هل ينجح نتنياهو في نزع فتيل الحرب الأهلية؟

هل ينجح نتنياهو في نزع فتيل الحرب الأهلية؟

هل ينجح نتنياهو في نزع فتيل الحرب الأهلية؟


29/03/2023

من قبل، وبالتزامن مع أحداث الحرب العالمية الثانية، قرر مناحيم بيغن، زعيم "الإرغون"، الانتقام من سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين، وكذلك الوكالة اليهودية، حيث توشح اليمين الصهيونى بعباءة الآباء الأوائل الذين حملوا السيف بعد سنوات التيه، فقرر أن يحارب الجميع، حتى لو تطلب الأمر مواجهة رفاق السلاح؛ ليبدأ العدد التنازلي لحركة التمرد الصهيوني في فلسطين، والتي سرعان ما تحولت إلى حرب شاملة.

من جهتها، وضعت عصابة شتيرن، بقيادة اسحق شامير، خطة للقيام ببعض عمليات السطو، وتصفية بعض القيادات اليهودية، ومنهم قادة في الوكالة اليهودية والهاغاناه، بل وقام شامير بتصفية زميله إلياهو جلعادي؛ للسيطرة على التنظيم المسلح، وفي كانون الأول (يناير) 1944،  بدأت حملة الإرهاب الصهيوني التي شنها اليمين؛ بوضع عبوات ناسفة في مرفأ الحافلات في يافا، وكاتدرائية سان جورج، كما قامت "الإرغون" بتفجير مكاتب شؤون الهجرة في القدس وحيفا وتل أبيب، وتمّ تدمير دوائر ضريبة الدخل في المدن الثلاث، وتواصلت عمليات تفجير مراكز الشرطة في القدس ويافا وحيفا. قبل أنّ ينتهي الأمر بتفجير فندق الملك داود في القدس؛ لتقرر بعدها الهاغاناة الدخول فيما يشبه الحرب الأهلية مع التنظيمات الصهيونية المسلحة، للسيطرة على الأمر.

وعليه، رافق الاقتتال الداخلي مسيرة الغزاة الصهاينة، منذ البدايات، وبالتالي فإنّ العودة لمسار الحرب الأهلية ليس مستبعداً، في ظل حالة الانقسام السياسي غير المسبوق، وهو ما انتبه إليه رئيس الوزراء اليميني، بنيامين نتنياهو، أخيراً، فقرر على ما يبدو الانحناء أمام موجة الغضب الشعبي، ولو بشكل مؤقت، حيث أرجأ نتنياهو خطته للإصلاح القضائي المثيرة للجدل، الإثنين، بداعي أنّه يريد تجنب الحرب الأهلية؛ من خلال التوصل إلى حل وسط مع المعارضين السياسيين.

إذعان وتراجع

في خطابه الأخير، اتخذ نتنياهو نبرة أكثر مرونة، حيث اعترف بالانقسامات العميقة الموجودة في البلاد، وقال إنّه يحاول الضغط على زر التوقف؛ لمنع حدوث شرخ في الأمة. مضيفاً، وفقاً لـ"تايمز أوف إسرائيل": "عندما يكون هناك خيار لتجنب الحرب الأهلية من خلال الحوار، فإنّني آخذ وقتاً للحوار". زاعماً أنّ ذلك "من منطلق المسؤولية الوطنية". وتعهد بالتوصل إلى توافق واسع خلال الجلسة الصيفية للبرلمان، التي تبدأ في 30 نيسان (أبريل) المقبل.

اسحق شامير وبنيامين نتنياهو

من جانبها، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، إنّ إدارة بايدن، ترحب بالإعلان؛ باعتباره "فرصة لخلق مزيد من الوقت والمساحة للتسوية".

حديث نتنياهو جاء بالتزامن مع تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين خارج البرلمان، ودخول النقابة العمالية الرئيسية في إسرائيل، الهيستدروت، في إضراب مفتوح، في تصعيد درامي للحركة الاحتجاجية الجماهيرية ضد سياساته.

اتخذ نتنياهو نبرة أكثر مرونة، حيث اعترف بالانقسامات العميقة الموجودة في البلاد، وقال إنّه يحاول الضغط على زر التوقف؛ لمنع حدوث شرخ في الأمة

وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإنّ سياسات نتنياهو أدخلت إسرائيل في أسوأ أزمة داخلية لها على الإطلاق، خاصّة بعد أن هدد الطيارون المقاتلون، وجنود الاحتياط، بمقاطعة الخدمة العسكرية، بالتزامن مع انخفاض كبير في سعر صرف الشيكل.

نتنياهو، الذي يحاكم بتهم فساد، حاول الهيمنة على المحكمة العليا، ربما لتفادي الإطاحة به من السلطة، حيث أراد أن يمنح البرلمان، الذي يسيطر عليه حلفاؤه، سلطة إلغاء قرارات المحكمة العليا، والحد من قدرة الأخيرة على مراجعة القوانين، بداعي كبح جماح المحكمة، ومنع تدخلها المفرط في الحكم، وبالتالي قرر اتخاذ حزمة من القوانين، من شأنها أن تؤدي إلى تركيز السلطة في أيدي حلفائه.

مواجهات عنيفة

تصاعدت الاحتجاجات بشكل كبير، ليلة الأحد الماضي، بعد أن أقال نتنياهو فجأة وزير الدفاع يوآف غالانت، والذي سبق وحث رئيس الوزراء على تعليق خططه بشأن القضاء، مشيراً إلى مخاوفه بشأن إلحاق أضرار بالجيش الإسرائيلي.

بعد إقالة غالانت، استقال آساف زمير، القنصل العام لإسرائيل في نيويورك، من منصبه، لإضافة صوته إلى معارضي الإصلاح القضائي.

من جهة أخرى، وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، أثار إطلاق النار على المتظاهرين موجة غضب عفوية، حيث خرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع، في غضون ساعة واحدة فقط، وهم يهتفون هتافات عدائية، قبل أن يشعلوا النيران على الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب، كما أغلق المتظاهرون العديد من الطرق الأخرى في جميع أنحاء البلاد لمدة ساعات. وواصل المتظاهرون التجمهر في اليوم التالي، خارج الكنيست بأعداد غفيرة.

وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت

أحد المتظاهرين أعرب لمراسلة وكالة "أسوشيتد برس" عن استعداده للقتال، إذا تطلب الأمر قائلاً:: "هذه هي الفرصة الأخيرة؛ لوقف هذا الانتقال إلى الديكتاتورية، وأنا هنا من أجل القتال حتى النهاية".

من جهته، حشد اليمين الصهيوني نحو 20 ألف إسرائيلي، في مظاهرة مضادة لدعم رئيس الوزراء، وجرت تلك المظاهرة بالقرب من البرلمان، لكنّها مرّت دون عنف. ورفع خلالها الحزب الصهيوني الديني شعار: "لن يسرقوا الانتخابات منا".

حديث نتنياهو جاء بالتزامن مع تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين خارج البرلمان، ودخول النقابة العمالية الرئيسية في إسرائيل، الهيستدروت، في إضراب مفتوح

وفي وقت متأخر من مساء الإثنين، جرت مواجهات عنيفة بين متظاهرين من الطرفين، في وسط تل أبيب، تبادلا خلالها الشتائم وإلقاء الحجارة، كما اشتبك العشرات بالأيدي، ما اضطر الشرطة إلى استخدام خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين.

تهدئة حذرة

كان الدافع الاقتصادي هو الأكثر ضغطاً على نتنياهو، حيث أدت الفوضى إلى إغلاق معظم المؤسسات في أنحاء البلاد، وهددت بشل الاقتصاد، وتوقفت رحلات السفر، كما أغلقت سلاسل المراكز التجارية الكبرى والجامعات أبوابها، وترك عدد من الدبلوماسيين وظائفهم في البعثات الأجنبية، وأعلنت نقابة الأطباء الرئيسية عن نية أعضائها الدخول في إضراب عام.

مع إعلان نتنياهو عن تراجعه، أعلن الهيستدروت، في وقت متأخر من يوم الإثنين، عن تعليق الإضراب، رداً على قرار نتنياهو. وبدا الأمر، بحسب تعبير "الأسوشيتد برس"، وكأنّ نتنياهو المحاصر نجح في شراء عدة أسابيع من الهدوء. لكن لم يتضح بعد، ما إذا كان يمكنه حل كلّ الخلافات.

جرت مواجهات عنيفة بين متظاهرين من الطرفين، في وسط تل أبيب

بدوره، قال رئيس الدولة، إسحاق هرتسوغ، إنّ وقف الهجوم التشريعي، هو الشيء الصحيح. مضيفاً: "هذا هو الوقت المناسب؛ لإجراء مناقشات صريحة وجادة ومسؤولة؛ ستؤدي بشكل عاجل إلى تهدئة الروح المعنوية وإخماد النيران". بينما أعرب زعيم المعارضة يائير لبيد، عن استعداده لإجراء حوار حقيقي، برعاية الرئيس هرتسوغ.

من جهة أخرى، قال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهو قومي متطرف، كان يضغط من أجل تمرير سريع لحزمة الإجراءات، إنه سيحترم التأجيل. قبل أن يكتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، "الإصلاح سيمر، ولن يخيفنا أحد".

مع إعلان نتنياهو عن تراجعه، أعلن الهيستدروت، في وقت متأخر من يوم الإثنين عن تعليق الإضراب، رداً على قرار نتنياهو

ويبدو أنّ قرار نتنياهو أدى إلى تهدئة الشارع إلى حد ما، بعد اضطرابات غير مسبوقة، استمرت لنحو ثلاثة أشهر، إلّا أنّ القرار لم يعالج القضايا الأساسية، التي أدت إلى حدوث استقطاب حاد داخل الدولة الصهيونية، والتي تتجاوز بكثير مجرد الاختلاف حول التعاطي مع مؤسّسة القضاء.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية