هل يودي انهيار الليرة التركية بالسلطان أردوغان؟

هل يودي انهيار الليرة التركية بالسلطان أردوغان؟


27/05/2018

فقدت الليرة التركية، منذ بداية العام الجاري، أكثر من خُمس قيمتها، أي نحو 23% من هذه القيمة، أمام الدولار الأمريكي، ليصل سعره إلى خمس ليرات تركية، مع العلم أنّ سعره كان نصف هذه القيمة عام 2015، وتعدّ هذه واحدة من أعلى النسب العالمية في تراجع قيمة العملات خلال الفترة المذكورة.

الليرة التركية تفقد منذ بداية العام الجاري أكثر من خمس قيمتها أمام الدولار الأمريكي

يعرّض تدهور الليرة بهذا الشكل السريع والمرعب كثيراً من الشركات والبنوك التركية التي تعتمد على القروض لضغوط متزايدة يصعب تحمّلها، ويعود السبب في ذلك إلى نسبة التضخم العالية التي ترفع الأسعار بشكل غير منضبط، وتزيد من حاجتها إلى مزيد من الليرات، لاستيراد مستلزماتها بالدولار، والوفاء بأقساط ديونها بالعملة الأمريكية كذلك.

وتزيد قيمة القروض المترتبة على البنوك التركية بالدولار الأمريكي لوحدها عن 600 مليار دولار، بحسب تقدير أكثر من مصدر، مثل بنوك التسويات والمعاملات الدولية في سويسرا "BIS"، أما الشركات التركية فتقدر قيمة ديونها بنحو نصف هذا المبلغ، وهو الأمر الذي يجعل أكثر الشركات تخشى الإفلاس في حال فشلها في إعادة جدولة ديونها، أملاً في أيام مقبلة أفضل، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.

600 مليار دولار القروض المترتبة على البنوك التركية أما الشركات فتقدر قيمة ديونها بنحو نصف هذا المبلغ

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، في 24 حزيران (يونيو) المقبل، يكرر الرئيس أردوغان تدخله في السياسة النقدية للبنك المركزي التركي، رافضاً توجه الأخير إلى رفع أسعار الفائدة من أجل كبح جماع التضخم الناشئ عن تدهور سعر الليرة، غير أنّ البنك، وعلى خلاف رغبة أردوغان، لجأ إلى رفع سعر الفائدة من 13.5 إلى 16.5%، قبل أيام، عندما وصل سعر الدولار إلى خمس ليرات، وهذه هي المرة الثالثة التي يتدخل فيها لرفع سعر الفائدة، بهدف وقف التدهور.

 في هذه الأثناء، يدعو عدد من الخبراء المستقلين القائمين على السياسة النقدية إلى مزيد من الجرأة، من خلال رفع الفائدة إلى أكثر من 20%، بهدف تجنب أزمة اقتصادية يصعب السيطرة عليها، غير أنّ السلطات النقدية تبدو خائفة من ردود فعل غير محسوبة من قبل الرئيس، الذي يرفض سياسة رفع الفوائد، ويعدّها "أساس الشرور".

ويزيد من الخوف على استقلالية البنك المركزي تصريحات أردوغان، بنيته إعطاء الشأن المالي المزيد من الاهتمام في فترة حكمه القادمة، مع أنّ تدخله زاد من زعزعة الثقة بالسوق المالية التركية خلال الأشهر الماضية.

البنك المركزي التركي يخالف أردوغان ويرفع  أسعار الفائدة بهدف تجنب أزمة اقتصادية يصعب السيطرة عليها

وتقول المعطيات المتوفرة حتى بداية السنة الجارية: إنّ الاقتصاد التركي شهد معدلات نمو عالية خلال النصف الثاني من عام 2017، زادت عن 7%، غير أنّ نسب التضخم العالية ومعدلات البطالة التي تصل إلى نحو 20% في صفوف الشباب، قللت من أهمية هذا النمو وافقدته زخمه، ومن المؤثرات الشديدة السلبية عليه؛ اعتماده بشكل كبير للغاية أيضاً على القروض والاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على البلاد طمعاً بالعوائد العالية، كما أنّ أساليب الرئيس أردوغان الاستبدادية وزجّه لمعارضيه في السجون، والتضييق على الحريات العامة زعزت الثقة بالنظام السياسي التركي.

وزاد من ذلك؛ انخراط حكومات أردوغان في أزمات منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأزمة السورية، بشكل ساعد في تقويض الاستقرار في كثيرمن دول المنطقة، بما في ذلك تركيا نفسها.

وبما أنّ ازدهار الاقتصاد وتدفق الاستثمارات الأجنبية مرتبط بالاستقرار السياسي، فإنّ هذه الاستثمارات بدأت بمغادرة تركيا منذ أعوام، تاركة وراءها ثغرة بعشرات المليارات من الدولارات، لا يمكن للقوة الاقتصادية الذاتية التركية سدّها، على عكس ما يؤكده أردوغان الذي يرى أنّ الأزمة مؤقتة، وأنّ وراء تدهور الليرة احتكارات ومضاربات يقوم بها أعداء تركيا في الأسواق المالية العالمية.

ويعزز من توجه هجرة رؤوس الأموال هذه؛ توجه المستثمرين من الأسواق الناشئة، كالسوق التركية، إلى السوق الأمريكية، على ضوء تعافي الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع سعر الدولار والعوائد على إيداعاته وعلى السندات الأمريكية، وفي ضوء ذلك يبدو الاقتصاد التركي مقبلاً على مزيد من المصاعب والمتاعب، إذا أخذنا بعين الاعتبار استمرار عزوف الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع أسعار الطاقة التي تستوردها تركيا لسدّ احتياجاتها بشكل شبه كامل، الأمر الذي يزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري، الذي يصل إلى أكثر من 37%، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تبعات؛ منها فقدان أردوغان لجزء من شعبيته، بشكل قد يحرمه من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان القادم.، ما يعني احتمال خسارته السلطة التي ثبت أقدامه فيها، بفضل استقرار العملة الذي ساعد على نهضة اقتصادية لم تعرفها تركيا في تاريخها، خلال أعوام حكمه الأولى، التي شهدت انفتاحاً على العالم العربي ووسط آسيا، وانفراجاً سياسياً قوياً مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والجيران.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية