هل ينجح الإرهاب في تحقيق أهدافه؟

هل ينجح الإرهاب في تحقيق أهدافه؟


24/06/2019

الإجابة عن سؤال: هل ينجح الإرهاب في تحقيق أهدافه؟ يمكن أن تفسر بعض الديناميكيات الرئيسة لظاهرة الإرهاب، بداية من العلاقات السببية في قلب هذه الظاهرة العالمية (على نحو لماذا يحدث الإرهاب؟ وأين؟ ومتى؟)، إلى مستوياته المختلفة عبر الزمان والمكان؛ (لماذا يستمر ويبقى في فترات محددة وعلى مستويات مختلفة؟)، ثم العملية التي تنتهي بها النشاطات الإرهابية؛ (لماذا تجفّ أو تنتهي، ولا تجفّ، في بعض الأحوال والأوقات؟)، وأنماط الدعم المتعلقة بالإرهاب؛ (لماذا ينخرط بعض الأفراد أكثر من غيرهم في ممارسة الإرهاب؟).

توصلت دراسة جون تورس إلى أنّ الجماعات غير الإرهابية تنجح أكثر من الإرهابية في تحقيق أهدافها أو بعض أهدافها

للإجابة عن مجموعة الأسئلة أعلاه، يناقش المؤرّخ وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كوينز في بلفاست- أيرلندا الشمالية، ريتشارد إنجليش، في كتابه "هل ينجح الإرهاب.. عرض تاريخي"، 2016، الجوانب المختلفة لهذا السؤال، بطريقة تاريخية تحليلية ومفاهيمية مبدعة، اعتماداً على دراسات حالة متنوعة، ومستعيناً بخبرته الكبيرة بدراسة الحركات القومية المتطرفة، وتجربة الإرهاب في أيرلندا الشمالية، التي تعدّ من أهم وأثرى تجارب الإرهاب ومكافحة الإرهاب في العصر الحديث، خاصة تجربة "إرهاب الجيش الجمهوري الأيرلندي"، التي تبنّي أساليبها الإرهابية من قبل كافة الجماعات والمنظمات الإرهابية في العالم، خاصة أسلوب تفجير المباني والمركبات بعد (التفخيخ).

اقرأ أيضاً: عودة الإرهابيين من سوريا.. كيف سيتعامل الأردن مع هذا الملف؟
هذا العنوان الشامل للإرهاب، الذي وضعه إنجليش، لم يدّعِ القدرة على الإجابة عن السؤال، لكنّه، بالتأكيد، يشكّل مساهمة ممتعة لكلّ باحث في ظاهرة الإرهاب والجدل حول هذه الظاهرة المعولمة.
غلاف الكتاب

يبدأ إنجليش دراسته ببناء إطارٍ مفاهيمي عميق، قائم على 4 نتائج للإرهاب، وهي:
1- النصر الإستراتيجي؛ من حيث تحقيق الجماعات الإرهابية لهدفها (أهدافها) الأولية.
2- النصر الإستراتيجي الجزئي؛ كتأخير حدوث الهزيمة.
3- النجاح التكتيكي؛ كالنجاح العملياتي، أو الحصول على الجماهيرية.
4- المكاسب الملازمة للصراع؛ مثل تحقيق المكانة والهيبة والنفوذ.

هذا وقد قام إنجليش بتطبيق هذا الإطار المفاهيمي، كدراسة حالة، بشكلٍ رئيس على تجارب تنظيمات: القاعدة، الجيش الجمهوري الأيرلندي، حماس، وإيتا الباسكية، وبدرجة أقلّ من البحث على جماعات أخرى، مثل: حزب الله، المؤتمر الإفريقي في جنوب إفريقيا، نمور التاميل-إيلام السيريلانكية، بادر ماينهوف الألمانية، ولشكر طيبة الباكستانية، وغيرها من الجماعات، لفحص كفاءة نشاطها.

اقرأ أيضاً: عام ٢٠١٩ الطويل!

وبناءً عليه؛ قام بتقسيم الكتاب إلى 4 فصول، هي على الترتيب: الإرهاب الجهادي: حالة تنظيم القاعدة، أيرلندا والجيش الجمهوري المؤقت، والإرهاب الباسكي، منظمة إيتا، والدولة في إسبانيا. ثم قام بتطبيق إطاره المفاهيمي الرباعي على كلّ جماعة على حدة، من خلال تقرير متابعة خاص، ثم قام بوضع النتائج عن مجموع الحالات في فصل خامس.

ريتشارد انجليش
النتيجة المهمة، ضمن العديد من النتائج التي توصل إليها إنجليش؛ هي حقيقة أنّ جميع هذه الجماعات والمنظمات الإرهابية، تسببت بالكثير من الخسائر والمعاناة البشرية، ومع ذلك فإنّها جمعيها لم تحقق أياً من أهدافها المركزية.
زيادة على ذلك؛ فإنّه على العكس من الثقة التي كثيراً ما يحاول الإرهابيون إثباتها بفوائد استخدام العنف، فإنّ الكثير من المستقبل السياسي الذي حاولوا صناعته والتعجيل بحصوله لا يستحق الاحتفال به كما يحاولون.
يعترف إنجليش؛ بأنّ الإجابة عن سؤال: هل ينجح الإرهاب؟ ليست سهلة، نظراً إلى تعقيد ظاهرة الإرهاب نفسه، وأنّ بعض الناس يقع في صراع ولا يجرؤ حتى على طرح مثل هذا السؤال.

اقرأ أيضاً: خطر الإرهاب وعودة المقاتلين الأجانب يتصدر المشهد.. كيف يمكن مواجهته؟
ولقد ساعد أسلوبه النقدي التاريخي والفلسفي، وإطاره المفاهيمي الواضح، وتوثيقه الشامل للأحداث، في إثارة جملة من الأفكار، وفي تجنبه الوقوع في فخ الجدل والهجوم النقدي من قبل الآخرين الذي يميز الكتابة في هذا الحقل من العلوم الإنسانية.
إنّ مناقشة فكرة؛ هل تنجح الجماعات الإرهابية في تحقيق أهدافها؟ ليست جديدة، فهناك الكثير من الدراسات والأبحاث النوعية والكمية حول هذه الفكرة، وجمعيها خلُصت إلى النتيجة نفسها التي توصّل إليها إنجليش، لا بل إنّ هناك بعض الدراسات الكمية مثل دراسة البرفسور جون تورس (John A. Tures) December 19, 2018,) التي قارنت بين 90 جماعة مقسمة إلى جماعات إرهابية، وأخرى غير إرهابية.

 

 

وتوصلت الدراسة إلى أنّ الجماعات والمنظمات غير الإرهابية تنجح أكثر من الإرهابية في تحقيق أهدافها أو بعض أهدافها؛ حيث تبيّن من خلال الدراسة الكمّية؛ أنّ 6 جماعات إرهابية من أصل 45 جماعة، حققت أهدافها السياسية، بينما حققت 26 جماعة غير إرهابية، من أصل 45 جماعة، أهدافها السياسية.

القضية الرئيسة في كتاب إنجليش هي تأكيده على أنّ الحلول العسكرية المبالغ فيها تؤدي إلى خلق المزيد من الإرهاب

وعلى العموم؛ فإنّ الذين يحاججون بأنّ الإرهاب، يمكن، أن ينجح في تحقيق أهدافه السياسية، هم غالباً يشيرون إلى مثال نجاح الجماعات الإرهابية الصهيونية، الأرغون وشترن، في إقامة دولة إسرائيل، من خلال الإرهاب الذي مارسه مناحيم بيغن، وإسحق شامير، في بداية تشكيل دولة إسرائيل، والمؤتمر الإفريقي في جنوب إفريقيا، الذي أوصل نلسون مانديلا للحكم، ومثال حزب الله اللبناني في جنوب لبنان، خاصة في حربه مع إسرائيل.
مع أنّ الدراسة العميقة لهذه الأمثلة يمكن أن تميط اللثام عن حقيقة أنّه؛ سواء في إسرائيل أو جنوب إفريقيا، لم تنجح هذه الجماعات إلا عندما تخلّت عن العنف والإرهاب، وانخرطت في العملية السياسية السلمية.
في النهاية؛ لقد حظي كتاب إنجليش بنقدٍ إيجابي واسع من الجهات المهتمة بأدبيات الإرهاب ومكافحته، لكنّني أعتقد أنّ القضية الرئيسة المهمة في الكتاب، هي تأكيده على أنّ الحلول العسكرية المبالغ فيها تؤدي إلى خلق المزيد من الإرهاب.
ولا يحتاج المرء إلى كثير من التحليل ليكتشف أنّ إنجليش بهذا التحليل يعارض المقاربات العسكرية-الأمنية، السائدة حالياً في كلّ دول العالم لمكافحة الإرهاب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية