسيكون مصدراً دائماً لمياه الصرف الصحي المعالجة، وذلك لتنشيط الحركة السياحة، من خلال القيام بإنشاء العديد من المنتجعات والشاليهات السياحية على مقربة من الوادي، وإقامة الرحلات الترفيهية، إضافة إلى استغلال مياهه في ريّ المزروعات؛ حيث تصبح المنطقة صالحة بيئياً لممارسة كافة الأنشطة السياحية والزراعية".

اقرأ أيضاً: لماذا تتقاسم عائلة فلسطينية منزلها مع مستوطنين في حيّ الشيخ جراح؟

وبيّن رئيس مصلحة مياه بلديات الساحل؛ أنّ "العائق الوحيد للمشروع يتعلق بالعنصر البشري، ومدى حرصه على المحافظة على الوادي خالياً من القمامة والنفايات الصلبة بمختلف أنواعها، وهو تحدياً يتطلب تكاثف جهود الجميع في الوزارات المعنية، وكذلك اللجان المحلية، بتوعية السكان بضرورة الحفاظ على مياه وادي غزة نظيفة، كي تبقى محمية طبيعية تزدهر بالنباتات البرية والطيور المهاجرة".

ركيزة وطنية بيئية

ويرى الدكتور أحمد حلس، رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية؛ أنّ "المخطط المقام لتطوير مجرى وادي غزة هو ركيزة وطنية بيئية، ومشروع كبير بلغت تكلفته ملايين الدولارات، وهو يقوم على معالجة 60 ألف متراً مكعباً من المياه العادمة، على أن يتم تصريفها في مجرى وادي غزة وكأنها نهر جار، وذلك لتعود النباتات الطبيعية، والحيوانات والطيور البرية لتستوطن من جديد بداخل الوادي، وللتخلص أيضاً من المكرهة الصحية والبيئية، التي كانت على مدار سنوات تنغص حياة السكان، وتصيبهم بعدة أمراض مختلفة".

 الدكتور أحمد حلس، رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية: المشكلة حالياً تتمثل في النفايات والمياه العادمة المتراكمة في قاع الوادي ومجراه

ويضيف حلس، لـ "حفريات": "المشكلة حالياً تتمثل في النفايات والمياه العادمة المتراكمة في قاع الوادي ومجراه، والتي سيتمّ تجاوزها عبر ترحيلها إلى مكب النفايات الصلبة شرق القطاع، لنتمكن أخيراً من طيّ صفحة مظلمة من صفحات البيئة المتهالكة في وادي غزة، وشاطئ البحر المحاذي لمصب الوادي، والذي يتلقَّ 125 ألف متر مكعب من المياه العادمة يومياً، من بينها ما يقارب 30 ألف متراً مكعباً حصة وادي غزة وحدها، حيث سيسهم المشروع في تحسين الواقع البيئي والسياحي، من خلال إنشاء عدة مطاعم وشاليهات ومنتجعات، ومرافق سياحية أخرى عديدة".

رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية الدكتور أحمد حلس لـ"حفريات": المخطط المقام لتطوير مجرى وادي غزة يعد ركيزة وطنية بيئية، ومشروع كبير بلغت تكلفته ملايين الدولارات

ويضيف حلس: "وادي غزة يمرّ من أقصى الشرق باتجاه أقصى الغرب بشكل متعرج، مروراً بستة أحياء فلسطينية، وهي مناطق غير موصولة بشبكات للصرف الصحي، وكان يتم التخلص من هذه المياه في مجرى الوادي"، مشيراً إلى "تفاقم الأزمة مع ازدياد أعداد السكان في غزة، الذين تتضاعف أعدادهم بمعدل 4.2% سنوياً، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كمية تصريف المياه العادمة إلى الوادي على مدار سنوات عديدة".

تدمير التنوع الحيوي

وأكد أنّ "كمية المياه غير المعالجة التي كانت تصرف باتجاه الوادي تقدر بنحو 25 ألف متراً مكعباً، خلال عام 2020، في حين قام الاحتلال ببناء عدة سدود على مسافة تتراوح بين 2 و3 كيلو متراً من القطاع، لحجب مياه الأمطار العذبة التي كانت تأتي من أودية الشعرية والرشراش والسموع والخليل، وتقدّر كميتها بـ 25 إلى 30 مليون متراً مكعباً خلال فصل الشتاء وما بعده، من التدفق نحو الوادي وتغذية الخزان الجوفي".

تحوّل الوادي لمكبّ لمياه الصرف الصحي والقمامة نتيجة السلوك الخاطئ للناس، وعدم الاهتمام من قبل السلطات المعنية

حلس تابع قائلاً: "ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة في وادي غزة، بالرغم من خطورتها الصحية والبيئية، إلا أنّها حافظت على عدم جفافه بشكل كامل، دون إخفاء ما تركته هذا المياه من تدمير لمجرى الوادي، وانتشار مختلف أنواع البكتيريا والفيروسات والطفيليات بداخله، إضافة إلى تكاثر الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض الخطيرة، حتى باتت المنطقة مكرهة صحية بيئية، ومستنقعاً للمياه العادمة".

اقرأ أيضاً: تمكين السلطة الفلسطينية ومحاصرة حماس: قطاع غزة يختنق

ولفت حلس إلى أنّ "الوضع القائم ساهم في تدمير البنية التحتية الطبيعية المرتبطة بالتنوع الحيوي، وأدّى ذلك لانقراض أكثر من 130 نوعاً من الطيور المهاجرة، والتي كانت تقطع مسافات طويلة تتراوح بين 6 و 7 آلاف كيلو متراً، قادمة من عدة مناطق مختلفة من أوروبا لتتكاثر بداخل الوادي، إضافة إلى اختفاء 20 نوعاً من الثدييات، و105 أنواع من الحيوانات البرية؛ كالثعلب الأحمر، والقط البري، والأرنب البري، والصقور والنسور، وطائر اليمام وغيرها، والتي باتت لا تستهوي العيش في هذه المنطقة الملوثة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية